بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد توفي مؤخراً الدبلوماسي الإيطالي، جياندومينيكو بيكو، الذي عمل كدبلوماسي في الأمم المتحدة، حيث أمضى بيكو 20 عاماً في المساعدة على حل النزاعات حول العالم.
من أبرز إنجازاته، التوسط لإنهاء الحرب الطويلة والدموية بين إيران والعراق عام 1988 والتفاوض على إطلاق سراح 11 رهينة غربية كانوا محتجزين في لبنان في التسعينيات.
قام بيكو بواجباته من دون أسلحة أو حراسة أمنية، لكنه كان يجازف بشكل كبير للوصول إلى الأماكن المختارة للقاءاته بين سوريا ولبنان، وأحياناً قد يصل مختبئاً في صندوق السيارة، حتى أن مذكراته كانت بعنوان “رجل بلا سلاح”
بدأ بيكو العمل في الأمم المتحدة عام 1973 في بوظيفة متواضعة في إدارة الشؤون السياسية وشؤون مجلس الأمن، وفي غضون عامين فقط، كان في الخطوط الأمامية لمفاوضات قضية قبرص المعقدة.
كان بيكو أيضاً نشطاً في الأزمة الفرنسية النيوزيلندية، وذلك بعد أن أغرق عملاء المخابرات الفرنسية سفينة “رينبو وورير” في ميناء أوكلاند، وهي سفينة تابعة لمنظمة “جرين بيس” والتي كان محتجة على التجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادئ.
قام الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار بتجنيد بيكو في الثمانينيات للقيام بمهام الأمم المتحدة الأكثر حساسية ومنها جهود الوساطة، بما في ذلك الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، مما جعل من بيكو مستكشف الأخطاء الأكثر ثقة بالنسبة له.
من جانب آخر، فقد عمل بيكو بلا كلل لإنهاء الحرب الإيرانية العراقية، والذي كان يعد صراعاً كبيراً في منطقة شديدة التقلب وسبب خسائر فادحة وعطل أسواق النفط والشحن التجاري، ولكن لعب بيكو النظيف وعمله الرصين أكسباه تقدير جميع الأطراف المعنية.
أما في طهران، فقد استثمر بيكو بشكل مهم في علاقاته الشخصية مع رجال الدين الحاكمين، الأمر الذي ساعده بعد عدة سنوات على حل أزمة 11 رهينة غربية تم احتجازهم من قبل حزب الله في لبنان.
فن الدبلوماسية
لقد قام بيكو بواجباته من دون أسلحة أو حراسة أمنية، لكنه كان يجازف بشكل كبير للوصول إلى الأماكن المختارة للقاءاته بين سوريا ولبنان، وأحياناً قد يصل مختبئاً في صندوق السيارة، حتى أن مذكراته كانت بعنوان “رجل بلا سلاح”.
في عام 1991، منح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب بيكو الجائزة الرئاسية للخدمة الاستثنائية، بسبب ما اعتبره “دبلوماسيته الماهرة في التعامل مع حكومات الشرق الأوسط وممثلي احتجاز الرهائن، وشجاعته الشخصية في مواجهة الخطر وتفانيه في الرسالة”.
لقد حالفني الحظ بالتعرف عليه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك عندما كنت مسؤولاً في البعثة الدبلوماسية الإيطالية في الأمم المتحدة، عندها كان بيكو قد غادر ليؤسس شركته الاستشارية الخاصة، وكانت تلك بداية صداقة استمرت عقدين من الزمن بيننا.
لقد أصبحت الدبلوماسية أقل قدرة على تحقيق النتائج وذلك يظهر جلياً من خلال المأساة في أوكرانيا وغزة، وذلك إنما يدل على أن الدرس الذي قدمه بيكو في فن الدبلوماسية قد تم نسيانه حقاً!
بالنسبة لدبلوماسي شاب مثلي في ذلك الوقت حيث كنت مسؤولاً عن شؤون الشرق الأوسط الكبير في الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 2000 و2004، كان بيكو بمثابة منجم لا ينضب من المعلومات والحكايات والنصائح حول ديناميكيات الشرق الأوسط المعقدة والغامضة في بعض الأحيان.
لقد عرّفني على “الخليج 2000″، وهي قائمة بريدية استثنائية تضم دبلوماسيين وأكاديميين سابقين وخبراء في شؤون الشرق الأوسط والخليج، يتبادلون وجهات النظر والآراء حول المنطقة بشكل سري وتحت إشراف البروفيسور في جامعة كولومبيا، غاري سيك، وهو مستشار سابق للبيت الأبيض.
لقد قدم بيكو درساً مثالياً في فن الدبلوماسية، حيث أظهر أنه لتحقيق النجاح الدبلوماسي وتعزيز السلام، فمن الضروري إشراك أي شخص يمكنه المساهمة دون شروط مسبقة أو قيود.
لقد أثبت بيكو أن التعاطف المعرفي والتحدث الناعم والصبر والإقناع أساليب يمكنها أن تحقق الأهداف بشكل أكثر فعالية من الردع العسكري والعقوبات المالية والابتزاز، والتي كثيراً ما يستخدمها الغرب.
لقد أصبحت الدبلوماسية أقل قدرة على تحقيق النتائج وذلك يظهر جلياً من خلال المأساة في أوكرانيا وغزة، وذلك إنما يدل على أن الدرس الذي قدمه بيكو في فن الدبلوماسية قد تم نسيانه حقاً!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)