ترجمة وتحرير موقع بالعربية
بأضرار بالغة لحقت بجلودهم و علامات إعياء شديد وشعر أشعث ولحى طويلة خرج عشرات الأسرى الفلسطينيين خلال الأيام القليلة الماضية من سجون الاحتلال بعد ستة أشهر من الاعتقال الإداري القابل للتجديد.
وتدل حالة الأسرى الذين أطلق سراحهم من عدة سجون على سوء المعاملة التي تلقوها منذ اعتقالهم بعد الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث حذرت جماعات حقوق الإنسان من ارتكاب الاحتلال مستويات غير مسبوقة من الانتهاكات في السجون.
وصدمت الحالة التي بدا عليها الناشط المجتمعي عمر عساف أصدقاءه وأفراد عائلته عندما التقوه أمام سجن عوفر فور الإفراج عنه بعد إكماله الشهور الستة من اعتقاله الإداري، حيث أكد أن ظروف السجن كانت قاسية بشكل لا يوصف، وأن مظهره يكشف الكثير عن حالة الأسرى الفلسطينيين.
وأوضح: “كانوا يعتدون على الأسرى بشكل مستمر بالضرب المبرح بالهراوات والبنادق والأحذية الثقيلة، وكان هناك سجناء مصابون بكسور في الأضلاع والأطراف ولم يقدم لهم أي علاج”.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت عساف (74 عاماً) في 24 تشرين الأول/أكتوبر بعد اقتحام منزله وسط رام الله، حيث تم تحويله على الفور إلى الاعتقال الإداري، الذي يجيز للاحتلال احتجازه دون محاكمة أو تهمة.
ووفقاً للمؤسسات الفلسطينية المختصة بشؤون الأسرى، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال أكثر من 8000 فلسطيني من الضفة الغربية وحدها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بينهم 280 امرأة وما لا يقل عن 540 طفلاً.
ووثقت منظمات حقوق الإنسان ممارسة سوء المعاملة بحق المعتقلين على نطاق واسع، حيث أصدرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الأسبوع الماضي تقريراً تحدث عن قيام السجانين بالتبول على المعتقلين وإجبارهم على التصرف مثل الحيوانات وإطلاق الكلاب على الأطفال من الأسرى.
وبالعودة إلى عساف، فقد أصيب بالدوار داخل سجنه في كانون الثاني/يناير الماضي وسقط على الأرض فأصيب بجرح ونزيف في رأسه وظل طريح الفراش لمدة أسبوعين دون تلقي أي علاج.
بقي عساف يعاني من عدم استقرار حالته الصحية حتى مثل أمام المحكمة في آذار/مارس وهناك أخبر القاضي بأنه تعرض لإهمال طبي متعمد.
وأوضح عساف: “حاول القاضي أن ينكر ذلك، فسألني: ماذا يمكن أن يفعل لك السجانون؟ فأجبته: أنا لست طبيباً، لكني أعرف أن أبسط الإسعافات الأولية هي محاولة وقف النزيف عن طريق حلق الشعر ووضع الضمادات والدواء ثم خياطة الجرح إذا لزم الأمر”.
وبسبب استمرار النزيف تعرض عساف للعدوى، وتبين أنه فقد 30 كيلوغراماً من وزنه بسبب الإهمال.
ومنذ اندلاع العدوان على غزة، شرعت سلطات الاحتلال في تقليص وجبات الأسرى الفلسطينيين، حتى باتت تقتصر على وجبة يومية واحدة لا تزيد عن 150 جراماً من الأرز والعدس.
وهذه هي المرة العاشرة التي يتم فيها اعتقال عساف، لكنه يقول إنها كانت الأقسى على الإطلاق، خاصة وأن جميع الأسرى تقريباً تعرضوا للإهانات والضرب وسوء المعاملة.
ونشرت الباحثة في مركز فلسطين لدراسات الأسرى أمينة الطويل بعض الشهادات التي جمعتها من الأسرى، موضحةً أن الغالبية العظمى منهم تعرضوا للضرب والإهانة والاعتداء بتركيز واضح على منطقة الرأس، بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالأسير.
وتؤكد شهادات بعض الأسرى الحادثة التي تورط فيها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير، خلال زيارته لسجن مجدو في وقت سابق من هذا العام، حيث تم خلال الزيارة إخراج الأسرى إلى الساحة أمامه وضربهم بلا رحمة ثم تقييدهم وإجبارهم على الركوع، قبل أن يتفحصهم الوزير واحداً تلو الآخر ليتأكد من تعرضهم للضرب رغم أن بعضهم كان ينزف دماً.
“أحد الأسرى نظر إلى وجه بن غفير، فأطفأ أحد حراس السجن سيجارته في عين الأسير، مما أدى إلى فقدانه لها” – أمينة الطويل، مركز فلسطين لدراسات الأسرى
ويُعتقد أن ما لا يقل عن 16 أسيراً فلسطينياً قد استشهدوا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر وقد رفض الاحتلال تسليم جثامينهم إلى ذويهم لدفنها.
وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس أن سياسة الضرب العنيف والتسبب في وفاة عدد من الأسرى تسببت أيضاً في إصابة الكثيرين منهم بمشاكل نفسية حادة.
فعلى سبيل المثال، اعتقلت سلطات الاحتلال مجاهد عمارنة من منطقة جنين عام 2021 وهو حيوي وناشط اجتماعي لم يكن يعاني من أي حالة جسدية أو عقلية، وفق ما يؤكد والده عز الدين، الذي اعتقل أيضا في أيار/مايو الماضي وأفرج عنه قبل شهر من الآن.
لكن مجاهد الذي كان يعمل في البناء تعرض خلال اعتقاله للضرب المبرح على رأسه مرتين في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/يناير، بحسب شهادات المعتقلين الذين كانوا معه، وحين أطلق سراحه الأسبوع الماضي تبين أنه لم يعد قادراً على الحركة أو حتى الذهاب إلى الحمام بمفرده ثم بدأ يعاني من مضاعفات أخرى.
وأضاف والده: “لقد أصبح معزولاً تدريجياً وبدأ يفقد قدرته على النطق ولا يتكلم على الإطلاق حتى الآن، كما أصبح عصبياً وحساساً وحاداً أيضاً”.
وفور إطلاق سراحه، أجريت الفحوصات لمجاهد (23 عاماً) في مستشفى رام الله الحكومي، وأظهرت الأشعة أنه مصاب بكسر في عظمة الكتف، وكدمة شديدة في الجزء الخلفي من الجمجمة.
تعرض الأسرى الفلسطينيون لكل تلك الانتهاكات في ظل تعتيم كامل على المعاملة التي كانوا يتلقونها، حيث اعتمدت جماعات حقوق الإنسان على شهادات المفرج عنهم لتوثيق الانتهاكات التي ارتكبت ضدهم، حيث أثارت تلك الشهادات ذعر عائلات الباقين داخل السجون.
فقد قالت سجود القزّاز من الخليل أنها تشرع بالبكاء كلما نظرت إلى صور الأسرى المفرج عنهم وقارنتها بالصور التي التقطت لهم قبل اعتقالهم، حيث تشعر بالقلق على مصير زوجها المريض، عمار قزاز (33 عاماً) الذي كانت قوات الاحتلال قد اعتقلته في 11 تشرين الأول/أكتوبر.
ويعاني القزّاز من ضمور العضلات ولا يستطيع المشي بشكل طبيعي على قدميه ويحتاج إلى جلسات علاج طبيعي مستمرة، ورغم ذلك تم تحويله إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر، وبعدها تم تجديد اعتقاله.
وتابعت زوجة الأسير: “بالإضافة إلى مرضه، تعرض زوجي للضرب المبرح عدة مرات، مما أدى إلى كسر عدد من أضلاعه، وخلع كتفه، وألم شديد في الرقبة والظهر والساقين، لقد تعمد السجانون ضربه بشدة على هذه المناطق لأنهم كانوا يعلمون أنها ضعيفة”.
حصلت سجود على هذه المعلومات عن زوجها من الأسرى الفلسطينيين المحررين، حيث تمنع سلطات الاحتلال أي وسيلة تواصل بين المعتقلين وذويهم، وتحرمهم من الزيارات، وتمنع زيارات المحامين لهم.
وفي هذا الصدد، أوضحت الطويل: “واقع سجون الاحتلال أصعب بأضعاف كثيرة مما نتخيل”، مشددةً على ضرورة “ممارسة ضغوط دولية على الاحتلال لرفع حالة التكتم على الأقل عن مصير الأسرى وما يحدث لهم، أو السماح لهم بالتواصل مع عائلاتهم”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)