بقلم لبنى مصاروة و بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
مرت سبعة وخمسون سنة منذ اجتاحت قوات الاحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية خلال حرب الأيام الستة عام 1967.
بقيت هذه المناطق منذ ذلك الحين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وهو احتلال وحشي بكل تأكيد، ولكنه احتلال قانوني، وفقاً لنص القانون الدولي، الذي يحدد الواجبات والمسؤوليات التي يتعين على القوة المحتلة أن تمارسها في الأراضي الخاضعة لسيطرتها أثناء الصراع المسلح.
ومن المؤكد أن العديد من الإجراءات التي اتخذتها حكومة الاحتلال، وفي مقدمتها نقل 700 ألف مستوطن إلى الأراضي المحتلة، تعتبر على نطاق واسع بمثابة تحد مباشر للقانون الدولي.
ولكن الرأي الاستشاري المهم الصادر يوم الجمعة عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلى محكمة في الأمم المتحدة، يغير هذا الوضع تماماً.
فقد وجدت المحكمة أن الاحتلال بأكمله غير قانوني وأن سياسة الاستيطان الإسرائيلية تنتهك اتفاقية جنيف، التي تنص على أن “القوة المحتلة لا يجوز لها ترحيل أو نقل أجزاء من مواطنيها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”.
كما وجدت أن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ترقى إلى ضم أجزاء كبيرة من هذه الأراضي، وأن إسرائيل تميز بشكل منهجي ضد الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
وقد وجدت المحكمة أيضاً أن ممارسات إسرائيل وسياساتها تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ولم يتردد رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام في القول: “إن الإساءة المستمرة من جانب إسرائيل لموقفها كقوة احتلال من خلال الضم وتأكيد السيطرة الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة والإحباط المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي ويجعل وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني”.
ومن الآن فصاعداً، لم يعد سلوك إسرائيل الاحتلالي هو ما ينبغي اعتباره غير قانوني فقط، بل أصبح الأمر ينطبق على الاحتلال نفسه في رأي قضاة محكمة العدل الدولية.
يجب أن يكون مفهوماً أن قضية محكمة العدل الدولية هذه منفصلة تماماً عن الإجراءات الأخرى الجارية في المحكمة بشأن إسرائيل، أي عن شكوى جنوب إفريقيا من أن دولة الاحتلال ترتكب إبادة جماعية في غزة، وهي التهمة التي قضت المحكمة بالفعل بأنها “معقولة”.
جاء رأي المحكمة الصادر يوم الجمعة استجابة لطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد تم تقديمه في كانون الأول/ديسمبر 2022 ودعمته 87 دولة على الرغم من معارضة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإسرائيل وغيرها من الدول.
وقد استوضحت الجمعية العامة للأمم المتحدة المحكمة عما إذا كان ينبغي اعتبار الاحتلال العسكري الإسرائيلي مؤقتًا (وبالتالي قانونياً) في ضوء حقيقة أنه استمر لأكثر من نصف قرن.
طلبت المذكرات المقدمة إلى جلسة المحكمة من محكمة العدل الدولية أن تأخذ في الاعتبار التوسع الهائل للمستوطنات بالإضافة إلى العديد من التصريحات التي أدلى بها سياسيون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي استبعدت بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية بينما وصفت الضفة الغربية بأنها جزء من إسرائيل الكبرى.
وأخيراً وافقت المحكمة وتوصلت إلى الرأي بأن إسرائيل تدير احتلالاً دائماً في الضفة الغربية سيما وأن دولة الاحتلال اعترفت بضمها.
عواقب وخيمة
يجب التأكيد على أن محكمة العدل الدولية لم تصدر شيئاً أقوى من رأي غير ملزم لا يفرض في حد ذاته أي التزام على إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية.
لكن العواقب المترتبة على ذلك عميقة، فعلى مدى عقود من الزمن، أساءت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استخدام الشرعية الفنية للاحتلال لتوسيع قبضة الاحتلال، وسرقة الأراضي من الفلسطينيين، وبناء المستوطنات غير القانونية للمواطنين الإسرائيليين.
وبحسب مذكرة يائسة قدمها رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني، إلى المحكمة في شباط/فبراير الماضي، فإن إسرائيل “منذ اليوم الأول لاحتلالها، بدأت في استعمار الأرض وضمها بهدف جعل احتلالها لا رجعة فيه، لقد تركتنا مع مجموعة من البانتوستانات المنفصلة”.
وبالتالي فإن حكم محكمة العدل الدولية اليوم مهم لأنه يزيل الغموض القانوني والحيل البيروقراطية الذكية التي مكنت الاحتلال الإسرائيلي.
وقد جاء هذا الحكم في الوقت الذي مضت فيه إسرائيل خلال حربها على غزة قدماً في استكمال ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، متخلية عن التظاهر بأن المنطقة تحت احتلال عسكري مؤقت.
وقد حظيت هذه السياسة بتأييد قوي في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس عندما صوت البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على رفض الدولة الفلسطينية بشكل قاطع.
“إن تصويت الكنيست ضد قيام دولة فلسطينية بالغ الأهمية، فإلى جانب تدمير فكرة قيام الدولة الفلسطينية دمر التصويت ما يسمى “حل الدولتين”
وبأغلبية 68 صوتاً لصالح القرار، وتسعة فقط ضده، حظي القرار بدعم حزب الليكود بزعامة نتنياهو، فضلاً عن حلفائه في الائتلاف اليميني المتطرف، حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش وحزب القوة اليهودية بزعامة إيتامار بن غفير.
لكن القرار حظي أيضًا بدعم بيني غانتس، زعيم حزب الوحدة الوطنية الوسطي المفترض، والرجل الذي غالباً ما يصفه صناع السياسات الغربيون بأنه ذو نفوذ معتدل داخل السياسة الإسرائيلية.
وجنباً إلى جنب مع تدمير فكرة الدولة الفلسطينية، يأتي القضاء على ما يسمى “حل الدولتين”، الصيغة المبتذلة التي لا يزال العديد من الساسة الغربيين يحبونها حتى مع أن الواقع على الأرض جعلها غير قابلة للتطبيق بشكل متزايد.
من الآن فصاعداً، لن يكون هناك أي جدال حول أن إسرائيل قد بدأت في السير على طريق نحو هدف كانت قد حجبته أو أنكرته لمدة نصف قرن منذ عام 1967، وهو حل الدولة الواحدة.
وبطبيعة الحال، يمكن للمرء أن يتخيل مثل هذه النتيجة في حل الدولة الواحدة بمعنى دولة واحدة مفتوحة لجميع مواطنيها مع حقوق وحريات متساوية للجميع.
لكن القيادة السياسية الحالية في إسرائيل لا تخطط لذلك، بل تريد دولة عرقية يهودية يُحرم فيها الفلسطينيون من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
هناك كلمة تصف هذا الواقع وهي الفصل العنصري، وقد أطلقت منظمات حقوق الإنسان، بما فيها منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية، ومنظمة الحق في الضفة الغربية، هذا المصطلح بالفعل على إسرائيل.
لكن الزعماء الغربيين رفضوا أن يحذوا حذو هذه المنظمات، ومن الصعب أن نرى كيف يمكنهم تجنب مواجهة هذا الواقع في ضوء رأي محكمة العدل الدولية وتصويت الكنيست.
وفي حالة جنوب أفريقيا، أدت الإدانة الدولية إلى فرض عقوبات وقيود على السفر تركت البلاد معزولة، وأدت في نهاية المطاف إلى إطلاق سراح نيلسون مانديلا ونهاية نظام الفصل العنصري.
ولهذا السبب فإن رأي محكمة العدل الدولية هذا يخلق مشكلة هائلة بالنسبة للزعماء الغربيين الذين يدعمون إسرائيل.
كما أن رأي المحكمة يضع هؤلاء القادة في مواجهك الأسئلة حول دعمهم لإسرائيل في وقت رفض فيه برلمانها وجود دولة فلسطينية بأي شروط، واتهمته أعلى محكمة في العالم بالضم غير القانوني للضفة الغربية.
إن هذا القرار يجعل الحكومات في لندن وواشنطن، على وجه الخصوص، عُرضة لمزيد من التحديات فيما يتصل بشرعية وأخلاقية الاستمرار في إمداد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها يومياً لقتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ومن خلال أفعالها، كشفت حكومة إسرائيل، والآن برلمانها، تحديها العلني للنظام الدولي القائم على القواعد، وجاء رأي محكمة العدل الدولية لكي لا يترك للقادة الغربيين أي عذر للتشكيك في هذه الحقيقة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)