بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تضطر نور سليم في كثير من الأحيان للغناء لطفلها الجائع لعل ذلك يساعده على النوم.
وتغني الأم الفلسطينية لحناً تقليدياً تقول فيه: “نم يا حبيبي، نم، سأنشر لك ريش النعام وأحضر لك التولومبا (حلوى العجين المقلي)”، لكنها تتذكر المجاعة التي تعاني منها هي وطفلها ومئات الآلاف في شمال غزة.
وتقول سليم البالغة من العمر 32 عاماً لموقع ميدل إيست آي: “لقد غنيت هذه الأغنية وبكيت من كل قلبي، فقد شعرت بالعجز عن القيام حتى بأبسط الأشياء لطفلي، مثل إعطائه التولومبا”.
“أحترق من الشعور بالعجز”
ومنذ أكثر من ثمانية أشهر، فرض جيش الاحتلال حصاراً مشدداً على قطاع غزة، مما حد بشدة من تدفق المواد الغذائية الأساسية المنقذة للحياة والمستلزمات الطبية.
وتعرض شمال غزة وهو المكان الذي حاول الاحتلال إخلاءه من أكثر من مليون من سكانها في بداية الحرب في تشرين الأول/أكتوبر للحصار الأشد صرامةً.
ورغم الدمار والقتل واسعي النطاق اللذين جعلا المنطقة جحيماً لا يصلح للعيش، رفض مئات الآلاف من الفلسطينيين مغادرة شمال غزة، خوفاً من أن يمنعهم الاحتلال من العودة أبداً.
وعلاوةً على القصف المتواصل والاستهداف المتعمد للمستشفيات، استخدمت قوات الاحتلال تجويع السكان كسلاح حرب، وفقاً لمحققين مستقلين من الأمم المتحدة.
وبلغت أزمة الجوع ذروتها في آذار/مارس، حيث استشهد العشرات من الأطفال بسبب سوء التغذية وأُجبر السكان على أكل العشب بينما قتلت قوات الاحتلال الساعين للوصول إلى المساعدات في كثير من الأحداث.
وتحت وطأة الضغوط الدولية المتصاعدة، حسنت دولة الاحتلال “قليلاً” من إمكانية الوصول إلى الغذاء في بعض المناطق بعد أن قتلت قواتها العديد من عمال الإغاثة الأجانب، وبعدما حذر تقرير مدعوم من الأمم المتحدة من أن المجاعة باتت وشيكة.
غير أن سلطات الاحتلال عادت الآن لتفرض قيوداً مرة أخرى على عمليات تسليم الأغذية المنقذة للحياة، وفقاً للسكان الذين يؤكدون أن أزمة جوع ثانية تخيم الآن على القطاع في ظل ظروف أكثر سوءاً وبتغطية إعلامية أقل.
وقالت سليم: “أنا حزينة جداً على طفلي، فهو لا يأكل كثيراً ويواصل فقدان الوزن”.
بعد أزمة الجوع الأخيرة، قامت سليم التي تسكن في حي الرمال بتخزين بعض جبن الفيتا والحلاوة متوقعة أن تجدد سلطات الاحتلال حصارها، وهي تطعم طفلها حالياً من هذين العنصرين فقط، لكنهما قد يكونان ضارين به ولا يوفران له التغذية الكافية.
وقالت: “طفلي ينمو ويحتاج إلى نظام غذائي أكثر تنوعاً، إنه في السن الذي تكون فيه التغذية أمر بالغ الأهمية، ويحتاج إلى تناول الدجاج واللحوم والبيض”.
وتتردد قصة سليم بين العديد من أهالي شمال غزة الذين يؤكدون أن الناس باتوا منهكين وضعفاء وينتابهم الانهيار أحياناً بسبب نقص الغذاء، كما يحصل مع ابنتي رجاء جندية الرضيعتين، واللتين تبلغ إحداهما العامين من عمرها والثانية ثمانية أشهر فقط.
وذكرت جندية، 29 عاماً، لموقع ميدل إيست آي: “إذا رأيت طفلتي البالغة من العمر ثمانية أشهر، ستعتقد أنها تبلغ من العمر شهرين فقط لأنها صغيرة جداً ونحيفة”.
أما ابنتها الأخرى، فقالت جندية أنها انهارت مؤخراً من الإرهاق، موضحةً: “لم تعد قدماها تحملانها وبدا أنها تعاني من الكساح، فأخذتها إلى الطبيب، الذي أخبرني أن ذلك كان بسبب سوء التغذية”.
وبحسب الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، فإن أكثر من 200 ألف طفل فلسطيني بدت عليهم أعراض سوء التغذية في شمال غزة.
وفي حديثه لقناة العربي التلفزيونية يوم الجمعة، حذر من أن المجاعة تلوح في الأفق، مما يهدد بـ “كارثة إنسانية” في غزة.
“لا أجد ما أطعم به ابنتي، وأحياناً لا آكل أي شيء لتوفير الطعام للأطفال”- رجاء جندية، أم فلسطينية
تواجه جندية هذا الحال بعدما أصبحت المواد الأساسية نادرة في الأسواق، وعندما تتوفر، فإنها غالباً ما تُباع بأسعار باهظة.
وتعتني جندية بطفلتيها بمفردها بعد استشهاد زوجها، الذي كان يعولهما، برصاص قوات الاحتلال في إحدى “مجازر الدقيق” أثناء خروجه لإحضار المساعدات لعائلته خلال أزمة الجوع السابقة في آذار/مارس الماضي.
وقالت جندية لـ “ميدل إيست آي”: “كان زوجي يؤمن لنا الطعام، ولم يكن يتركني أنا والطفلتين في حاجة إلى أي شيء، أما الآن فعليّ أن أفكر طوال الوقت فيما يجب أن أطعمه لأطفالي.
“ظروف أشبه بالمجاعة”
ورغم أن أزمة الجوع أكثر حدة في الشمال، إلا أنها أثرت على قطاع غزة بأكمله، فقد استشهد مصطفى حجازي البالغ من العمر عشر سنوات يوم الجمعة بسبب سوء التغذية في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
وحجازي واحد من 32 طفلاً على الأقل قضوا بسبب سوء التغذية خلال الحرب.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، إن نسبة كبيرة من سكان غزة يواجهون “جوعاً كارثياً وظروفاً شبيهة بالمجاعة”.
وأضاف: “على الرغم من التقارير التي تفيد بزيادة تسليم الغذاء، لا يوجد حالياً أي دليل على أن أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه يتلقون كمية ونوعية كافية من الطعام”.
“أحترق من أجل الأطفال ولا أستطيع التوقف عن التفكير بهم” – نور سليم، أم فلسطينية
هذا واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في وقت سابق من هذا الأسبوع دولة الاحتلال بتضليل العالم من خلال الإعلان بانتظام عن دخول العشرات من شاحنات المساعدات إلى القطاع.
وقال المكتب في بيان صحفي أن الشاحنات القليلة التي تدخل شمال غزة يومياً تصل إلى حوالي 30 شاحنة، وغالباً ما تكون غير محملة بالكامل وتقتصر حمولتها في الغالب على الدقيق الذي يتم تسليمه إلى المخابز التي تديرها الأمم المتحدة.
وكان قطاع غزة بحاجة إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة محملة بالكامل من المساعدات والسلع التجارية يومياً في ظروف ما قبل الحرب.
ويخشى الفلسطينيون في غزة أن تكون أزمة الجوع هذه المرة أسوأ مما كانت عليه في وقت سابق من هذا العام.
ويرجع ذلك إلى أن قوات الاحتلال استولت في أوائل/أيار/مايو على معبر رفح مع مصر، وهو طريق حيوي للمساعدات، وقامت بإغلاقه.
كما يرجع ذلك إلى أن جيش الاحتلال دمر المزيد من مراكز توزيع المساعدات خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة.
وتقول سليم، التي تعتبر نفسها من المحظوظين القلائل الذين ما زالوا يحتفظون ببعض الطعام: “في المجاعة السابقة، اعتدت الذهاب إلى الصيدلية وكان الصيدلي يخبرني أنه يعرف أطفالاً ماتوا من سوء التغذية الحاد، بعدما جف حليب أمهاتهم بسبب سوء التغذية والحزن والخوف”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)