سوف يكون للإخلاء القسري للمرضى الفلسطينيين من مستشفى غزة الأوروبي قبل هجوم إسرائيلي محتمل، تأثير مدمر على المرضى وسوف يؤدي إلى مزيد من التدهور في نظام الرعاية الصحية المدمر في غزة أصلاً!
وفق تصريحات أطباء ومنظمات، فكثيراً ما تتم إحالة المرضى الذين يعانون من حالات عصبية حادة ومشاكل في القلب واضطرابات وراثية وحالات مزمنة تتطلب رعاية خاصة إلى هذا المستشفى الذي يضم 650 سريراً في مدينة خان يونس، فهو أحد آخر المرافق القائمة في غزة.
“نحتاج إلى أن يعرف العالم أجمع أننا هنا ونحتاج إلى الحماية، أين الإنسانية؟ إن آخر مستشفى قائم في غزة على وشك أن يتم اجتياحه وتدميره” أحد العاملين في الرعاية الطبية في المستشفى الأوروبي
كان المستشفى يضم إحدى أفضل وحدات الحروق في غزة، وكان يستقطب فرقاً طبية دولية تقدم العلاج المتخصص، بما في ذلك إجراء العمليات الجراحية، لكن كل هذا العمل توقف بعد يوم من أوامر الجيش الإسرائيلي بالإخلاء القسري لمعظم المناطق الواقعة شرق خان يونس ورفح على طول الحدود المصرية.
رغم تمتع المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي، إلا أن الجيش الإسرائيلي أصدر بياناً بعد ساعات من صدور الأمر بالإخلاء، قال فيه أن تلك المعايير الدولية لا تنطبق على المرضى أو الطاقم الطبي في المستشفى!
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، يقول الدكتور البريطاني، جيمس سميث والذي عاد من غزة في يونيو بعد أن عمل لمدة شهرين هناك: “يعلم الناس بأن مستشفى غزة الأوروبي لن تتم حمايته، فسارعوا بالفرار، فهم يعلمون أنه لن يتم إنقاذهم”.
النزوح على الأقدام
في أحد مقاطع الفيديو التي تم نقلها على موقع اكس عن نزوح المرضى من المستشفى سيراً على الأقدام أو على نقالات، يقول أحدهم: “لقد عانينا كثيراً أثناء الرحلة، أنا جريح منذ 5 أشهر، مقعد ومستلقٍ على ظهري ولم أخضع لأي عمليات بعد”.
إضافة إلى ذلك، فقد نشر موظفو المستشفى مقاطع فيديو تصور الفوضى المحيطة بهم، حيث قال أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية: “نحتاج إلى أن يعرف العالم أجمع أننا هنا ونحتاج إلى الحماية، أين الإنسانية؟ إن آخر مستشفى قائم في غزة على وشك أن يتم اجتياحه وتدميره”.
قام أحد الأطباء أيضاً بنشر مقطع فيديو قال فيه أنه واحد من 5 أطباء بقوا في المستشفى وأنه سيبقى حتى رحيل الجميع، مضيفاً: “لا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك، لكننا سنكون على أهبة الاستعداد وسنتعامل مع الأمر عندما يأتي، تمنوا لي حظاً سعيداً”.
الحقيقة أن الخروج من المستشفى هو التحدي الأصعب للمرضى، فالعديد من سيارات الإسعاف خارج الخدمة حالياً نتيجة لنقص الوقود، وهي مشكلة أشارت لها سمية الوزاني من منظمة “أطفال لا أرقام” غير الحكومية في المملكة المتحدة قائلة: “إنها مشكلة مستمرة، فلا يمكنك إجراء مكالمة فقط وجعل سيارات الإسعاف تنقل الناس”.
تحدثت الوزاني عن حالة لأحد الأطفال تعاملت معها المنظمة، حيث طلبت أم الطفل نقل ابنها الصغير المصاب بمرض في القلب إلى مستشفى غزة الأوروبي لأنه كان يعاني من نوبات صرع، وقد كانت هذه الأم من بين من نزحوا برفقة ابنها الذي يحتاج إلى رعاية وطفل رضيع وطفلين آخرين، وتم نقلها إلى مستشفى ناصر.
“من الصعب حقاً الحصول على قسط من الراحة، فمن المستحيل خلق أي مظهر من مظاهر رعاية المرضى” سمية الوزاني- منظمة “أطفال لا أرقام”
وكانت هناك عائلات أخرى ترددت في الانتقال إلى مستشفى الأقصى في دير البلح خوفاً من أنه يقع في منطقة خطر ومن المحتمل أن يكون تحت التهديد، تقول الوزاني: “في النهاية، أنت تسأل الآباء: هل تريدون نقل أطفالكم بطريقة أو بأخرى، إلى مستشفى آخر أو تريدون إبقاءهم في منطقة قد تتعرض للقصف دون عدم إدخالهم إلى المستشفى؟! وهي قرارات لا ينبغي لأي والد أن يتخذها على الإطلاق”.
“ضغط هائل”
المشكلة أن كل المستشفيات مثقلة بالفعل، ومن المتوقع أن تضيف موجة النزوح هذه “ضغوطًا هائلة” كما وصفها الطبيب سميث الذي أضاف بالقول: “معظم هذه المستشفيات ليس لديها أي قدرة تقريباً، فهي ممتلئة”.
كان هناك 48 طفلاً مسجلين لدى منظمة “أطفال لا أرقام” ممن نزحوا من المستشفى الأوروبي، وقد كانوا ينتظرون الموافقة على مغادرة غزة لتلقي العلاج الطبي الذي لم يعد متوفراً في القطاع.
منذ أكتوبر الماضي، كان هناك أكثر من 12,000 فلسطيني قد قدموا طلبات إلى إسرائيل ومصر للحصول على إذن بالمغادرة لأسباب طبية، ولكن حتى أواخر مايو، فلم تتم الموافقة إلا 46% فقط من تلك الطلبات بحسب منظمة الصحة العالمية.
كان المستشفى الأوروبي هو أفضل مكان ممكن أن يحصل فيه هؤلاء الأطفال على رعاية حتى تتم الموافقة على مغادرتهم، حيث قال الطبيب سميث: “رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها العاملون في مجال الرعاية الصحية الفلسطينيون في غزة، إلا أنهم عندما يغادرون فسوف يتلقون رعاية أفضل”.
بعد الإخلاء القسري للمستشفى، أكدت الوزاني أن منظمتها سوف تسعى جاهدة للعثور على الخيام أو حليب الأطفال أو نقل العائلات إلى المستشفيات بدلاً من إدارة الحالات الطبية للأطفال، وأضافت قائلة: “من الصعب حقاً الحصول على قسط من الراحة، فمن المستحيل خلق أي مظهر من مظاهر رعاية المرضى”.