كيف استخدمت الأحزاب البريطانية الإسلاموفوبيا كسلاح لجذب الناخبين في الانتخابات الأخيرة؟

بقلم فيصل حنيف

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لو كان لديك أي شك في وجود تسلسل هرمي للعنصرية في بريطانيا، فلا شك أن أحداث الانتخابات الأخيرة قد جعلتك تعيد النظر في ذلك، فردود الفعل التي أبداها الإعلام اليميني المحافظ في البلاد بعد فوز مرشحين مستقلين في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، يؤكدأن العنصرية في تصاعد مستمر.

لقد شملت حملة شيطنة المسلمين البريطانيين، والتي بلغت ذروتها منذ 7 أكتوبر عام 2023، قيام شخصيات في البرلمان مع الصحف والمذيعين الذين يدعمونهم، باتهام الناخبين المسلمين بالانخراط في “الطائفية”، وهذا يعني أنهم يرون الناخبين المسلمين سلالة منفصلة، مما يقدم “لمحة عن مستقبل مرعب” على حد تعبير أحد الكتاب.

مؤخراً، قام مركز المراقبة الإعلامية الذي أعمل به بإعداد ملف من الأدلة على هذا الادعاء مورداً فيه حوالي 25 مثالاً على التغطية الإعلامية خلال الحملة الانتخابية والتي ظهر فيها تأطير واضح للناخبين المسلمين، بعضها هستيري وبعضها الآخر ليس أكثر من مجرد نظرية مؤامرة، ولكن كلها تحمل من الشر الكثير.

هل ستقف (بي بي سي) أو أي وسيلة إعلامية أخرى على الحياد لو قيل تمت شيطنة أي مجموعة دينية أو عرقية أخرى واعتبارها لا تدين بالولاء لبريطانيا؟!

الحقيقة أن حصول حزب الإصلاح، الذي يعتبر يمينياً متطرفاً في سياساته المتعلقة بالهجرة وموقفه من الأقليات، على حصة كبيرة من الأصوات في أجزاء من البلاد يجعل ما حققه حزب العمال بلا معنى تقريباً، خاصة مع تحرك حزب العمال نحو اليمين أصلاً عما كان عليه في عهد جيريمي كوربين.

السؤال هنا، كيف حدث ذلك؟ تقول إحدى النظريات في الإجابة على ذلك أن النظام البيئي الإعلامي الذي يهيمن عليه الناشرون اليمينيون مثل صحيفة التلغراف، والذي تدعمه اليوم قنوات إخبارية يمينية قد ساهم في هذا التحول.

شيطنة المسلمين

مع الوقت، أصبح لجرعة الإسلاموفوبيا المنتظمة والمتاحة على صفحات التلغراف وشاشات القنوات اليمينية جمهورها، ومن الأمثلة التي وجدناها في تقرير مركزنا ما كتبه محرر في صحيفة “ذا صن” عن أن منطقة تاور هامليتس، وهي منطقة  طالما شوهتها وسائل الإعلام اليمينية في لندن، هي “غيتو إسلامي”، وفي صحيفة التابلويد كان قد صرح محرر قبل أسابيع فقط أنه “بموجب كونك ناخباً مسلماً، فسوف تكون معادياً لليهود”، وفي ذلك رسالة بأن الناخبين المسلمين معادون للسامية!

يعد صعود حزب الإصلاح مثالاً آخر على هذا التحول، فمنذ أن حصل زعيم الحزب والنائب الحالي عن مقاطعة كلاكتون، نايجل فاراج، على صوت للتبرير دائماً عبر وسائل الإعلام البريطانية، تمكن من الوصول إلى هدفه من خلال التحدث صراحة تارة والشيطنة والتخويف من المسلمين تارة أخرى.

من أحد الأمثلة على ذلك هو عندما قرر سكان روتشديل انتخاب جورج غالاواي بممارسة حقهم الديمقراطي في التصويت لصالحه، وصف فاراج ذلك بأنه “سياسة طائفية”، وكان خطابه فجاً إلى حد أن مذيع قناة سكاي نيوز، الذي كان يدير الحوار، تريفور فيليبس، تفاجأ وهو الذي وصف المسلمين في السابق بأنهم “أمة داخل أمة”.

أخذ فاراج يكرر ذات الكلام على قناة بي بي سي، مضيفاً كذبة مفادها أن شوارع بأكملها في أولدهام خالية من أي شخص يتحدث الإنجليزية، وبالنسبة للإذاعة الوطنية، فإن مثل هذا الخطاب ضد المسلمين يبرر بأنه مجرد كراهية للإسلام، ولكن ما الذي عليه قوله أو فعله حتى يعتبر رهايباً حقيقياً من الإسلام؟!

هل ستقف (بي بي سي) أو أي وسيلة إعلامية أخرى على الحياد لو قيل تمت شيطنة أي مجموعة دينية أو عرقية أخرى واعتبارها لا تدين بالولاء لبريطانيا؟!

صوت نباح الطائفية

هناك نموذج مثير للاهتمام في بريطانيا عندما يتعلق الأمر بالأعمال العنصرية أو ما يعتبر جرائم كراهية، ففي أواخر الشهر الماضي، كشفت القناة الرابعة الإخبارية عن مؤيدي الإصلاح في المملكة المتحدة قولهم بأنهم يرغبون في طرد جميع المسلمين وتحويل المساجد إلى حانات أو تنفيذ ما أسموه “إصابة الهدف” بإطلاق النار على القوارب الصغيرة التي تجلب المهاجرين “غير الشرعيين” إلى البلاد، وعند إحالة التعليقات إلى شرطة إسيكس، أكدت الشرطة عدم ارتكاب أي جرائم!

إن ثقافة الاستحقاق بين سياسيي حزب العمال باتت واضحة تماماً، فهم يفضلون إلقاء اللوم على المسلمين وليس على عدم كفاءتهم بسبب رفضهم في صناديق الاقتراع، وهذا هو المناخ الذي يعيش فيه المسلمون الآن في بريطانيا والذي سيحكمه حزب العمال المهيمن

على الجانب الآخر، فقد تسببت ثمرات جوز هند مجازية تم رسمها على لافتة أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين في وقوع معلمة مسلمة حامل في مشكلة مع الشرطة والنظام القضائي!

لقد كانت ادعاءات فاراج بمثابة دافع لحزب المحافظين لاتهام كير ستارمر بكونه “قواداً للطائفية”، وذلك بعنوان في الصفحة الأولى من صحيفة ديلي ميل!

رغم نتائج استطلاعات الرأي الواحدة تلو الأخرى والتي تظهر أن معظم الرأي العام البريطاني يريد وقف إطلاق النار في غزة، إلا نباح العنصرية والطائفية حصر القضية في المسلمين حصراً مع ادعاء أن هذه الجماعات لديها ميول انفصالية!

موجة عارمة من الكراهية

فعلياً، لقد قرر الحزبان الرئيسيان في البلاد مواكبة موجة الكراهية العارمة هذه، والتي شهدت وقوف رئيس الوزراء آنذاك ريشي سوناك خارج داونينج ستريت واصفاً نتيجة الانتخابات الفرعية التي أجريت في روتشديل في فبراير 2024 بأنها “تجاوزت حد القلق”، فقد كان الفوز الانتخابي الذي حققه غالاوي، بمثابة إشارة واضحة للمؤسسة إلى وجود رغبة بمرشحين من خارج الأحزاب الرئيسية، وأن الناخبين كانوا على استعداد لاستخدام صناديق الاقتراع لإحداث التغيير.

إضافة إلى ذلك، فقد سهّل ساسة حزب العمال خطاب فاراج وفعلوا كل شيء بدءاً من إلغاء اختيار المرشحين المسلمين مثل فايزة شاهين لإعجابها بالمنشورات المناهضة لإسرائيل على X إلى تمييز البنغاليين الذين دعا ستارمر إلى ترحيلهم.

لقد أصبحت كراهية الإسلام واحدة من الأسلحة التي لوح بها حزب العمال كدليل على أهليته للحكم، فلا أحد يتقن تنفيذ ما يريده الساسة البريطانيون من شيطنة المسلمين علناً مثل وسائل الإعلام البريطانية، ولهذا السبب، كانت شيطنة حزب العمال من خلال شعارات “الإسلام ينظم حزب العمال” و”حزب العمال هو في الأساس حزب إسلامي الآن” و”تذلل نائبة رئيس الوزراء الحالي أنجيلا راينر أمام الناخبين المسلمين”، فتلك عبارات نطق بها رجال الصحف على منصات المناظرة عبر القنوات التلفزيونية!

في مرة، قال قسيس سابق للملكة الراحلة: “الثقافة الإسلامية لا تحب الديمقراطية”، فيما ادعى أحد محرضي قناة جي بي نيوز أن المسلمين الذين يريدون معاشات تقاعدية متوافقة مع الشريعة الإسلامية لحماية مستقبلهم هم “على بعد خطوة واحدة من سن قوانين التجديف”.

ولا تتباطأ الصحف المحلية أبداً من اتباع خطى كبار الشخصيات في شارع فليت ستريت، حين قررت صحيفتان تقريع المسلمين من خلال طباعة رسائل تصور المسلمين على أنهم متطرفون ومعادون لبريطانيا.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمع انقشاع الغبار وبدء عمل الحكومة الجديدة، قامت وسائل الإعلام الرئيسية بتغطية الخاسرين في حزب العمال وأولئك الذين كانوا على وشك فقدان مقاعدهم مع تفويض مطلق من الحكومة باستخدام العرق والجنس والعلمانية كأسلحة لصياغة الخطاب وتأكيد ادعاء التصويت الطائفي.

إن ثقافة الاستحقاق بين سياسيي حزب العمال باتت واضحة تماماً، فهم يفضلون إلقاء اللوم على المسلمين وليس على عدم كفاءتهم بسبب رفضهم في صناديق الاقتراع، وهذا هو المناخ الذي يعيش فيه المسلمون الآن في بريطانيا والذي سيحكمه حزب العمال المهيمن.

يجب أن تكون قصة سوناك التي تعرض لها في أسبوعه الأخير، حين  وصفه أحد دعاة الإصلاح في المملكة المتحدة بأنه “باكستاني لعين”، درساً لأولئك الذين يغازلون التعصب ضد المسلمين لتحقيق مكاسب انتخابية، فقد جاءت الإهانة من أحد مناهضي الهجرة والمسلمين وفلسطين، رغم استمرار حزب المحافظين بقيادة سوناك في مواكبة ذلك النفس القومي التعصبي، بل وهي سمة من سمات حكم المحافظين المستمر منذ 14 عاماً، ولذلك على ستارمر تعلم الدرس.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة