أطلقت سلطات الاحتلال صباح اليوم الاثنين سراح مدير مستشفى الشفاء في مدينة غزة الدكتور محمد أبو سلمية بعد أكثر من ستة أشهر من الاعتقال.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت أبو سلمية من قافلة إنسانية نظمتها الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لإجلاء المرضى من مستشفى الشفاء أثناء تعرضه لهجوم من الاحتلال.
وأُفرج عن أبو سلمية في دير البلح وسط غزة مع حوالي 50 معتقلاً آخرين من بينهم طبيب آخر على الأقل.
وعقب إطلاق سراحه، قال الطبيب الفلسطيني أن الأسرى في سجون الاحتلال يعانون من ظروف قاسية غير مسبوقة منذ نكبة عام 1948، وأنه يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لإطلاق سراحهم.
وأضاف في مؤتمر صحفي أن الأسرى يتعرضون لجميع أشكال التعذيب ويحرمون من أبسط حقوقهم، وأن العديد منهم استشهدوا أثناء التحقيق معهم بسبب التعذيب ونقص الرعاية الطبية والغذاء.
وأردف قائلاً: “حتى الأطباء في السجون يعاملون الأسرى بقسوة ويضربونهم، لقد تخلى هذا الاحتلال عن كل القيم الإنسانية”.
وكان أبو سلمية قد رفض مغادرة مستشفى الشفاء خلال اقتحام الاحتلال الأول له في تشرين الثاني/نوفمبر، وتعهد بالبقاء مع المرضى، قبل أن يتم إجبار جميع أفراد الطاقم الطبي والمرضى والنازحين على الخروج من المستشفى بعد أن داهمته قوات الاحتلال.
وقال أبو سلمية إنه احتجز بعد ذلك مع أطباء ومرضى آخرين أثناء إجلائهم في قافلة نسقتها الأمم المتحدة مع قوات الاحتلال.
وأوضح أبو سلمية أنه كان على اتصال بضباط من قوات الاحتلال قبل الإجلاء لإبلاغهم بتحرك الطاقم الطبي ضمن القافلة، لكن الجنود اعتقلوه وآخرين في ما يسمى “الممر الإنساني”.
ومنذ شهور عدة، زعمت سلطات الاحتلال أن مستشفى الشفاء، وهو أكبر وأهم منشأة طبية في غزة قبل الحرب، كان مركز قيادة وسيطرة لحماس.
وبعد اعتقال أبو سلمية، زعمت قوات الاحتلال أن “حماس مارست نشاطاً إرهابياً واسع النطاق” في المستشفى تحت إدارته.
لكن سلطات الاحتلال لم تقدم أي دليل يدعم ادعائها رغم مهاجمتها للمستشفى عدة مرات، بما في ذلك تنفيذها لعملية اقتحام واسعة النطاق استمرت أسبوعين في آذار/مارس دمرت خلالها مرافق المستشفى.
من جانبها، نفت وزارة الصحة الفلسطينية وأبو سلمية وحماس مراراً وتكراراً الادعاءات بأن مستشفيات غزة استخدمت لأغراض عسكرية من قبل أي منظمة فلسطينية مسلحة.
وقال أبو سلمية يوم الاثنين إنه عُرض على المحكمة ثلاث مرات أثناء احتجازه دون أن توجه له رسمياً أي اتهامات، الأمر الذي يثبت إلى جانب الإفراج عنه أنه احتجز لأسباب “سياسية” فقط.
“سأعود لأداء واجبي، وقد سمعت من زملائي أن مستشفى الشفاء تعرض لأضرار كبيرة، وأعدكم والعالم بأننا سنعيد بناء هذا المجمع الطبي”. – الدكتور محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء
وفي دولة الاحتلال، أثار إطلاق سراح أبو سلمية ردود فعل غاضبة في أوساط العديد من السياسيين الذين قاموا بالتحريض ضده.
ووفقاً لموقع (والا) الإخباري، أعرب وزراء في حكومة الاحتلال في دردشة جماعية على تطبيق واتساب عن غضبهم من إطلاق سراحه.
فقد قال عميحاي شيكلي، وزير شؤون الشتات: “لماذا يتم إطلاق سراح هذا الرجل الذي قُتل رهائن في مستشفاه وتم تشغيل مركز قيادة لحماس داخله؟”.
وردت أوريت ستروك، وزيرة المستوطنات: “من غير المعقول القيام بمثل هذا الشيء دون اجتماع لمجلس الوزراء، أنا أسأل بجدية، تحت أي سلطة تم ذلك؟”
وعلى حسابه في منصة X اعتبر وزير الأمن القومي في دولة الاحتلال إيتمار بن غفير أن الإفراج عن أبو سلمية كان نتيجة “إهمال أمني”.
ودعا بن غفير في محادثات خاصة مسربة نشرتها وسائل الإعلام العبرية إلى إقالة رونين بار، مدير وكالة الاستخبارات الداخلية (الشاباك).
كما حمّل والد الأسيرة الإسرائيلية نوعا مارسيانو التي قالت حماس أنها قتلت في غارات جوية إسرائيلية، أبو سلمية “المسؤولية غير المباشرة عن مقتلها” وانتقد الحكومة لإطلاق سراحه.
وقال بيني غانتس، زعيم المعارضة وعضو سابق في مجلس الوزراء الحربي، والذي يوصف بأنه شخصية “معتدلة”، أن إطلاق سراح أبو سلمية كان “خطأ أخلاقياً وعملياً” من جانب الحكومة.
وأوضح مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ان الإفراج عن أبو سلمية جاء بعد التماس قدم إلى المحكمة العليا ضد احتجاز الأسرى في منشأة سدي تيمان سيئة السمعة.
وأشار المكتب إلى أنه أمر بإجراء تحقيق فوري، مضيفاً أن هوية الأسرى المفرج عنهم “تحدد بشكل مستقل من قبل المسؤولين الأمنيين على أساس اعتباراتهم المهنية”.
وأصدر وزير الدفاع يوآف غالانت بياناً مماثلاً نأى فيه بنفسه عن الإفراج عن أبو سلمية.
وقال مكتبه “إن إجراءات حبس الأسرى الأمنيين وإطلاق سراحهم تخضع لجهاز الأمن الداخلي ومصلحة السجون، ولا تخضع لموافقة وزير الدفاع”.
ورد جهاز الأمن الداخلي على الانتقادات التي تلقاها، قائلاً أن إطلاق سراح 55 شخصاً يوم الاثنين جاء بسبب نقص المساحة في السجون والحاجة إلى إفساح المجال لـ “مشتبه بهم إرهابيين أكثر أهمية”.
وألقى الجهاز باللوم على المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لفشلهم في معالجة “أزمة السجن” الناجمة عن نقص الأماكن في السجون.
وأضاف الجهاز في بيان له أنه: “في غياب أي خيار آخر، وفي غياب حل فوري لأزمة الأماكن في السجون، ستستمر عمليات إلغاء الاعتقالات وسيستمر إطلاق سراح المعتقلين”.
وردت مصلحة السجون الإسرائيلية، التي تخضع لسلطة بن غفير، قائلة أن إطلاق سراح أبو سلمية جاء بموافقة من الجيش وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، ولم يكن بسبب “أزمة سجن”.
وفي خطوة نادرة، نشرت مصلحة السجون أمر الإفراج، الذي وقعه عميد في الاحتياط.
وأضافت في بيان لها: “ستستمر مصلحة السجون في العمل كمؤسسة مرموقة، ولن تنجر إلى أي خطاب يهدف إلى التشهير المتبادل”.
من ناحيته، أقر أبو سلمية بأنه فوجئ بردود الفعل الإسرائيلية، وقال للصحفيين أن إطلاق سراحه جاء بعد عملية قانونية رسمية لم تتم خلالها إدانته بأي تهمة.
يُذكر أن قوات الاحتلال اعتقلت آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وغزة منذ الهجوم الذي قادته حماس على مستوطنات الاحتلال وثكنات جيشه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والحرب التي تلت ذلك.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 4000 و5000 فلسطيني اعتقلتهم قوات الاحتلال من غزة وحدها، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن والمسعفون والصحفيون والأطباء وعمال الإغاثة.
هذا ووجهت اتهامات لسلطات الاحتلال بممارسة التعذيب والإساءة على نطاق واسع وبشكل منهجي ضد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين.
وقد أدت هذه الممارسات إلى استشهاد نحو 60 فلسطينياً داخل السجون، 40 منهم على الأقل من قطاع غزة، وفقاً لإحصاء أجراه موقع ميدل إيست آي استناداً إلى تقارير إعلامية.
وخلال الشهور الماضية، تم الإفراج عن نحو 1500 أسير، ووصف العديد منهم المعاملة السيئة التي تعرضوا لها.
وشملت هذه المعاملة الاعتداء الجنسي، والصعق بالكهرباء، والضرب، والهجوم بالكلاب، والحرمان من الطعام والنوم، والإذلال، والاحتجاز في أوضاع مهينة، والتبول عليهم، وتقييدهم بإحكام لفترات طويلة، مما تسبب في إصابات خطيرة أدت إلى بتر أطرافهم في بعض الحالات.
ويقول الناجون أن الأطباء تعرضوا لمعاملة أكثر قسوة من غيرهم، حيث توفي طبيبان على الأقل، هما عدنان البرش وإياد الرنتيسي، بسبب هذه الظروف.
وبعد إطلاق سراحه، أكد أبو سلمية صحة هذه التقارير، وقال: “لقد تعرضنا لتعذيب شديد، حيث تقتحم قوات الاحتلال زنازين الأسرى وتعتدي عليهم بشكل شبه يومي”.
وأضاف أنه في مرحلة ما، كان الأسرى يحصلون على رغيف خبز واحد في اليوم لمدة شهرين متتاليين.
وحث المنظمات الإنسانية الدولية على زيارة الأسرى الفلسطينيين ودعا إلى بذل كل الجهود لإطلاق سراحهم.
وخلال أيار/مايو، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب أليس جيل إدواردز أن هناك “نمطاً ناشئاً من الانتهاكات مقترناً بغياب المساءلة والشفافية” من قبل سلطات الاحتلال فيما يتعلق بمزاعم التعذيب وسوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين.
وأعربت إدواردز عن قلقها من أن هذا “يخلق بيئة متساهلة لمزيد من المعاملة المسيئة والمهينة للفلسطينيين”.