بقلم نور طه
ترجمة وتحرير مريم الحمد
عادت حركة طلاب جامعة كولومبيا من أجل العدالة في فلسطين إلى نشاطها في حرم الجامعة، وهي المجموعة التي ساعدت في إشعال شرارة “الانتفاضة الطلابية” في الجامعات حول العالم احتجاجاً على الإبادة الجماعية في غزة، بعد إجازة قصيرة لتؤكد أنها ليست لديها أي نية للتراجع.
يذكر أن المخيم الأول انطلق في 17 أبريل، تزامناً مع جلسة استماع في الكونغرس من أجل قمع النشاط الطلابي المؤيد لفلسطين، ومنذ تلك اللحظة بدأ ترقب التطورات التي قد تحدث داخل مؤسسات التعليم العالي، حيث كان مديرو الجامعات قد وضعوا سياسات قمعية واتخذوا إجراءات تأديبية ضد الطلاب منذ 7 أكتوبر، بين الإيقاف والطرد والمراقبة، حتى دعا البعض بلا خجل الأجهزة الأمنية والشرطة إلى استجواب المتظاهرين واعتقالهم وقمعهم بعنف.
“لقد ذكرت أنه لم يصب أحد بأذى، ولكن عندما يكون لدينا رفاق مصابون بكدمات بحجم كرة البيسبول وتلف الأعصاب ماذا يعني ذلك؟ حتى أن الإدارة عرضت مكافأة بقيمة تصل إلى 1000 دولار لمن يتمكن من اعتقال وقمع طالب” – طالبة من جامعة نيو مكسيكو
تراوحت ردود الفعل ما بين الوحشية الصارخة إلى الصمت الذي لم يكن بأقل خطورة من القمع المباشر، ومن هذا الباب فقد سافرت إلى عدة ولايات وزرت الاحتجاجات في عدة جامعات على رأسها كاليفورنيا، وذلك لمحاولة فهم السبب وراء هذه المعاملة وفهم طبيعة المعسكرات التي سيطرت على البلاد.
لقد كشفت المقابلات التي أجريتها مع منظمي الحراك الطلابي وشهود العيان من 6 جامعات عن وجود انقسام بين الإداريين وطلابهم الذين يشكلون الأوساط الأكاديمية الأمريكية، حتى أن معظمهم طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من التهديدات المتعلقة بجمع المعلومات الشخصية عنه والتداعيات المهنية الأخرى.
معايير قمعية
في 30 إبريل، اقتحمت الشرطة مبنى اتحاد الطلاب في جامعة نيو مكسيكو، حيث كان الطلاب المتظاهرون المؤيدون لفلسطين قد احتلوه في وقت سابق من ذلك الصباح، وكانت مطالبهم واضحة: “وضع سحب الاستثمارات من إسرائيل على جدول أعمال مجلس الأوصياء والنشر العلني لجميع المعلومات المتعلقة بالاستثمارات مع إسرائيل وآلة الحرب”، كما أخبرني أحد كبار منظمي مخيم التضامن الطلابي.
لقد شاركت أكثر من 40 منظمة طلابية تابعة لجامعة نيو مكسيكو في رعاية مشروع قانون سحب الاستثمارات المستند إلى مشروع قانون صدر عام 1985 ويتعلق بسحب الاستثمارات من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
أكد الطالب الذي قابلته أن “ما بين 50 إلى 60 من ضباط الشرطة وقوات الدولة، بعضهم يرتدي معدات مكافحة الشغب الكاملة، حاصروا مبنى اتحاد الطلاب، فبدأ بعض المتظاهرين في الغناء رداً على ذلك، الأمر الذي أثار غضب رجال الشرطة و دفعهم إلى إلقاء هؤلاء المتظاهرين على الأرض وضربهم حتى عجز بعضهم عن المشي فيما أصيب البعض بارتجاجات في المخ”.
في تلك الليلة، ألقت الشرطة القبض على 16 طالباً وخريجاً، وبحسب ما ورد، فقد تم وضع أحد الطلاب في الحبس الانفرادي فيما ذكر طلاب آخرون أنهم وُصِفوا بالكراهية والافتراءات من قبل الضباط.
طالبة أخرى أخبرتني أن رئيسة جامعة نيومكسيكو، جارنيت ستوكس، كانت قد صرحت بأنه لم يصب أحد بأذى مع أنها كانت أمام مبنى الاتحاد تشاهد قمع الطلاب بنفسها تلك الليلة، تقول الطالبة: “لقد ذكرت أنه لم يصب أحد بأذى، ولكن عندما يكون لدينا رفاق مصابون بكدمات بحجم كرة البيسبول وتلف الأعصاب ماذا يعني ذلك؟ حتى أن الإدارة عرضت مكافأة بقيمة تصل إلى 1000 دولار لمن يتمكن من اعتقال وقمع طالب”.
في 24 أبريل، اجتمع رئيس جامعة تكساس في أوستن، جاي هارتزل، مع حاكم تكساس، جريج أبوت، واتخذوا قراراً بإرسال قوات ولاية تكساس على ظهور الخيل، جنباً إلى جنب مع شرطة أوستن، لمحاصرة أكثر من 70 طالباً والتعامل معهم واعتقالهم.
وصفت ريم، طالبة الدكتوراة، كيف قام جنود وضباط الدولة “باعتقال الأشخاص ودفعهم بعنف”، وذلك بعد أن نظمت المجموعة الطلابية للتضامن مع فلسطين احتجاجاً بعد ظهر ذلك اليوم.
تقول ريم: ” لم يكن أمامي خيار إما الركض أو التعرض للدهس من قبل الخيول، حتى أني شاهدت الشرطة وهي تسحب رجلاً أكبر سناً كان ينزف من رأسه، ثم جاءت الشرطة مرة أخرى يوم الاثنين 29 أبريل، حيث تعرض الطلاب لرش الفلفل واللكم على يد الشرطة”.
أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “بيانات مواقع الصراعات المسلحة والأحداث (Acled)”، وهي منظمة دولية غير حكومية تقوم بجمع بيانات عن الاحتجاجات والنزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، أنه منذ 7 أكتوبر، ظلت 97% من المظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة سلمية
في بيان تناول حملة القمع الوحشية، ادعى هارتزل أن هذه الأحداث وقعت لأن المتظاهرين تجاهلوا “النداءات المستمرة لضبط النفس والتفرق على الفور، مبرراً ما قامت به الشرطة بأنه تطبيق للقانون، رغم تأكيد شهود عيان على اعتقال المنسق الرئيسي للجنة المنظمة فوراً.
تقول ريم: “كنا في حالة صدمة بعد ذلك، فنحن لم نرتكب أي خطأ لنستحق هذا النوع من الرد، شعرنا بعدم الأمان وعدم الحماية والخيانة من قبل الرئيس الذي يقف ضد طلابه”.
هذه المشاهد تكررت في جامعات أخرى، بما فيها جامعة كولومبيا، حيث تم القبض على 109 طلاب بعد أن استدعت رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، شرطة نيويورك لتفريق معسكر الطلاب.
تراوحت مقاطع الفيديو التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين إظهار عنف الشرطة وهي تمارس الوحشية وتعتقل الطلاب بشكل جماعي، وبين الوقوف متفرجين مع السماح العنيفين والعنصريين باقتحام المخيمات المؤيدة لفلسطين ومهاجمة المتظاهرين السلميين.
في 30 أبريل، دخل “متظاهرون مناهضون” ملثمون مؤيدون لإسرائيل بالقوة إلى ساحة ديكسون بلازا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ورشوا غازات مهيجة على الطلاب وهاجموهم بالمفرقعات النارية وضربوا المتظاهرين بأعمدة معدنية، ورغم مناشدات الطلاب للمساعدة، إلا أن حراس الأمن في جامعة كاليفورنيا وضباط شرطة لوس أنجلوس رفضوا التدخل وتركوا المتظاهرين السلميين يتعرضون لهجوم عنيف.
من جانب آخر، فقد لجأ بعض الإداريين في جامعات أخرى إلى أسلوب “حرب باردة” لقمع الحركة الطلابية، خاصة في الجامعات المرموقة مثل ستانفورد وهارفارد وجامعة شيكاغو، وذلك من خلال معاقبة الطلاب بهدوء بسبب نشاطهم، بين إيقاف وطرد وحجب لشهاداتهم.
أعرب أحد منظمي الحركة الطلابية في هارفرد، محمود ثباتا، عن قلقه من تعرض بعض الطلاب المغتربين للتهديد بالترحيل إذا واصلوا نشاطهم، في إجراء اعتبره بعض الطلاب أقسى من الاعتقال، فقد يكونون على استعداد للتضحية بأيام في السجن، ولكن ليس بالدرجات العلمية التي أنفقوا عليها آلاف الدولارات.
التشهير بالطلاب
من أجل تبرير الإجراءات المتطرفة ضد الطلاب، قام العديد من السياسيين ورؤساء الجامعات بتشويه هذه الاحتجاجات باعتبارها معادية للسامية، رغم عدم وجود ما يثبت ذلك في المظاهرات.
هناك تخوف من احتمال وقوع حادث مميت من قبل قوات الشرطة العسكرية والجماعات اليمينية المتطرفة ضد الشباب الملونين، حيث أعرب العديد من الطلاب الذين قابلتهم وبينهم عورتاني، الذين عايشوا بشكل مباشر العواقب المميتة المحتملة لوسائل الإعلام والسياسيين المناهضين للفلسطينيين، عن خوفهم من مجزرة أخرى مثل “مجزرة جامعة كنت”، التي حدثت قبل 54 عاماً ضد متظاهرين محتجين على حرب فيتنام
على النقيض من ذلك، فقد أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “بيانات مواقع الصراعات المسلحة والأحداث (Acled)”، وهي منظمة دولية غير حكومية تقوم بجمع بيانات عن الاحتجاجات والنزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، أنه منذ 7 أكتوبر، ظلت 97% من المظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة سلمية.
إضافة إلى ذلك، فقد ضم كل مخيم أو مظاهرة مذكورة تحالفات ومنظمات يقودها اليهود، مثل منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وعدداً كبيراً من الطلاب اليهود، مما أثار التساؤل حول التهديد الذي يهدد الطلاب اليهود والذي يشعر مديرو الجامعات بأن عليهم اعتقال أكثر من 2100 شخص بسببه؟!!
يكمن الجواب في كلام الطالب الأمريكي من أصل فلسطيني، هشام عورتاني، والذي كان يرتدي الكوفية في جامعة براون حين تعرض لإطلاق رصاص في نوفمبر الماضي مع اثنين من أصدقائه، فيما يعتقد أنها جريمة كراهية.
يعتبر عورتاني رمزاً للصمود الفلسطيني في الاحتجاجات، وأذكر له قوله في إحدى التظاهرات: “الشرطة تحمي المؤسسات السياسية وما يحدث في جميع أنحاء البلاد يهز الوضع الراهن وهذه المؤسسات بالتأكيد، وهم خائفون من ذلك”.
في تغطيتها للاحتجاجات، رددت وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية نقاط حوار النخب السياسية الإسرائيلية والأمريكية، حيث قامت بتشويه صورة المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، ففي أحد البرامج الخبيثة، قام مقدم البرنامج على قناة MSNBC ، جو سكاربورو، بتشويه سمعة الطلاب بوصفهم بأنهم “أعضاء حماس في الحرم الجامعي ويرغبون في القضاء على جميع اليهود”.
يمكن القول أنه يتم استخدام تشويه سمعة المتظاهرين العرب والمسلمين والسود والسكان الأصليين واليهود المناهضين للحرب باعتبارهم إرهابيين ومعاديين للسامية من قبل كل من الشرطة والمتطرفين المؤيدين لإسرائيل، وكل ذلك يهدف إلى تخويف المتظاهرين وإجبارهم على التخلي عن معتقداتهم ومطالبهم.
توجه مختلف
كان عورتاني وأحد زملائه المنظمين للحراك الطلابي قد أشادوا بإدارة جامعتهم لعدم لجوئها إلى العنف ضد الطلاب، فبعد توجيه اتهامات ضد 41 طالباً متظاهراً بتهمة التعدي على ممتلكات الغير في ديسمبر الماضي، غيرت إدارة الجامعة مسار عملها في الأشهر التالية، ورفضت اعتقال الطلاب أو إرسال الشرطة لمداهمة معسكر الطلاب أو اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الطلاب المحتجين.
الكرة في ملعب قيادات الجامعة اليوم، فهل يستجيبون للمطالب المشروعة للطلاب المحتجين؟ أم أن التاريخ سيشهد على تواطئهم وفشلهم في حماية طلابهم من الاعتقال العنيف والمعاملة الوحشية بينما يشاهدون ما يحدث؟!
لاحقاً، أصبحت جامعة براون واحدة من أوائل الجامعات التي توصلت إلى اتفاق مع الطلاب المتظاهرين، حيث وافقوا على إزالة معسكرهم بعد أن تعهد المسؤولون بمناقشة سحب الأموال من إسرائيل والتصويت عليها في وقت لاحق من هذا العام.
يقول عورتاني: “كانت هذه الصفقة أفضل ما يمكن أن نحصل عليه في ذلك الوقت، فقد كان الهدف هو الحصول على امتيازات، فالجميع، باستثناء مجلس الإدارة، يدعمون سحب الاستثمارات من الحكومة الطلابية إلى تحالفات أعضاء هيئة التدريس، والسؤال هنا كان ما إذا كان مجلس الإدارة سيدعم الجامعة كمؤسسة تعليمية محترمة أو سيعاملها مثل بنك استثماري؟!”.
لقد ألهمت صفقة براون الجامعات الأخرى للتفاوض مع المتظاهرين، حيث اتفقت جامعات مثل كلية إيفرجرين ستيت ونورث ويسترن وساكرامنتو ستيت، على اتباع استراتيجيات الاستثمار التي تم تجريدها من الشركات والصناديق التي تستفيد من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، كما اتفقوا على إنهاء برامج الدراسة في الخارج مع المؤسسات الإسرائيلية.
يجب على كل الجامعات أن تتبع نموذج التفاوض هذا وتحترم مطالب الحركة الطلابية من أجل فلسطين، فاعتقال الطلاب الذين يطالبون بسحب الاستثمارات من الدولة التي دمرت كل جامعة في غزة وقتلت أكثر من 36 ألف فلسطيني، ومعاملتهم بوحشية وحجب شهاداتهم، هو ببساطة أمر غير مجدٍ.
على العكس من ذلك، فهو يشجع الطلاب إلى المضي قدماً نحو خطوات أبعد من ذلك، وهذا ما تم ملاحظته من خلال تدفق الدعم للمخيمات التي تعرضت لهجوم عنيف حتى زاد حجمها فعلياً، كما أن حملة القمع عززت التضامن بين الطلاب ضد قوى القمع من إداريين وشرطة.
في الوقت نفسه، فهناك تخوف من احتمال وقوع حادث مميت من قبل قوات الشرطة العسكرية والجماعات اليمينية المتطرفة ضد الشباب الملونين، حيث أعرب العديد من الطلاب الذين قابلتهم وبينهم عورتاني، الذين عايشوا بشكل مباشر العواقب المميتة المحتملة لوسائل الإعلام والسياسيين المناهضين للفلسطينيين، عن خوفهم من مجزرة أخرى مثل “مجزرة جامعة كنت”، التي حدثت قبل 54 عاماً ضد متظاهرين محتجين على حرب فيتنام.
يقول عورتاني: “إن التشهير بالمتظاهرين يغذي قمع الشرطة والمتطرفين، وهذا ما يجعلني أكثر قلقاً، فقط انظر إلى العقوبة المفروضة على الأشخاص الذين شاركوا في الهجوم الكيميائي ضد المتظاهرين في كولومبيا، فقد كان رداً غير متناسب على الإطلاق فيما يتعلق بهجمات المتطرفين، والشرطة تراقب فقط”.
في نهاية المطاف، الكرة في ملعب قيادات الجامعة اليوم، فهل يستجيبون للمطالب المشروعة للطلاب المحتجين؟ أم أن التاريخ سيشهد على تواطئهم وفشلهم في حماية طلابهم من الاعتقال العنيف والمعاملة الوحشية بينما يشاهدون ما يحدث؟!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)