بقلم ديفيد هيرست
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أصبحت ملامح الجيل القادم من الزعماء السياسيين في ظل النظام الذي نصر على تسميته بالديمقراطية الغربية واضحة، فهو جيل يتمتع بالطاقة والكاريزما ويتحدث لغة يفهمها الجميع، فهو يتواصل مع الناخبين الذين أهملتهم النخبة اليوم، ويتمتع بالصبر الاستراتيجي ويخطط للانتخابات التالية!
من الواضح أيضاً ما يفكر فيه، حيث يعتقد أن “الحضارة الغربية” مهددة من قبل الإسلام، وأن “السكان الأصليين” مهددون من قبل المهاجرين، وهو يؤيد صراع الحضارات، والأهم من ذلك كله هو أنه يؤيد إسرائيل بصوت عالٍ.
أنا أستخدم الاقتباسات في توصيفي للمفاهيم، فليس في التاريخ الحديث ما يسمى مفهوم الحضارة “اليهودية المسيحية”، فلم يكن أحد في إنجلترا أو ألمانيا في القرن 16 يجرؤ على الحديث عن حضارة “يهودية مسيحية”، وذلك لسبب بسيط هو أن المسيحيين كانوا هم من يضطهدون اليهود، ومع ذلك فتلك الحقيقة لا تمنع استخدام الأمر كدعاية اليوم!
عندما أجرى التلفزيون الفرنسي مؤخراً مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سُئل عما إذا كان بوسع أي شخص أن يقارن بين هبوط قوات الحلفاء في نورماندي والهجوم الإسرائيلي على غزة، فرد نتنياهو بالفرنسية: “انتصارنا هو انتصاركم! إنه انتصار الحضارة اليهودية المسيحية على البربرية، إنه انتصار فرنسا! إذا فزنا في مكان فزتم أنتم في مكان آخر”.
المشكلة لا تكمن في إجابته فقط، بل في قيام قناة تجارية فرنسية كبيرة بإعطاء منبر لرجل ينتظر صدور أمر اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب!
أكبر من مجرد نفعية سياسية
لقد قام نتنياهو في توصيف حربه على غزة باستخدام صياغات يفهمها الصليبيون وتتقاسمها قطاعات كبيرة من الطيف السياسي الفرنسي، بما في ذلك الرئيس إيمانويل ماكرون، ولك يكن ذلك سوى خطوة قصيرة نحو تجريم ما ادعى ماكرون أنه “الانفصالية الإسلامية”، والتي يسعى من خلالها إلى استهداف حرية العبادة الدينية لستة ملايين مواطن فرنسي مسلم.
لا أعتقد أن هناك أحداً يستفيد من انهيار الليبرالية في عهد ماكرون أكثر من نجم اليمين المتطرف والرجل المرشح ليصبح رئيساً للوزراء ذات يوم، جوردان بارديلا، حيث قال في عام 2021: “لو ذهبت في نزهة إلى الأحياء التي كنت أعيش فيها في سين سان دوني، فسوف تجد تغيراً ديموغرافياً هائلاً يمكن أن يغير وجه فرنسا في غضون سنوات قليلة”.
يعتبر احتضان إسرائيل لشخصيات مثل بارديلا وخيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي أو زعيم حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا، سانتياغو أباسكال، وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف مجرد انتهازية سياسية، فإسرائيل تعتبر نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة بمثابة رد الجميل مقابل اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية.
في صفحته على موقع اكس، قام وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بنشر صورة ساخرة لزعماء إسبانيا مع بيضة على وجوههم، زاعماً أنه ” تمت معاقبتهم من قبل الناخبين” لاعترافهم بالدولة الفلسطينية، وكتب: “لقد عاقب الشعب الإسباني سانشيز كاستيجون وائتلاف يولاندا دياز بهزيمة مدوية في الانتخابات، اتضح أن احتضان القتلة والمغتصبين من حماس لا يؤتي ثماره”.
لقد تساقطت بالفعل أكثر من ورقة توت كاشفة عن صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تعاني من حصار القوى البربرية، فمع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها التاسع، لم يعد هناك أي مساحة للادعاء بالحديث بلغة الديمقراطية!
من جهة أخرى، فقد أبدى العضو السابق في حزب “يمينا” اليميني المتطرف والذي يشغل حاليا منصب وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، ابتهاجاً باستقالة رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، الذي كان قد ذهب إلى رفح في نوفمبر الماضي قبل إطلاق سراح أولى دفعات الرهائن، وكان تقريباً الصوت الوحيد في أوروبا الذي يدين المذبحة التي يتعرض لها المدنيون في غزة قائلاً: “إن دعم الإرهاب لا يلقى صدى لدى الشعب البلجيكي”.
يمكن القول أن الروابط التي تعززها إسرائيل مع اليمين المتطرف في أوروبا تذهب إلى ما هو أعمق من مجرد النفعية السياسية، فالأمر يتعدى كونه “ابتهاجاً قصير النظر” كما قال أحد كتاب الأعمدة في صحيفة “هآرتس”.
تحالف غير مقدس
سرعان ما تم ترسيخ التحالف مع الأحزاب السياسية الأوروبية التي تشوه صورة المسلمين بنفس الطريقة التي كان يتم بها تغذية الكراهية لليهود من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة إلى تحالف أوسع بالفعل والقول، فعبارات الدعم من جانب اليمين المتطرف لإسرائيل ليست مجرد خطابات بلاغية.
على سبيل المثال، لقد تم إلغاء ترشيح حليف فيلدرز، جدعون ماركوسزور، لمنصب وزير الهجرة واللجوء الجديد في هولندا، بعد أن أثارت المخابرات الهولندية مخاوف حول علاقات الرجل الإسرائيلي المولد بالموساد، كما ينظر إلى احتمال تشكيل حكومة يمينية متطرفة على أنه فرصة ذهبية من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية لوضع المصانع في أعلى المستويات الحكومية.
علاوة على ذلك، فقد زادت صادرات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل منذ بدء الهجوم على غزة، حيث كشفت شبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان (BIRN) وصحيفة هآرتس عن تحرك 6 رحلات جوية عسكرية إسرائيلية من بلغراد إلى بئر السبع منذ أكتوبر من العام الماضي، كانت تحمل أسلحة بقيمة 15.7 مليون يورو أي 17 مليون دولار.
أما الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، فقد أكد في فبراير الماضي أنه ناقش مع نتنياهو “المزيد من التقدم في العلاقات الثنائية، حيث أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن امتنانه لدعمي الثابت له بالقول والفعل”.
لقد كشف الخطاب القومي الصربي الذي يتبناه فوتشيتش النقاب عن السلام الهش في البلقان، فقد ظهر مؤخراً إلى جانب زعيم الكيان الذي يقوده الصرب داخل البوسنة والهرسك، ميلوراد دوديتش، للدعوة إلى وحدة الصرب كعرقية في جميع أنحاء المنطقة خلال تجمع حاشد في بلغراد، مدعياً أن جمهورية صربسكا، الكيان الذي يقوده الصرب، ملتزمة باتفاقات دايتون، لكنه “سيضطر قريبا إلى طلب دعم صربيا لحل وضعه” على حد تعبيره.
لن نعود إلى عام 1948 مرة أخرى، على الأقل ليس بالنسبة للفلسطينيين، فإذا حاولت إسرائيل القيام بعملية تطهير عرقي كبرى في الضفة الغربية، فسوف يثور الأردن ويصبح قاعدة لحركة مقاومة نشطة على طول الحدود البرية الأطول لإسرائيل، ولن يكون لإسرائيل حدود هادئة مرة أخرى
هذا الخطاب يشكل تهديداً ضمنياً لاتفاقيات دايتون التي انبثق عنها دولة بوسنية تتألف من كيانين، الاتحاد البوسني الكرواتي وجمهورية صرب البوسنة، وحكومة مركزية ضعيفة، حيث أكد دوديتش أنه “من المستحيل التعايش مع أولئك الذين حاولوا بكل هذا الغدر والخبث والكذب والسرية فرض الإبادة الجماعية كسمة دائمة لهذه الأمة”.
في خطابه، يشير دوديتش إلى المذبحة التي وقعت في سربرينيتسا عام 1995، والتي وافقت الأمم المتحدة على قرار بتخصيص يوم دولي لإحياء ذكراها، منكراً حدوث أي إبادة جماعية بحق 8000 من مسلمي البوسنة.
ليس من قبيل الصدفة أن تعطي صحيفة “جيروزاليم بوست” دوديتش مساحة كبيرة في مقابلة قال فيها: “لا يمكن تسميتها إبادة جماعية، فالخبراء الموثوقون الذين كرسوا حياتهم المهنية بأكملها لدراسة الإبادة الجماعية قرروا أنها لم تكن إبادة جماعية، وكل من لديهم سلطة يقولون إنها لم تكن إبادة جماعية”.
كان هذا الكلام بمثابة موسيقى لآذان من أجرى معه المقابلة في صحيفة جيروزاليم بوست، لأنه يبرر الإبادة الجماعية في غزة بشكل ما، خاصة وأن دوديتش وصف الفلسطينيين في المقابلة بقوله “ما يسمى بالفلسطينيين”، مضيفاً: “إنهم في الغرب لا يحبونني، لأنني أتحدث عن رأيي مباشرة، ولكن إذا نظرنا إلى التاريخ، فلن يكون هناك تعايش سلمي بين الفلسطينيين واليهود، تماماً كما كان مستحيلاً بين المسلمين والصرب في البوسنة والهرسك”.
إن التزاوج بين حكومة إسرائيلية لديها نية صريحة لإجبار أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الخروج من الأراضي التي تحتلها، والمتطرفين اليمينيين الأوروبيين الذين يريدون طرد أكبر عدد ممكن من المسلمين من أوروبا، ليس من قبيل الصدفة.
لقد تساقطت بالفعل أكثر من ورقة توت كاشفة عن صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تعاني من حصار القوى البربرية، فمع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها التاسع، لم يعد هناك أي مساحة للادعاء بالحديث بلغة الديمقراطية!
فاشية معدية
لقد أثبتت الذكرى السنوية الأخيرة لما حدث في بداية الحرب العالمية الثانية أنها كانت كاشفة، ففي أحد أيام شهر يوليو من عام 1939، رفضت الولايات المتحدة وكندا السفينة سانت لويس، التي أبحرت إلى كوبا وعلى متنها أكثر من 900 لاجئ يهودي، عندها اضطرت السفينة للعودة إلى أوروبا، فصاح أدولف هتلر عبر الراديو كاشفاً أن النازيين ليسوا وحدهم من يكرهون اليهود، حيث قال: “انظروا إلى العالم كله يكره اليهود”.
لا يوجد تهديد أعظم لوجود دولة يهودية في الشرق الأوسط من أقوال وأفعال قادة إسرائيل اليوم، ولا يوجد تهديد أكبر لليهود في جميع أنحاء العالم، كما كان الحال في الثلاثينيات، من الفاشيين الذين يعودون إلى السلطة في أوروبا مرة أخرى!
هذا هو الشعور الشائع حول الفلسطينيين في البرامج الحوارية الإسرائيلية وفي وسائل التواصل الاجتماعي في إسرائيل اليوم،
فالسبب خلف إجبارهم على ترك منازلهم في غزة والضفة الغربية المحتلة هو أنه “لا أحد يريدهم أيضاً”!
لقد أصبح هتلر قدوة لإسرائيل، حيث استحضره عضو الكنيست السابق عن حزب الليكود، موشيه فيغلين، عندما قال على شاشة تلفزيونية: “كما قال هتلر (لا أستطيع أن أعيش إذا بقي يهودي واحد)، فنحن لا يمكننا العيش هنا إذا بقي إسلاموي نازي واحد في غزة”.
هذه هي الفاشية بكل وضوح وبساطة، وقد أصبحت عملة شائعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فلم يعد الأمر يقتصر على صراخ اليمين المتطرف ايتمار بن غفير، ولهذا السبب يتم قبول الفاشيين الأوروبيين بسهولة باعتبارهم رفقاء الروح للفاشيين الإسرائيليين.
لا يتعلق هذا الأمر بالتاريخ، بل بإسرائيل اليوم، فليس من المهم تذكر ملايين اليهود الذين وقعوا ضحايا الفاشية في أوروبا، وليس من المهم أن المعادين للسامية الحقيقيين هم باتوا رفاقهم اليوم!
ما يهم فقط هو أنهم وجدوا قضية مشتركة في عدو مشترك، حتى أصبحت إسرائيل بالنسبة لليمين المتطرف الفاشي الأوروبي نموذجاً يحتذى به في كيفية التعامل مع الأقلية المسلمة، على عكس إسرائيل التي تخاطر بهذا المفهوم، لأنها ليست في أرض حيث المسلمون أقلية، ولا يشكلون حتى الأغلبية في دولتهم، بل هم موجودون في منطقة يشكلون فيها هم الأقلية، كما أن “الدولة اليهودية” ليست على هامش العالم الإسلامي، بل تقع في وسطه.
لن نعود إلى عام 1948 مرة أخرى، على الأقل ليس بالنسبة للفلسطينيين، فإذا حاولت إسرائيل القيام بعملية تطهير عرقي كبرى في الضفة الغربية، فسوف يثور الأردن ويصبح قاعدة لحركة مقاومة نشطة على طول الحدود البرية الأطول لإسرائيل، ولن يكون لإسرائيل حدود هادئة مرة أخرى.
كلما اقتربت إسرائيل من تبني نهج دولة يهودية عنصرية وفصل عنصري كأيديولوجية لها في محاولة لإيجاد الحل النهائي لصراعها مع الفلسطينيين، فإنها ستواجه لحظة وجودية قريبة.
لا يوجد تهديد أعظم لوجود دولة يهودية في الشرق الأوسط من أقوال وأفعال قادة إسرائيل اليوم، ولا يوجد تهديد أكبر لليهود في جميع أنحاء العالم، كما كان الحال في الثلاثينيات، من الفاشيين الذين يعودون إلى السلطة في أوروبا مرة أخرى!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)