بقلم عابد أبو شحادة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
عقب انقضاء أكثر من ثمانية أشهر على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وهي لحظة حاسمة للشعب الفلسطيني في مختلف أنحاء العالم، من المهم أن ندرس الوضع الدقيق للمواطنين الفلسطينيين في دولة الاحتلال
ذلك أن من شأن هؤلاء الفلسطينيين أن يلعبوا دوراً حاسماً في النضال من أجل التحرير في السنوات المقبلة، رغم أنهم يعيشون تحت سيطرة المؤسسات الإسرائيلية وعلى مقربة من الجمهور العبري الذي تدعم الكثير من طبقاته الحرب المدمرة على غزة.
أولاً، من المهم أن نلاحظ أن الخطاب الأمني للاحتلال ركز منذ فترة طويلة على خمس جبهات: غزة إلى الجنوب، ولبنان إلى الشمال، والضفة الغربية المحتلة وإيران إلى الشرق، وأخيراً المواطنين الفلسطينيين داخل الدولة العبرية.
لقد بدا أن هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر قد فاجأ الاحتلال حين أتاه على حين غرة، مما أدى إلى تصعيد في غزة، وبعد ذلك بوقت قصير في لبنان.
وبينما يخوض جيش الاحتلال معارك على هاتين الجبهتين، فإن المواطنين الفلسطينيين في الدولة العبرية يواجهون اضطهاداً سياسياً غير مسبوق يشمل الاعتقالات والإجراءات التأديبية في المدارس والعمل والاعتداءات الجسدية.
لقد قام عدد من عناصر الجمهور الإسرائيلي بمطابقة ممارساته مع قوات الأمن، حيث أطلقوا صفة “الأعداء” على المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا قد صادقوهم في السابق وعملوا معهم ودرسوا وإياهم.
وفي خضم كل هذا، وافقت حكومة الاحتلال على سياسات تشجع على تسليح المواطنين اليهود على نطاق واسع، وإغراق الأماكن العامة بالبنادق.
بعبارة أخرى، لقد رأينا بأم أعيننا استعداد الجمهور الإسرائيلي للانقلاب ضد المواطنين الفلسطينيين وكيف أصبحت المواطنة الإسرائيلية للفلسطينيين جوفاء في سياق الطوارئ.
المخاطر الكامنة
وهذا يقودنا إلى التساؤل: ماذا يعني أن تكون فلسطينياً؟ لقد أوضحت ثمانية أشهر من المشاهد المروعة من غزة مدى عدم اكتراث العالم بمقتل الآلاف من الأطفال الفلسطينيين، ومستوى تجاهله للكارثة الإنسانية ذات الأبعاد التوراتية.
وبينما يستمر هذا، يناقش المجتمع الدولي ما إذا كان ينبغي له أن يدعو إلى وقف إطلاق النار، ويصر على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وبالنسبة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، فقد أكد هذا على فراغ مواطنتهم، والمخاطر الكامنة في كون المرء فلسطينياً في المنطقة بأكملها من النهر إلى البحر.
قبل أن تبدأ الإبادة الجماعية في غزة، كان هناك اعتراف بين جميع الأحزاب السياسية والجهات الفاعلة بأن إسرائيل بعيدة كل البعد عن كونها ديمقراطية ليبرالية، ومع ذلك، فقد سُمح للنشاط السياسي الفلسطيني بتحدي النظام على الهامش.
لقد أدت الحرب إلى تآكل هذا الفهم تماماً، إذ لم تعد المؤسسات ولا الجمهور الإسرائيليين على استعداد للسماح بمساحة للخطاب السياسي الفلسطيني، ومع هذا التغيير في الافتراضات الأساسية، بدأنا نشهد تكيفات سياسية في الأشهر الأخيرة.
إن لهذا الواقع آثار أكبر على معنى الأحزاب السياسية لشعب مستعمر داخل دولة استعمارية استيطانية
يمثل منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة، اتجاهاً جديداً يعمل، بوعي أو بغير وعي، على محو الهوية الفلسطينية، إلى الحد الذي جعله في مقابلة أجريت معه مؤخراً في وسائل الإعلام الإسرائيلية يرفض التصريح بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة، بينما أدان تصرفات حماس.
صحيح أنه أوضح لاحقاً أن هجوم إسرائيل على غزة يشكل جرائم حرب، لكن منصور عباس عباس حريصاً على التعاون مع الأحزاب الإسرائيلية في الحكومة.
في ذات الوقت وفي خضم المناقشات الجارية حول مستقبل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، يتغير الوضع الراهن في السياسة الفلسطينية، ونتيجة لهذا، يتعين على الأحزاب العربية في إسرائيل أن تسأل نفسها ماذا يعني أن تكون حزباً فلسطينياً.
هل يتعلق الأمر بالهوية الثقافية والماضي الفلسطيني المشترك؟ أم أن الساسة الفلسطينيين جزء من حركة التحرير الوطني، الأمر الذي يتطلب منهم اتخاذ خيارات صعبة بين الهوية الوطنية والهوية المدنية؟ هذه ليست قرارات سهلة.
السؤال الجدلي
سيكون الدور الذي ستلعبه الأحزاب السياسية العربية في المستقبل حاسماً، فقد أثرت آلة الحرب الإسرائيلية سلباً على اقتصاد البلاد، حيث تتحول إسرائيل بشكل متزايد إلى دولة منبوذة، وسوف يعاني المواطنون الفلسطينيون، الذين يواجهون التمييز المؤسسي، أكثر من غيرهم من هذا الانحدار الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه، فإن الخطاب الذي يروج له سياسيون مثل عباس لن يساعد إلا في تبييض صورة إسرائيل في الخارج، في حين يشجع الفلسطينيين على قبول فتات الميزانية مقابل الحفاظ على الوضع الراهن.
ويتعين على الأحزاب الأخرى أن تقدم رواية مضادة شجاعة وتاريخية، رواية لا تقبل بأقل من المساواة والعدالة التاريخية.
ويتعين على هذه الرواية أن تعترف بالتدهور الأخلاقي والاجتماعي في إسرائيل، إلى جانب الصعوبات التي تنتظرها، في حين يجلب الهجوم على غزة عواقب غير مسبوقة على جميع الفلسطينيين.
إن لهذا الواقع تداعيات أكبر على معنى الأحزاب السياسية لشعب مستعمر داخل دولة استعمارية استيطانية، حيث ظلت مسألة المشاركة السياسية للأحزاب الفلسطينية في الكنيست الإسرائيلي موضع خلاف على الدوام.
فتاريخياً، كانت إجابتهم هي أنه لا يوجد بديل، ولكن هذه الإجابة لم تعد مرضية، نظراً لنفوذ عدد لا يحصى من المنظمات السياسية خارج البرلمان.
وحتى لو قبلنا أهمية المشاركة البرلمانية، من منظور استغلال مواقع القوة إلى أقصى حد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من لديه السلطة الإيديولوجية للتعبير عن المصلحة الوطنية العامة للشعب الفلسطيني؟ هل هم أعضاء الكنيست الأفراد، أم الأحزاب السياسية الأشمل؟ في كلتا الحالتين، رأينا أمثلة على تجاهل المصلحة الوطنية لصالح المصالح المتصورة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
إن هذا الوضع يؤكد على أهمية لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل، وهي هيئة سياسية من المفترض أن تمثل جميع المواطنين الفلسطينيين وتحافظ على منظور وطني على الرغم من إضعاف هذه الهيئة باستمرار من قبل نفس الأحزاب السياسية.
وبعبارة أخرى، هناك بدائل ملهمة للنشاط السياسي المستقل، ولكن هل هناك استعداد لشكل جديد ومبدع ومتحدي من أشكال السياسة يحافظ على التواصل المفتوح مع الفلسطينيين في كل مكان؟ أم أننا سنرى المزيد من المحاولات لمواصلة الوضع الراهن الذي كان قائماً قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر؟
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)