بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
صحيح أن النتائج المجردة لا تظهر ذلك، لكن الليلة الماضية لم تكن فوزاً لكير ستارمر، فرغم أننا شهدنا انهيار حزب المحافظين، لكن ذلك لم يكن تأييداً لحزب العمال.
لقد ضمن حزب العمال بلا شك واحدة من أكبر الأغلبيات البرلمانية في التاريخ السياسي البريطاني، ولكنه حصل على حصة بائسة من الأصوات الوطنية.
ومن المرتقب أن يحصل حزب العمال على حوالي 34% من الأصوات وهو ما لا يزيد حتى بنقطتين مئويتين عن ما حققه جيريمي كوربين في عام 2019 وأقل بكثير من نسبة 40% التي حققها كوربين في عام 2017.
بعبارة أخرى، بفضل ثاني أدنى نسبة إقبال على التصويت منذ عام 1885، فإن ما يقرب من 20% من الناخبين البريطانيين يدعمون حزب العمال بقيادة كير ستارمر. ومع ذلك، فإن الأمر سينتهي به للسيطرة على حوالي ثلثي المقاعد البرلمانية.
إن انهيار حصة حزب العمال في التصويت هو النتيجة المباشرة لقرار ستارمر المحسوب بإدارة حملة بلا عاطفة وخالية من المخاطر تهدف إلى تأمين دعم الشركات الكبرى والمؤسسة البريطانية المؤيدة للحرب وصحافة مردوخ.
لقد نجح ستارمر في تحقيق الأهداف الثلاثة، ولكن على حساب أنصار الحزب التقليديين من اليسار وبين الناخبين المسلمين الذين طالما اعتبرهم حزب العمال ناخبين مضمونين، ولكنه في هذه المرة دفع الثمن على نطاق أكبر وأكثر أهمية.
لقد هُزمت نجمة ستارمر الصاعدة ثانجام ديبونير، التي تم ترشيحها لمنصب وزيرة الثقافة في حكومة الظل، في بريستول الغربية على يد كارلا دينير، الزعيمة المشاركة للحزب الأخضر والتي من المؤكد أنها ستكون واحدة من نجوم البرلمان الجديد وقد جاء فوزها مدفوعاً بالاشمئزاز من سياسة حزب العمال بشأن غزة.
كما سقط وزير حكومة الظل وتلميذ ستارمر جوناثان آشوورث في ليستر، بعد أسبوع واحد فقط من استهداف المهاجرين البنغال إلى بريطانيا واعتبارهم نماذج للأشخاص الذين حضروا إلى بريطانيا بشكل غير قانوني والذين يجب إعادتهم فيما بدا كتصريحات مروعة تهدف للفوز بأصوات اليمين المتطرف.
لقد هُزم أشورث أمام المرشح المحلي المؤيد للفلسطينيين شوكت آدم، الذي لم يكن معروفاً من قبل، والذي دعا في خطابه المرموق إلى الوحدة وأعلن أن: “هذا من أجل غزة”، وسوف نسمع الكثير عنه الآن بعد أن أصبح عضواً في البرلمان، سنسمع عنه أكثر من ذلك بكثير.
“هذا من أجل غزة”
وعلى غرار المتمردين المؤيدين لغزة في هذا اليوم، فقد كان آدم سابقاً من أنصار حزب العمال.
وفي مقابلة مع ميدل إيست آي قبل ظهور نتيجة الليلة الماضية، قال أن: “القضية الفلسطينية قريبة جداً من قلب المجتمع، الذي كان برغم ذلك يفتقد صوتاً عالياً وواضحاً ومميزاً”.
وأضاف: “كيف يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي عندما نرى مذبحة تلو الأخرى؟”، وقد أرسل آدم بعد فوزه رسالة بسيطة إلى حزب العمال بقيادة ستارمر قال فيها: “هذا من أجل غزة”.
تحدث آدم نيابة عن عدد لا يحصى من الناخبين المسلمين في جميع أنحاء بريطانيا الذين صُدِموا من دعم ستارمر المبكر لسياسات العقاب الجماعي الإسرائيلية في غزة ورفضه المستمر لدعم وقف إطلاق النار.
والآن، سيشكل هؤلاء المستقلون كتلة في مجلس العموم، كتلة ستشمل إقبال محمد، المهندس المحلي ومستشار تكنولوجيا المعلومات الذي حقق فوزاً كبيراً على حزب العمال بقيادة ستارمر في ديوزبيري وباتلي.
وفي أعقاب النصر التاريخي، أعلن محمد قائلاً: “أعتقد أن السياسة اختطفت من قبل النخبة الفاسدة والأنانية والمؤيدة للحرب والعنصرية التي تستخدمها ضدنا”.
لقد قدم كل من الحزبين الرئيسيين دعمهما الكامل للإبادة الجماعية في فلسطين وهما يواصلان بيع الأسلحة المستخدمة لقتل المدنيين الأبرياء في انتهاك للقانون الدولي”.
وكما يسلط تقرير ميدل إيست آي الضوء على أن إقبال محمد هو عضو سابق آخر في حزب العمال استقال بسبب دعم ستارمر الأعمى لحرب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على غزة.
من المهم التأكيد على أننا لا نتحدث هنا عن تصويت مسلم متجانس، فخالد محمود هو مثال على فقدان نائب مسلم لمقعده بسبب دعمه لستارمر.
إن الحركة المناهضة للحرب تحظى بدعم متزايد يشمل ناخبي حزب العمال التقليديين والطلاب وغيرهم، وهذا هو العكس تماماً للحركة الطائفية القائمة على العرق والدين التي تصورها مؤسسة حزب العمال.
والأمر الأكثر غرابة هو النتيجة في بلاكبيرن، حيث يقال أن حزب العمال كان يزن الأصوات بدلاً من عدها في هذه المدينة الصناعية السابقة الواقعة في شمال غرب البلاد، والتي مثلها نواب حزب العمال لمدة 69 عاماً، بمن فيهم الوزيرة الأسطورية باربرا كاسل ووزير الخارجية السابق جاك سترو.
ضمن مستجدات الليلة الماضية، اكتسح عدنان حسين، وهو ناشط سابق آخر من حزب العمال، النائبة العمالية المحلية كيت هوليرن.
وفي مقابلة مع ميدل إيست آي، قال حسين: “غزة مهمة وهي السبب وراء ترشحي، لكن الفقر قضية ضخمة أيضاً وكذلك الرعاية الصحية”.
ومن الممكن أن تكون الملاحظة الأخيرة سخرية من وزير الصحة العمالي القادم، ويس ستريتنج، الذي نجا هو نفسه بأضيق هامش في إلفورد نورث.
تطور خطير
ينضم كوربين إلى كتيبة المستقلين الذين ينفرون من سياسة ستارمر الخارجية بعدما حقق فوزاً مريحاً على الرغم من كل الصعوبات في إزلنغتون شمال لندن.
مع سقوط المحافظين، يمكن أن يصبح كوربين الزعيم الفعلي للمعارضة
ويبدو أن كوربين سيصبح والد مجلس العموم، وعضو في البرلمان صاحب الفترة الأطول في الخدمة، وهو المنصب الذي يمنحه الأسبقية عند طرح الأسئلة على رئيس الوزراء.
ومما لا شك فيه أنه سيستخدم هذا الامتياز على أكمل وجه، سيما وأن حليفته منذ فترة طويلة، ديان أبوت، ستصبح أم مجلس العموم، وهما معاً سيخلقان المشاكل لحكومة حزب العمال.
وتشير بعض النتائج إلى أن استراتيجية ستارمر الانتخابية، ربما تكون قد ساعدت وشجعت حزب المحافظين حتى أقصى اليمين.
لقد أدى قرار ستارمر الانتقامي بمنع المدافعة عن فلسطين فايزة شاهين من الترشح في تشينغفورد وودفورد غرين إلى منح المقعد لزعيم حزب المحافظين السابق إيان دنكان سميث.
كما مهد قرار ستارمر الاستثنائي والمربك بسحب الدعم عن مرشح حزب العمال في كلاكتون الطريق لانتصار سلس لـ نايغل فاراج، وسوف تُطرح أسئلة حول هذه الاستراتيجية.
ومن المؤكد أن ارتفاع التصويت لحزب الإصلاح قد ألحق ضرراً عميقاً بالمحافظين، لكن التطور الأكثر تهديداً من نتائج الليلة الماضية يتمثل في ارتفاع التصويت لصالح اليمين المتطرف، الذي حشده فاراج.
وبصفته زعيماً لحزب تقدمي مزعوم، كان ينبغي لستارمر أن يكون عازماً على وقف ذلك بأي ثمن، لكنه لم يفعل.
هوة واسعة
يمكن تلخيص نتائج الليلة الماضية في أن حزب المحافظين قد تحطم وقد يتجه نحو السياسة المظلمة لليمين الأوروبي المتطرف.
وتبدو الحجة الانتخابية مغرية لاتباع هذه الاستراتيجية، حيث يبدو أن كلاً من حزب الإصلاح في المملكة المتحدة والمحافظين لديهما حصة تصويت أكبر من حزب العمال، والحجة الأخلاقية مختلفة تماماً.
في تحول جذري، يحتل حزب العمال الآن مكانة يمين الوسط التي احتلها المحافظون ذات يوم
لقد أدى هذا التحول إلى النجاح المذهل للأحزاب الأصغر حجماً مثل الديمقراطيين الليبراليين والخضر والمستقلين، فقد فاز ستارمر بالأغلبية في البرلمان، لكنه لم يحصل إلا على جزء ضئيل من الأصوات الشعبية.
لم تكن الفجوة بين الطبقة السياسية المتغطرسة في وستمنستر وجماهير الشعب البريطاني يوماً أكثر اتساعاً من أي وقت مضى مما هي عليه الآن.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)