بقلم كاسبر سلمان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
مؤخراً، جمعت المنظمة الشعبية المعروفة باسم “سينما من أجل غزة” أكثر من 326 ألف دولار أمريكي للإغاثة الطبية للفلسطينيين، وذلك من خلال بيع التبرعات المقدمة من شخصيات سينمائية رفيعة المستوى في العالم، من بينهم تيلدا سوينتون وآيو إديبيري وجوش أوكونور.
كانت الحملة صغيرة في البداية، حيث بدأ بتنظيمها مجموعة من صانعي الأفلام والمؤلفين المقيمين في المملكة المتحدة، وقد قدمت في البداية جزءاً مباشراً من فيلم المخرجة جورندر تشادا التالي أو جلسة مع أحد المخرجين عبر زوم.
وسرعان ما تطورت تلك الجهود إلى شيء أكبر من ذلك، حيث أخذت “سينما من أجل غزة” بلفت الأنظار، وبالنسبة لمؤيديها، فقد كان هناك أيضاً ارتياح بسبب القدرة أخيراً على رفع الصوت بدعم فلسطين دون خوف من الشيطنة أو الانتقام المهني.
تحول المد في عالم السينما تدريجياً بالتأكيد، إلا أن الفضل الأكبر كان للحظتين رئيسيتين، الأولى كانت الخطاب الذي ألقاه جوناثان جليزر في حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام في أوائل مارس، عندما تسلم جائزة أفضل فيلم روائي طويل دولي عن دراما المحرقة “منطقة الاهتمام”، فقد كان خطابه آنذاك أقوى موقف أدلى به أي فنان منذ 7 أكتوبر.
صدمة وألم
تسببت قوة خطاب جليزر بعدد من الإدانات من أبرزها إدانة مخرج “ابن شاول” لازلو نيميس الذي فاز بالجائزة نفسها عام 2016، و1000 من “المبدعين اليهود” الذين أصدروا خطاباً للتنديد.
كان خطاب التنديد اليهودي مفتوحاًن فقد كان بإمكان أي شخص التوقيع على الرسالة التي كانت عبارة عن نموذج بسيط يمكن إيجادها على محرك البحث جوجل، وكان أحد الأسماء كان “ريفيرتو ثيسي” وهو تلاعب بعبارة “من النهر إلى البحر”.
“إنه فيلم سخيف والناس يموتون، نحن ندفع ثمن ذلك، لا أهتم إذا كانت وظيفتي على المحك لأنني سأجد وظيفة أخرى، سأصبح نجاراً إذا اضطررت لذلك”، مضيفاً أن “لكل شخص صوت، إذا كنت لا تستخدمه، فلماذا أنت هنا؟” الممثل ساجار شيخ
ظل جليزر ثابتاً على موقفه رغم الإدانات، ولكنه أصيب بصدمة شديدة وأذى بسبب المعاملة التي تلقاها، إلا أنه موقفه الشجاع شكل غطاءً لفنانين آخرين كانوا يرغبون في تسليط الضوء على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، فحظي لاحقاً بدعم مجموعة من “الفنانين والمخرجين والكتاب والمهنيين المبدعين اليهود”، بالإضافة إلى مدير النصب التذكاري لمعسكر أوشفيتز.
أما اللحظة الثانية، والتي كانت في بداية إبريل بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت 7 من عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي وأدت إلى قتلهم، الأمر الذي أثار إدانة واسعة من جميع الجهات، ففي نهاية المطاف، من الصعب تغطية جرائم قتل العاملين الإنسانيين الغربيين البيض مقارنة بقتل الأطفال الفلسطينيين!
في مقابلة لها مع صحيفة “هوليوود ريبورتر”، قالت الصحفية حنا فلينت وهي أحد مؤسسي “سينما من أجل غزة”، أنها لاحظت “الخوف من التحدث علناً”، مضيفة أنه “في بعض الأحيان تحتاج إلى الصوت الجماعي لتشجيع الناس للوقوف والمساعدة”.
هذا صحيح بالتأكيد، ورؤية ذلك على أرض الواقع كان أمراً مبهجاً، ولكن خطوة متأخرة من طرف الأشخاص الأقوياء والبارزين في صناعة السينما والذين أمضوا أشهراً لا يقولون شيئاً خوفاً من الإضرار بسمعتهم.
أما أولئك الذين تحدثوا في وقت مبكر، فقد كانوا ملحوظين بسبب قلتهم، مثل طرد الممثلة ميليسا باريرا من الجزء التالي من سلسلة Scream، في نوفمبر، وذلك بسبب نشرها مقالاً اتهمت فيه إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، وهو الموقف الذي أصبح بعد مرور 5 أشهر واقعاً لا يمكن إنكاره خاصة بعد قرار محكمة العدل الدولية.
علاوة على ذلك، فقد كانت جريمة التفكير الأخرى التي ارتكبتها باريرا هي نشر مقال عن تشويه إسرائيل للحقائق حول المحرقة من أجل تعزيز صناعة الأسلحة لديها.
“لكل شخص صوت”
في ديسمبر الماضي، أعلن الممثل ساجار شيخ عن انخفاض مساهمته في الترويج لفيلم مارفلز الأخير، قائلاً: “إنه فيلم سخيف والناس يموتون، نحن ندفع ثمن ذلك، لا أهتم إذا كانت وظيفتي على المحك لأنني سأجد وظيفة أخرى، سأصبح نجاراً إذا اضطررت لذلك”، مضيفاً أن “لكل شخص صوت، إذا كنت لا تستخدمه، فلماذا أنت هنا؟”.
كل شخص لديه صوت، ولم يعد هناك عذر للصمت، ولكن لم تكن هوليوود بهذا الهدوء منذ عصر الصمت، فخلال الحرب، استمرت صناعة السينما في مسارها المعتاد، والذي من المفترض أن يكون “غير سياسي”، ولكن هل ما كان يحصل بعيد فعلاً عن عالم السينما؟
في مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية في نوفمبر الماضي، قام عدد من المخرجين بإزالة أفلامهم من الاختيار الرسمي بعد أن أصدرت إدارة المهرجان إدانة شديدة لعبارة “من النهر إلى البحر” خلال احتجاج أقيم ليلة الافتتاح.
لقد كان منظمو “سينما من أجل غزة” حاضرون دائماً في كل المسيرات منذ البداية واستخدموا منصاتهم لمشاركة الأخبار ورسائل الدعم والاحتجاج والمطالبة بالتمويل، الأمر الذي شجع آخرين في صناعة السينما على اتخاذ موقف قد تحمل مخاطرة شخصية
من المضحك أن يقارن قتل آلاف الناس في غزة آنذاك بإدانة عبارة أو انتقادها، لكن عالم السينما كان يحاكي فقط منظمات فنية جاهلة أو متحجرة في جميع أنحاء العالم، فمنظمات مثل معرض فرانكفورت للكتاب، ومتحف الفن فولكوانغ وباربيكان ومعرض ليسون وجائزة هانا أرندت وعمدة باريس، ألغت بالفعل فعاليات لفنانين أو كتاب يدعمون غزة.
جولة حول مواقف العار
في فبراير الماضي، انضم مهرجان برلين السينمائي إلى مواقف العار، عندما أعلنت إدارته المنتهية أنها سترفع دعوى جنائية ضد عميل اخترق الموقع ليقول عبارة “من النهر إلى البحر”!
وفي الوقت نفسه، أعلن المسؤولون الألمان أنهم سوف يحققون في كيفية سماح المهرجان بإلقاء خطابات “أحادية الجانب” لدعم فلسطين في حفله الختامي، خاصة بعد خطاب المديرة التنفيذية للمهرجان، مارييت ريسنبيك، للمطالبة بالإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حماس.
على الجانب الآخر، هاجم كل من المخرجان الإسرائيلي يوفال أبراهام والفلسطيني باسل عدرا احتلال إسرائيل لفلسطين في خطاب تسلم كل منهما لجائزته، الأمر الذي قوبل بإدانة شديدة من قبل السلطات الألمانية،فقامت بشن حملة ضد أي فنان يتحدث بالأمر.
لقد كان منظمو “سينما من أجل غزة” حاضرون دائماً في كل المسيرات منذ البداية واستخدموا منصاتهم لمشاركة الأخبار ورسائل الدعم والاحتجاج والمطالبة بالتمويل، الأمر الذي شجع آخرين في صناعة السينما على اتخاذ موقف قد تحمل مخاطرة شخصية
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)