أثارت مشاركة الأردن في اعتراض الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي تساؤلات حول علاقتها الأمنية مع إسرائيل، سيما وأن العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون على أراضيها.
وانضمت عمّان إلى إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في إسقاط نحو 300 طائرة مسيرة وصاروخ ليلة السبت، في أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل.
وجاءت الهجوم الإيراني رداً على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت السفارة الإيرانية في سوريا في وقت سابق من هذا الشهر والتي أسفرت عن مقتل سبعة أعضاء في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
ووفقاً للمعلومات، فقد اعترض الأردن صواريخ بالقرب من وادي الأردن وعلى طول الحدود مع سوريا في مشهد نادر لدولة عربية تبدو وكأنها تهب مباشرة للدفاع عن إسرائيل.
وبادر الأردن إلى الإعلان عن أنه كان يدافع عن نفسه، وليس عن إسرائيل، حيث أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الأحد، أنه “تم التعامل مع بعض الأجسام الطائرة التي دخلت أجواءنا الليلة الماضية ومواجهتها لمنعها من تعريض سلامة مواطنينا ومناطقنا السكنية والمأهولة للخطر”.
لكن هذا الفعل الأردني أثار ردود فعل متباينة بين مختلف الأطراف، حيث وصف المحلل الإسرائيلي ميراف زونسزين سلوك الأردن بأنه “رائع بشكل خاص بالنسبة لجيل من الإسرائيليين الذين يتذكرون الاحتماء من الهجمات القادمة من الأردن”، مضيفاً أن ذلك يظهر أن “الاتفاقات الدبلوماسية حيوية للاستقرار”.
في المقابل، انتقدت ديما الخطيب، المديرة التنفيذية لـ AJ+ التابعة لشبكة الجزيرة عمليات الاعتراض، ووصفتها بـ “المشهد الصادم”.
وقالت: “الدول الشقيقة ترد، لكن ليس على هجوم الطائرات والمسيرات والصواريخ الإسرائيلية على فلسطين، بل دفاعاً عن إسرائيل”.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فقد وافقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على تبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة لإحباط الهجوم الإيراني، بينما فتح الأردن مجاله الجوي أمام واشنطن وحلفائها.
وقال مايكل هورويتز، المحلل الأمني في شركة لو بيك إنترناشيونال الاستشارية، إنه “لا يمكن رفض فكرة أن الأردن يحمي سيادته”.
وأضاف: “كانت مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ تحلق فوق الأردن، وأي دولة لن تسمح بحدوث ذلك بغض النظر عن الهدف، خاصة مع العلم أن بعض الصواريخ والمسيرات الإيرانية يمكن أن تفشل في وصول أهدافها”.
وقال شون يوم، الخبير في السياسة الأردنية والسياسة الخارجية، إن الإجراءات الدفاعية للمملكة الهاشمية “لم تكن خطأ، بل ضرورة استراتيجية”.
وأضاف: “كانت الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية من الناحية الفنية تنتهك السيادة الأردنية عبر دخول مجالها الجوي”.
وأضاف يقول:” فضلاً عن ذلك، فقد كان من المستحيل أن تقف الأردن مكتوفة الأيدي في ظل قيادة الولايات المتحدة لجزء كبير من الإستراتيجية الدفاعية المضادة للطائرات، ووجود قوات عسكرية كبيرة على أراضيها”.
وأوضح يوم أن هذه الإجراءات أظهرت أن العلاقة بين الأردن وإسرائيل مرتبطة “بالبعد الثلاثي” بالضمانات الأمريكية للأمن المتبادل والمساعدات الخارجية.
ويتواجد في الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين مقارنة بأي بلد آخر، حيث يبلغ عددهم أكثر من 2.2 مليون لاجئ مسجلين رسمياً لدى الأمم المتحدة، فيما يعتقد أن العدد الفعلي للفلسطينيين في البلاد أعلى بكثير.
وأقامت عمّان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 1994 شملت تعاوناً في الشؤون الاقتصادية والأمنية، لكن هذا التعاون ظل في الغالب بعيداً عن الأضواء.
“لا تستطيع الحكومة الأردنية إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل، أو تغيير الوضع، لأن الكثير من ديناميكيات القوة الجيوسياسية هذه تتدفق أولاً عبر واشنطن”- شون يوم، خبير في السياسة الأردنية
وتعتبر مذكرة التفاهم بشأن المياه والطاقة الموقعة عام 2022 إحدى أهم مجالات التعاون المعلنة بين الطرفين.
ويقضي الاتفاق بأن يقوم الأردن ببناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة على تصدير 600 ميغاوات من الطاقة إلى إسرائيل، مقابل قيام إسرائيل بتزويد الأردن بـ 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
لكن في تشرين الثاني/نوفمبر، وبعد أسابيع من اندلاع الحرب في غزة، أشار الأردن إلى أنه لن يمضي قدما في هذا المشروع.
ورأى هورويتز أن تدخل المملكة في مواجهة الهجوم الإيراني لا يعني بالضرورة تعميق العلاقات مع إسرائيل.
وقال: “بالطبع في إسرائيل، سيتم تداول ذلك التدخل بهذه الطريقة، لكن الواقع هو أن الأردن وإسرائيل تتنازعان في كثير من الأحيان”.
وأدان الأردن بشدة الحرب الإسرائيلية على غزة، ودعم قضية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في القطاع.
لكن العديد من الأردنيين يريدون أن تذهب المملكة إلى أبعد من ذلك، حيث واصل المتظاهرون التجمهر وعلى مدى أسابيع أمام السفارة الإسرائيلية في عمان خلال شهر رمضان، مطالبين بإغلاقها وإنهاء التطبيع.
وقمعت السلطات الأردنية هذه الاحتجاجات، واعتقلت مئات الناشطين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقامت بمحاكمة أكثر من 1500 ناشط في الأردن على خلفية الاحتجاجات، بحسب المحامي لؤي عبيدات.
وبينما تم إطلاق سراح معظمهم، لا يزال العشرات رهن الاحتجاز الإداري، ويُعتقد أن حوالي سبعة منهم قد سجلوا بين المختفين قسراً.
وقال هورويتز: “إن الاعتراض الأردني يحمل في طياته مخاطر محلية ودولية كبيرة”.
وتابع: “لقد شهدنا ارتفاعاً في الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الأردن قبل الهجوم الإيراني مباشرةً، ومن المؤكد أن وضع الأردن كمدافع عن إسرائيل لن يرضي الحشود المناهضة لها داخله، وهناك دائماً خطر أن يوجه الغضب من إسرائيل في النهاية إلى النظام الملكي”.
وقال يوم أن الحكومة الأردنية وشعبها أظهروا بوضوح “اشمئزازهم” من الحكومة الإسرائيلية و”رعبهم المطلق من المأساة الإنسانية والجرائم التي تحدث في غزة على أيدي الجيش الإسرائيلي”.
وختم بالقول: “لكن الحكومة الأردنية لا تستطيع إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل، أو تغيير الوضع، لأن الكثير من ديناميكيات القوة الجيوسياسية تتدفق أولاً عبر واشنطن، التي تملي قواعد اللعبة”.