ادعى ستيوارت بولاك أحد كبار رجال الضغط السياسي، والذي قاد جمعية أصدقاء إسرائيل المحافظين في المملكة المتحدة (CFI) لمدة 25 عاماً أنه تلقى آلاف الجنيهات من الأموال العامة لعمله البرلماني.
وسبق لبولاك أن وصف تعيينه في مجلس اللوردات البريطاني بأنه “فرصة تأتي مرة واحدة في العمر” للدفاع عن إسرائيل.
ووفقاً لتحليل نفقات أجراه موقع ميدل إيست آي و Declassified UK، فقد تلقى بولاك، نحو 250 ألف جنيه إسترليني (323015 دولاراً أمريكياً) منذ تعيينه نبيلًا في العام 2015 من قبل رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون.
ولا يتلقى اللوردات راتباً شهرياً محدداً، لكن كان يمكنهم، حتى نيسان/أبريل 2024، المطالبة ببدل حضور يومي غير خاضع للضريبة بقيمة 342 جنيهاً إسترلينياً ارتفعت إلى 361 جنيهاً إسترلينياً يومياً بعد ذلك التاريخ.
ورغم أن الأموال التي تلقاها بولاك خلال وجوده في البرلمان كانت مشروعة، إلا أن حقه في الاستفادة من المال العام مع استمراره في الدفاع عن الاحتلال أصبح موضع تساؤل في وقت يواجه فيه قادة الاحتلال اتهامات بارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في غزة حيث قتلوا أكثر من 38 ألف فلسطيني.
وخلال هذا الأسبوع، أثار آلان دنكان، وزير الخارجية السابق، مخاوف بشأن علاقة CFI بحزب المحافظين، معلناً أنه تمت تبرئته من تهمة معاداة السامية من قبل لجنة تأديبية تابعة للحزب، ومشيراً إلى أنه تعرض للاستهداف من قبل “حملة شعواء”.
وجاءت القضية ضد دنكان بعد مقابلة مع إذاعة إل بي سي في نيسان/أبريل الماضي، قال فيها إن CFI “تنفذ أوامر” رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
كما وجه دنكان أصابع الاتهام لبولاك “بممارسة مصالح دولة أخرى، وليس مصالح البرلمان الذي يجلس فيه” ودعا إلى إقالته من مجلس اللوردات.
في بيان شديد اللهجة يوم الثلاثاء، زعم دنكان أن هناك علاقة غير لائقة بين CFI ورأس هرم حزب المحافظين، وحث الحزب على “النأي بنفسه” عن مجموعة الضغط.
وقد رفض متحدث باسم حزب المحافظين مزاعم دنكان حول الروابط بين الحزب وCFI ووصفها بأنها “كاذبة ولا أساس لها من الصحة على الإطلاق”.
الدفاع عن الاحتلال
وفي عام 2015، تنحى بولاك عن رئاسة الـ CFI ليتولى منصبه في مجلس اللوردات غير المنتخب في البرلمان البريطاني كعضو عن حزب المحافظين.
ومع ذلك، فقد بقي بولاك الرئيس الفخري لمجموعة الضغط والمدير المسجل ولا يزال يُعتبر أحد أهم الأصوات المؤيدة للاحتلال في وستمنستر.
ومن بين الأسئلة الأربعين التي طرحها منذ أن أصبح عضواً في مجلس اللوردات، لم تكن سبعة أسئلة فقط مرتبطة بفلسطين أو الاحتلال أو الشرق الأوسط.
لقد أجرى بولاك بالفعل ثلاث رحلات إلى دولة الاحتلال في الربع الأول من هذا العام.
ووصفت CFI الرحلة الأولى، في كانون الثاني/يناير، بأنها “زيارة تضامن خاصة” من قبل البرلمانيين المحافظين وتضمنت اجتماعاً مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.
وتم تمويل الرحلة من قبل شبكة القيادة الأوروبية (Elnet)، وهي منظمة تم إنشاؤها “لمكافحة الانتقادات واسعة النطاق لإسرائيل”.
ووصفت صحيفة “إلنت” قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بأنها “ذات دوافع سياسية وواهية من الناحية القانونية”.
وفي شباط/فبراير، انضم بولاك إلى وفد من مرشحي البرلمان المحافظين لزيارة الدولة العبرية.
ثم أصبح بعد شهر واحد عضواً في وفد من مجلس اللوردات التقى “سياسيين إسرائيليين وزعماء دينيين والمجتمع المدني الفلسطيني والسفير البريطاني في إسرائيل”.
كان بولاك صريحاً بشأن تصميمه على استخدام مكانه في مجلس اللوردات لمواصلة الدفاع عن الاحتلال.
وعند تعيينه في المجلس، قال: “لقد أعطاني رئيس الوزراء فرصة تأتي مرة واحدة في العمر لدخول مجلس اللوردات، وهو ما سيمكنني من الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل”.
في مقابلة أجريت معه في عام 2022، قال بولاك أن كاميرون حثه على الاستمرار في “الدفاع عن إسرائيل”.
وأضاف بولاك: “عندما دعاني ديفيد كاميرون للذهاب إلى مجلس اللوردات قال لي أتمنى أن تستمر في الدفاع عن إسرائيل، كانت هذه كلماته، الدفاع عن إسرائيل في مجلس اللوردات”.
وعلق جوناثان بورسيل، كبير مسؤولي الشؤون العامة في المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين على مواقف بولاك بالقول: “لقد قال اللورد بولاك مراراً وتكراراً إنه لشرف عظيم أن أتحدث باسم إسرائيل في مجلس اللوردات، ولكن واجبات السياسيين بسيطة، يجب على أعضاء البرلمان أن يخدموا ناخبيهم، ويجب على نظرائهم أن يخدموا البلاد بشكل عام، يجب أن يكون هذا هو محور اهتمام أي سياسي وكل السياسيين”.
لفت بولاك انتباه الرأي العام لفترة وجيزة في عام 2017 بعد تنظيمه اجتماعات خاصة بين وزيرة التنمية آنذاك، بريتي باتيل، وكبار المسؤولين الإسرائيليين.
واضطرت باتيل جراء ذلك إلى الاستقالة من مجلس الوزراء، لكن بولاك أفلت من الفضيحة دون أي تدقيق تقريباً واستمر في التمتع بالوصول إلى كبار السياسيين المحافظين.
وفي كانون الثاني/يناير، جلس بولاك بجانب رئيس الوزراء آنذاك ريشي سوناك في غداء العمل السنوي لـ CFI، والذي حضره “200 برلماني محافظ، و20 عضواً في مجلس الوزراء وأربعة رؤساء وزراء سابقين في المملكة المتحدة”.
ويوم الأربعاء، أفادت تقارير واسعة النطاق أن باتيل تخطط للترشح لتحل محل سوناك في رئاسة حزب المحافظين بعد هزيمة الحزب في الانتخابات العامة أمام حزب العمال في وقت سابق من هذا الشهر، والتي تركته مع 121 نائباً فقط في البرلمان.
كما يملك العديد من المتنافسين المحتملين الآخرين على قيادة المحافظين روابط مع CFI.
وقد دفعت المجموعة تكاليف زيارة روبرت جينريك وجيمس كليفرلي إلى إسرائيل، في حين قالت كيمي بادينوخ إنها كانت “فخورة حقًا بكونها من مؤيدي CFI” عندما تحدثت في حفل الاستقبال البرلماني “الأسطوري” العام الماضي.
وقال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني (كابو)، إنه في حين يحق لبولاك المطالبة بالبدل اليومي لعضوية مجلس اللوردات، إلا أن هناك أسئلة يجب طرحها حول سبب تعيينه عضواً في المجلس من الأساس.
كما دعا إلى مزيد من التدقيق في تدخلات بولاك في مجلس اللوردات، مستشهداً بانتقاده لسياسة الحكومة البريطانية السابقة بعدم التعامل مع وزير الأمن اليميني المتطرف في إسرائيل، إيتامار بن غفير في آذار/مارس.
وقال دويل عن بولاك: “إنه يذهب إلى هناك بنظرة ضيقة الأفق للغاية ومثيرة للاستقطاب وغير مفيدة”.
وأضاف: “في حين أنه يحق له التعبير عن آرائه، فإن السجل سيظهر أنه مستعد للدفاع عن الآراء لتي أعتقد أن على ساستنا أن يبتعدوا عنها”.
رحلات إلى المغرب والبحرين
وبصفته عضواً في مجموعة برلمانية مؤيدة لاتفاقيات إبراهيم، استخدم بولاك منصبه لتعزيز العلاقات الوثيقة بين المملكة المتحدة والدول العربية التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.
وفي العام الماضي، كان بولاك من بين مجموعة من النبلاء الذين زاروا مدينة العيون في الصحراء الغربية خلال رحلة إلى المغرب والإقليم المتنازع عليه كضيوف للحكومة المغربية.
لا تعترف حكومة المملكة المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية وتعتبر وضعها “غير محدد”، ومع ذلك، فقد نُقل عن بولاك قوله أن قرار إسرائيل بالاعتراف بمطالبة المغرب بالمنطقة كان “الشيء الصحيح الذي يجب فعله” وتعهد بتشجيع حكومة المملكة المتحدة على القيام بنفس الشيء.
وعزز بولاك علاقات وثيقة مع البحرين، حيث التقى بولي العهد في معرض ويندسور الملكي للخيول في أيار/مايو إلى جانب رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.
وبين عامي 2022 و 2023، زار بولاك البحرين ثلاث مرات كضيف على الدولة الخليجية، وفقًا لسجل المصالح بمجلس اللوردات، وزارها مرة رابعة في شباط/فبراير 2024، وفقاً لوزارة الخارجية البحرينية.
ويعني نظام نفقات مجلس اللوردات فعلياً أن دافعي الضرائب في المملكة المتحدة يدعمون أنشطة الضغط التي يقوم بها بولاك.
إذ يُظهر تحليل السجلات الرسمية، المنشورة حتى كانون الأول/ديسمبر 2023، أن بولاك ادعى أنه حصل على 235 ألف جنيه إسترليني (304 آلاف دولار) من البدلات اليومية منذ أن أصبح من النبلاء.
وعندما يتم إصدار السجلات لهذا العام، فمن المرجح أن يكون الإجمالي أقرب إلى 250 ألف جنيه إسترليني، بناءً على المطالبات التي قدمها بولاك في السنوات السابقة لوقته البرلماني.
ويبدو أن السجلات المالية تشير إلى أن بولاك أصبح أكثر نشاطاً في البرلمان خلال فترات حملة CFI، بما في ذلك سياسات المجموعة الرائدة لحظر حماس بالكامل وحزب الله اللبناني.
وفي حين تم حظر الجناح العسكري لحماس في المملكة المتحدة منذ عام 2001، امتنعت حكومتا حزب العمال والمحافظين عن حظر الجناح السياسي للحركة الفلسطينية لإدراكهما أن الحظر قد يعقد الدور السياسي الهام للملكة المتحدة في التعامل مع الحياة المدنية في غزة.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أعلنت باتيل، التي كانت تشغل آنذاك منصب وزيرة الداخلية في عهد بوريس جونسون، عن نية الحكومة حظر حماس بالكامل، وقد تم تمرير الحظر بعد خمسة أيام فقط دون تصويت برلماني.
وتزامن الإعلان عن حظر حماس مع أحد أكثر أشهر بولاك انشغالًا في وستمنستر، فخلال تلك الفترة، حضر بولاك إلى البرلمان لمدة 14 يوماً وطالب بمخصص قدره 4522 جنيهاً إسترلينياً من الأموال العامة.
وصوّت بولاك لمدة أربعة أيام خلال ذلك الشهر وتحدث في مجلس اللوردات في ثلاث مناسبات، بما في ذلك خطاب مدته ست دقائق ألقاه في اليوم التالي لحظر حماس ودعا فيه إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين بسبب اضطهاد الصين للأويغور.
وفي شباط/فبراير 2019، قدم بولاك مطالبة مماثلة بالنفقات عندما أعلن وزير الداخلية آنذاك ساجد جاويد، وهو سياسي محافظ كبير آخر التقى بولاك أثناء إجازته في إسرائيل، قرار حظر حزب الله.
ونوقش قرار حظر حزب الله في مجلس اللوردات في ذلك الشهر، ووصفه بولاك بأنه “الحظر الصحيح والمتأخر منذ فترة طويلة”، وقد مر القرار دون تصويت.
وطالب بولاك بمخصص قدره 4575 جنيهاً إسترلينياً لمدة 15 يوماً في البرلمان في ذلك الشهر.