يعد نادي الصلاح في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة أحد المنشآت الرياضية القليلة المتبقية في غزة، حيث يقول مدرب كرة القدم في النادي، صبحي مبروك أن “النادي أصبح الآن ملاذاً يأتي النازحون للاحتماء به، وقد فكرنا في استئناف الأنشطة الرياضية، لكننا لم نتمكن من ذلك، فهذا غير ممكن بسبب الحرب”.
كان نادي حاضنة لمختلف الألعاب الرياضية، بما في ذلك الجودو والكاراتيه وكرة اليد والمصارعة، لكن كل ذلك تغير عندما بدأ الهجوم الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، حيث قتلت القنابل الإسرائيلية العديد من نجوم النادي الموهوبين، فيما تهالكت أجساد من بقي منهم على قيد الحياة.
تعليقاً على انطلاق الألعاب الأولمبية في باريس، قال مدرب النادي صبحي مبروك، وهو نجم كرة قدم سابق: “سنرى الرياضيين الأولمبيين الفلسطينيين الأسبوع المقبل، آمل أن نتمكن من رؤية انتصاراتهم والاحتفال بها” وذلك في إشارة إلى 8 رياضيين سوف يمثلون فلسطين، وأضاف: “لكن لسوء الحظ، لا يحصل الجميع على الفرصة، نحن محتلون ومهمشون، وهذه هي حقيقة الحياة في غزة التي لا يمكن إنكارها”.
إسرائيل تنتهك هدنة الأولمبياد التاريخية
بحسب اللجنة الأولمبية الفلسطينية، فقد قتلت القوات الإسرائيلية نحو 400 رياضي فلسطيني خلال الأشهر العشرة الماضية، وبناء على ذلك كتب الاتحاد الفلسطيني إلى اللجنة الأولمبية الدولية مطالباً بمنع إسرائيل من المشاركة في الألعاب بسبب حربها على غزة، وهو جهد يُضاف إلى الجهود التي يبذلها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لطرد إسرائيل من الفيفا أيضاً.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، قال نائب الأمين العام للجنة الأولمبية الفلسطينية، نادر الجيوشي: “لقد قدمنا جميع الأدلة إلى اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا لحظر الرياضيين الإسرائيليين”، حيث تضمنت الأدلة تفاصيل حول خرق إسرائيل للهدنة الأولمبية التاريخية.
تدعو الهدنة الأولمبية، التي يعود تاريخها إلى اليونان القديمة في القرن 8 قبل الميلاد، إلى وقف القتال قبل الألعاب، وبذلك تكون إسرائيل قد انتهكت القانون الدولي والنظام الأساسي للجنة الأولمبية الدولية والفيفا، بحسب الجيوشي الذي أشار أيضاً إلى أمثلة لرياضيين إسرائيليين سوف يتنافسون في الألعاب الأولمبية هذا العام، إما بعد أن خدموا في الجيش الإسرائيلي أو أعربوا عن دعمهم العلني له.
أكد الجيوشي أنه “رغم كل الأدلة المقدمة إلى كلتا اللجنتين، إلا أننا لم نتلق أي رد إيجابي، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”.
لقد كررت اللجنة الأولمبية الدولية هذا الأسبوع رفضها للدعوات المطالبة بتعليق نشاط إسرائيل، كما اتُهمت بازدواجية المعايير بعد منع روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في الألعاب بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث لا يمكن للرياضيين لا الروس ولا البيلاروسيين المشاركة إلا بصفتهم محايدين دون عزف الأعلام أو الأناشيد.
“لقد خسرت أحلامي وزملائي في الفريق وكل شيء”
منذ أول أيام الحرب، بدأ قتل إسرائيل للرياضيين الفلسطينيين، وذلك عندما قُتل لاعب كرة القدم، نذير النشناش، بصاروخ إسرائيلي في شمال غزة، وفي نوفمبر، قُتل إبراهيم قصية وحسن زعيتر، وهما عضوان في الفريق الوطني الفلسطيني للكرة الطائرة، في غارة جوية إسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين، لحقهما بلال أبو سمعان، مدرب المنتخب الوطني لألعاب القوى، بعد شهر في غارة جوية إسرائيلية.
“رياضيينا متحمسون للغاية ومصممون على بذل قصارى جهدهم في الأولمبياد والتغلب على جميع الصعوبات، لأن لدينا رسالة ننقلها وهوية يجب الحفاظ عليها” نادر الجيوشي- نائب الأمين العام للجنة الأولمبية الفلسطينية
أما محمد بركات، الذي كان يلعب مع المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم، فقد قُتل في غارة جوية إسرائيلية في جنوب غزة في مارس الماضي، وكان يعرف محلياً باسم “أسطورة خان يونس”، فيما توفي عداء المسافات الطويلة، ماجد أبو مراحل، أول لاعب أولمبي وحامل العلم الفلسطيني خلال دورة الألعاب الأولمبية عام 1996 في أتلانتا، في يونيو الماضي بسبب فشل كلوي بعد انقطاع التيار الكهربائي والنقص الطبي الناجم عن الحرب والحصار الإسرائيلي.
وبالنسبة لناجي النحال، أحد أفضل لاعبي كرة القدم وأكثرهم حصولاً على الميداليات، فقد كانت الأشهر القليلة الماضية عبارة عن وقوف في طوابير للحصول على الماء والطعام فهو لم يركل الكرة منذ 7 أكتوبر.
وقد عبر عن ذلك بأسف في مقابلته مع ميدل إيست آي بقوله: “لقد فقدت شغفي وأحلامي وزملائي ومنزلي وكل شيء، وهذه هي قصة الآلاف من اللاعبين، فقد أتيحت لي العديد من الفرص في الخارج للعب وإحياء مسيرتي، ولكن لم أتمكن حتى من دفع رسوم التنسيق”.
كما وصف النحال مواقف الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية بشأن الحرب بأنها “مشينة”، مؤكداً أن “إسرائيل دمرت كل ما يتعلق بالرياضة في غزة بما في ذلك الأندية والملاعب، ويبدو مستقبل الرياضة في غزة مجهولاً، فنحن نحتاج إلى أكثر من 10 سنوات لاستئناف الأنشطة الرياضية في القطاع”.
تجدر الإشارة إلى أنه تم تدمير ما لا يقل عن 31 منشأة وملعباً رياضياً في غزة، بما فيها ملاعب اليرموك وفلسطين ومحمد الدرة وبيت حانون والتفاح والشجاعية والشاطي وبيت لاهيا ورفح ودير البلح والنصيرات وخان يونس، وفي ديسمبر الماضي، استخدمت القوات الإسرائيلية ملعب اليرموك في مدينة غزة لاحتجاز الفلسطينيين وتعذيبهم.
“لن نستسلم”
أكد الجيوشي أنه برغم كل ما حصل فإن “رياضيينا متحمسون للغاية ومصممون على بذل قصارى جهدهم في الأولمبياد والتغلب على جميع الصعوبات، لأن لدينا رسالة ننقلها وهوية يجب الحفاظ عليها”.
ويتنافس الرياضيون الفلسطينيون الثمانية المشاركون في الأيام المقبلة في منافسات التايكوندو وألعاب القوى والسباحة والملاكمة والجودو والرماية على السكيت.
أما لاعب كرة القدم النحال فقد عبر عن رغبته في مشاهدة اللاعبين في الأولمبياد، إلا أن “الظروف لا تساعدنا” على حد وصفه، فيما أكد الجيوشي على أن فلسطين ستصمد مهما كانت الآلام والمظالم: “في النهاية، لن نستسلم، وسوف نستمر رغم كل الجراح التي في قلوبنا، فنحن نستحق الحياة والمستقبل الجيد مثل أي إنسان آخر في جميع أنحاء العالم”.