بقلم أحمد عابدين
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يقال أن كبار المسؤولين العسكريين وقادة المخابرات في دولة الاحتلال والمصريين التقوا في القاهرة الشهر الماضي لمناقشة الاجتياح البري الوشيك لرفح والهدنة المحتملة واتفاق تبادل الأسرى لإنهاء الحرب على غزة، ويأتي ذلك وسط مخاوف في القاهرة من أن يؤدي هجوم واسع النطاق من قبل الاحتلال على رفح إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين عبر الحدود المصرية.
وعقب وقت قصير من ذلك، ورد أن وفداً مصرياً زار تل أبيب لمناقشة الصفقة المحتملة مع ممثلين عن الشاباك وجيش الاحتلال وجهاز الموساد، في الوقت الذي نشرت فيه صحيفة الشروق المصرية تصريحاً منسوباً لمصدر مصري قال فيه أن أي غزو لرفح سيعد انتهاكاً لمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية وسيقابل برد حاسم من القاهرة.
وذكرت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية أن الجانب المصري أشار خلال المحادثات الأخيرة إلى تصميمه على الضغط على حماس للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لديها، ووفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد أبلغ المسؤولون الإسرائيليون الوفد المصري خلال الاجتماع الثاني أن هذه كانت “الفرصة الأخيرة” للتوصل إلى اتفاق قبل المضي قدماً في غزو رفح.
حاولت مصر، قبل هذه الحوارات، وبشتى الوسائل منع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وكان النزوح الجماعي هو الشغل الشاغل الذي يطغى على القضايا الإنسانية والعسكرية والأمنية لدى النظام المصري.
تؤوي رفح أكثر من مليون شخص، بمن فيهم السكان والنازحون من مناطق أخرى من غزة، وبالتالي فإن اجتياحها يمكن أن يدفع عشرات الآلاف من الفلسطينيين للنزوح نحو الأراضي المصرية، وهي مخاطرة عبرت مصر عن رفض احتمالها مراراً وتكراراً.
وفي الوقت نفسه، ورد أن الاحتلال وضع خطة لإجلاء السكان المحاصرين في رفح، تشمل نشر آلاف الخيام لإعادة توطين النازحين هناك، لكن مثل هذه الخطط لا تبدو عملية في مواجهة الأعداد الهائلة من الأشخاص الذين قد يتأثرون بالغزو البري، وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الفلسطينيين الذين حاولوا العودة إلى الشمال غيروا مسارهم تحت وطأة مجازر الاحتلال والمقابر الجماعية.
كابوس من أجل الاستقرار
ومع استنفاد خياراتها على ما يبدو، فإن مسار العمل الوحيد المتبقي أمام القاهرة لمنع عملية رفح هو الدفع باتجاه صفقة تبادل الأسرى، على طريق منع أو تأخير الغزو لأطول فترة ممكنة، مع الأمل في أن يتغير ميزان الضغط في تل أبيب أو واشنطن.
وفي الوقت نفسه، تستعد القاهرة لاحتمال أن يمضي الاحتلال قدماً في غزو رفح، وما يترتب على ذلك من تهجير جماعي للفلسطينيين، كما يجري وضع خطط الطوارئ، مثل توفير معسكرات يمكن السيطرة عليها ومراقبتها، وتكثيف التواجد الأمني المحلي، وضمان السيطرة الكاملة على المداخل والمخارج إلى شمال سيناء، باختصار، ترى القاهرة في غزو رفح كابوساً لأمنها واستقرارها المستقبلي.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تحمل مدينتان حدوديتان داخل مصر وداخل فلسطين اسم رفح، فتاريخياً، كانت المدينتان مدينة واحدة، لكنها انشطرت إلى قسمين بعد انسحاب الاحتلال من سيناء وترسيم الحدود عام 1982.
وحتى بعد أن قسمتهم الحدود الدولية، ظلت العائلات والعشائر والقبائل على اتصال مستمر، ولا تزال العديد من العائلات منقسمة فيزيائياً حيث يعيش بعض أفرادها في رفح المصرية والبعض الآخر في رفح الفلسطينية.
كل هذه العوامل تزيد من الضغوط على القاهرة لمنع الغزو البري لرفح من قبل الاحتلال، أو على الأقل شراء المزيد من الوقت
ويشكل هذا العامل الديموغرافي تحدياً أمنياً كبيراً، إذ لن يؤدي أي نزوح فلسطيني نحو الأراضي المصرية إلى إعادة توطين الفلسطينيين فحسب، بل سيكون أيضاً بمثابة قاعدة للمقاومة ضد الاحتلال.
وتختلف هذه المرة عن المرات السابقة التي نزح الفلسطينيون فيها إلى سيناء في عامي 2005 و2008 ليعودوا إلى قطاع غزة، فليس هناك الآن ما يعودون إليه بعدما دمر الاحتلال مساحات واسعة من الأراضي التي كانوا يسكنونها ذات يوم، وهذا قد يدفع آلاف النازحين إلى التفكير في حمل السلاح ضد إسرائيل.
على مدى العقد الماضي، خاض الجيش المصري معارك ضد مقاتلين مسلحين استهدفوا الجيش والدولة والمدنيين، ولكن في السيناريو الذي تستهدف فيه الفصائل المسلحة إسرائيل، فإن أي تدخل من جانب الجيش المصري سوف يُنظر إليه على أنه حماية لأمن إسرائيل، وبالتالي إضعاف شرعيته.
تصاعد التوترات
ومن ناحية أخرى، إذا كانت عمليات المقاومة ضد الاحتلال تنطلق من الأراضي المصرية، فسيكون لدى إسرائيل مبرر لاستهداف مصر مباشرة، وقد لا تمتلك مصر ترف الصمت وعدم الرد في مثل هذا الوضع، ومع ذلك، فهي لا تريد الانخراط في مواجهة يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات مع الاحتلال وداعميه الأمريكيين.
ومنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد قبل أربعة عقود، شكل التنسيق الأمني والعسكري بين مصر والاحتلال أساس علاقتهما مع الولايات المتحدة، حتى أن البعض يجادل بأن إسرائيل مهمة لمصر بطريقة تشبه أهمية نفط الخليج بالنسبة لواشنطن.
ومن خلال هذه العلاقة، حصلت الأنظمة المصرية المتعاقبة على عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات، فضلاً عن الدعم السياسي والدولي للتغلب على العديد من الأزمات، وقد مثل هذا الإطار حصناً قوياً للديكتاتوريات المصرية ضد المطالب الشعبية.
وقد عملت إسرائيل جاهدة للحفاظ على هذه المعادلة واستقرارها، لكن الأمر برمته أصبح على المحك الآن حيث تواجه تل أبيب، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وضعاً غير مسبوق، فنتنياهو على استعداد للمخاطرة بكل شيء لإنقاذ نفسه من مصير لا مفر منه مرتبط بنهاية العدوان على غزة، حتى لو كان ذلك يعني تمزيق معاهدة السلام مع مصر.
لقد أصبح معبر رفح هو السبيل الوحيد لمواصلة الحرب بعد فشل خطط الاحتلال للتصعيد الإقليمي عبر إيران، وفي الوقت نفسه، أظهر نتنياهو في الأشهر الأخيرة أن نفوذه على واشنطن أقوى مما كان متوقعاً في السابق، مما يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للقاهرة.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، يحاول النظام المصري التوصل إلى حل سلمي لأزمة غزة، الأمر الذي أثار غضباً داخلياً واحتجاجات وضعت النظام في مرمى النيران أيضاً، مما أدى إلى قمع المظاهرات، دون أن يجد الشعب المصري سوى وسائل قليلة لدعم الفلسطينيين في غزة، بخلاف التبرعات والمدونات والصلاة.
وسوف يصبح الوضع أكثر صعوبة إذا أصبحت سيناء منصة انطلاق للعمليات ضد إسرائيل، كل هذه العوامل تزيد من الضغوط على القاهرة لمنع الغزو البري الإسرائيلي لرفح، أو على الأقل شراء المزيد من الوقت.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)