بقلم سلجوق أيدن
ترجمة موقع الخليج الجديد
سيطرت الكتلة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة على السياسة العالمية من خلال المؤسسات متعددة الأطراف والتدخلات العسكرية في الخارج، خاصة منذ نهاية الحرب الباردة.
وحاولت هذه الكتلة في وقت لاحق إضفاء الطابع العالمي على الديمقراطية الليبرالية الغربية، ما سمح لواشنطن بإضفاء الشرعية على تدخلها في العراق وأفغانستان.
ومع ذلك، فقد تسبب هذا النهج في حدوث فراغ في السلطة في كلا البلدين وزيادة العنف، ما أدى إلى ظهور وتعزيز مقاربات جديدة في السياسة العالمية.
وفي النهاية، واجه هذا النظام الذي حددته الولايات المتحدة في السياسة العالمية تحديات كبيرة من روسيا والصين، وكذلك القوى الناشئة مثل الهند والبرازيل وتركيا.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن روسيا تسعى إلى إعادة عقارب الساعة إلى أيام مجد القياصرة والاتحاد السوفييتي، باستخدام التهديدات والترهيب والإكراه، وهو ما يتجلى في غزو أوكرانيا. علاوة على ذلك، فإن الصين وتركيا مصممتان على إجراء إصلاحات شاملة للنظام العالمي.
وأخيرًا، فقد دعمت السعودية قرار “أوبك الخميس 29-12-2022” بتقليص إنتاج النفط استنادًا إلى “اعتبارات اقتصادية بحتة” وفقًا لما قالته المملكة التي رفضت اتهامات بأن هذه الخطوة كانت ذات دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة.
النزاعات العالمية
يمكن إرجاع نشأة النظام العالمي الحديث إلى الثورة الفرنسية عام 1789 والتطورات اللاحقة بعد حروب “نابليون”. وقد أدى التغيير الاجتماعي والسياسي الجذري في فرنسا خلال تلك السنوات إلى تحويل كل من النظم المحلية والعالمية، ما أثر على العديد من الأيديولوجيات في جميع أنحاء العالم.
في السنوات التالية، هيمنت على السياسة العالمية فكرة الوحدة الألمانية وتوسيع الاستعمار البريطاني والفرنسي. وانتهى هذا الصراع بالحرب العالمية الأولى، وهي واحدة من أكثر الصراعات كارثية في تاريخ البشرية.
وبعد الحرب، تم إنشاء عصبة الأمم على أساس القيم الليبرالية لإنهاء جميع الحروب والحفاظ على السلام العالمي، وفي المقابل، تم تدمير نظام ما بعد الحرب من قبل مؤتمر باريس للسلام عام 1919، والذي وصفه المؤرخ الأمريكي “ديفيد فرومكين” بأنه “سلام لإنهاء كل السلام” حيث وضع الأسس للصراعات اللاحقة التي لا حصر لها.
وأدت محاولات إعادة معايرة نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية، وأدى فشل عصبة الأمم في تجنب حرب عظيمة أخرى إلى تمهيد الطريق لما يعرف الآن باسم الأمم المتحدة، وهي هيئة دولية تجمع الحكومات وتسعى جاهدة لمنع النزاعات المستقبلية وتعزيز حقوق الإنسان وتحسين معايير المعيشة.
وفي حين أن النهج الجديد متعدد الأطراف نشأ لمنع حرب عالمية أخرى، فإن التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تسببت في الحرب الباردة، وقسمت البلدان والمؤسسات الدولية إلى معسكرين أمنيين: حلف الناتو وحلف وارسو.
وانتهى عصر الحرب الباردة بقيادة الولايات المتحدة لعالم أحادي القطب وفرض مفاهيم غربية على الدول الأخرى، لكن قيادتها في الأزمة العالمية الحالية طرح شكوكا في قدراتها وأثار مطالب بمراجعة هذه القيادة من قبل القوى الناشئة في كتلة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
إحياء روسي
لطالما أرست روسيا مقاربة بديلة للسياسة العالمية في مواجهة القوى الغربية؛ وترتبط هذه المقاربة بجذور تاريخية عميقة حيث أوقفت تقدم “نابليون”، والأهم من ذلك “أدولف هتلر”. ومع ذلك، تعرضت روسيا للإضعاف الشديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وفقدت أيديولوجيتها البديلة الزخم أمام القادة الغربيين والنموذج الرأسمالي.
ولكن في عهد “فلاديمير بوتين”، ركزت روسيا على استعادة مجد البلاد المفقود، كما أوضح الرئيس الروسي نفسه في وثائقي “التاريخ الروسي المعاصر”، الذي تم بثه على القناة الحكومية الروسية “روسيا 1″ في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وقال”بوتين”: “قبل كل شيء، يجب أن نعترف بأن انهيار الاتحاد السوفييتي كان كارثة جيوسياسية كبيرة في هذا القرن. أما بالنسبة للأمة الروسية، فقد أصبح دراما حقيقية. لقد وجد عشرات الملايين من مواطنينا أنفسهم خارج الأراضي الروسية. علاوة على ذلك، فإن وباء التفكك أصاب روسيا نفسها”.
وبالنسبة لروسيا، فقد فتحت سياسة التدخل الأمريكي “خرقًا” في النظام العالمي. وأعقب انتقاد “بوتين” المكثف للعالم أحادي القطب في مؤتمر ميونيخ الأمني لعام 2007 غزو جورجيا في عام 2008.
وتشير التطورات الحالية إلى أن روسيا عازمة على استخدام القوة العسكرية في الأراضي التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي، وكذلك استخدام إمدادات الطاقة إلى أوروبا كسلاح للنفوذ، ويعد ذلك تحديا للهيمنة الأمريكية قد يجلب نوعًا جديدًا من التوازن للسياسة العالمية.
أنشطة الصين متعددة الأطراف
تتجلى أيضا الحاجة إلى مراجعة المقاربات الحالية في أنشطة المنظمات الدولية مثل “بريكس” ومنظمة شنجهاي للتعاون ومنظمة التعاون الإسلامي، حيث زاد مجال نفوذه هذه المنظمات على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة.
علاوة على ذلك، بدأت دول مثل تركيا في الدعوة إلى نظام عالمي جديد. وتحاول تركيا، كقوة ناشئة، تعزيز منظمة الدول التركية وتقول إن هناك حاجة إلى إصلاحات أوسع في هيكل الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن.
ويؤكد البروفيسور “فخر الدين ألتون”، رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، في كتابه الأخير على الحاجة إلى نظام عالمي أكثر إنصافًا يمثل قارات وأديان وأصول وثقافات متنوعة، إذا أرادت الأمم المتحدة أن تظل ذات صلة وشرعية في القرن 21.
وعلى عكس التدخل الروسي والأمريكي، تريد الصين قدرا أقل من التدخل العالمي، ودعما أكثر للأنشطة والمعايير متعددة الأطراف، واحتراما للسياسات المحلية.
وتلعب مبادرة “الحزام والطريق” الصينية دورًا مهمًا للصين في آسيا وأوروبا وأفريقيا، كما تساعد الاستثمارات الصينية في الخارج على تنمية القوة الناعمة لبكين في جميع أنحاء العالم.
لذلك، فضلت الصين دائمًا الاستقرار على الصراع، ونشرت خطاب الحفاظ على الحياد في النزاعات الإقليمية مثل نزاع شرق البحر المتوسط، حيث يتصادم شركاء الصين في أوروبا والشرق الأوسط.
وبالرغم أن غالبية النزاعات في البلدان الأفريقية داخلية، لكن الصين ما تزال تواجه تهديدًا متزايدًا لمشاريعها التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، بدءًا من السكك الحديدية والجسور إلى عقود النفط.
ولاحتواء أي صراع داخلي ومنعه من التحول إلى اضطرابات إقليمية أوسع، اتخذت الصين الآن دورًا استباقيًا، وأسست قواعد عسكرية ومبادرات وساطة.
وفي ضوء هذه الظروف، من المنطقي أن نقول إن عصر النظام العالمي أحادي أو ثنائي القطب يقترب من نهايته، وأن القوى العالمية بالفعل على طريق الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب.
ولكن المفقود هو المؤسسات متعددة الأطراف، أو الحكام المستقلون الذين يمكنهم إنقاذ العالم من السير في طريق خطير للغاية والمساعدة في تقليل خطر الحرب النووية.