بقلم عبد أبو شحادة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يعتقد الكثيرون في العالم الغربي أن إسرائيل كانت دولة ديمقراطية وشرعية منذ عام 1948 حتى عام 1967، وأن انتهاكاتها لم تبدأ إلا باحتلال الضفة الغربية وغزة.
يتجاهل هذا المنظور الفظائع التي ارتكبت أثناء النكبة وفي أعقابها مباشرة، عندما مُنع اللاجئون الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم رغم قرار الأمم المتحدة رقم 194، كما أن المواطنين الفلسطينيين، الذين يشكلون 20% من سكان إسرائيل، كانوا يعيشون تحت الحكم العسكري حتى عام 1967.
لقد سمح عقدان زمنيان من القمع العسكري ضد المدنيين الفلسطينيين في إسرائيل بتطوير أساليب المراقبة والسيطرة التي تم تطبيقها لاحقاً على الاحتلال العسكري للضفة الغربية، وحتى بعد انتهاء فترة الحكم العسكري المباشر، واصلت أجهزة الأمن الإسرائيلية مراقبة حياة المواطنين الفلسطينيين والتدخل فيها، مستهدفة في كثير من الأحيان الشخصيات السياسية وقادة المجتمع والمعلمين.
وبعد أقل من عقد من انتهاء الحكم العسكري، قام المواطنون الفلسطينيون بمواجهة دولة إسرائيل وذلك حول قضية مصادرة 2000 هكتار من الأراضي، في حادثة أدت إلى مقتل 6 مواطنين فلسطينيين على يد قوات الأمن الإسرائيلية آنذاك، وبعد عقود من ذلك خلال الانتفاضة الثانية عام 2000، قتلت القوات الإسرائيلية 13 فلسطينياً.
لقد سلطت هذه الأحداث الضوء على الهوية السياسية للمواطنين الفلسطينيين، الذين تفضل الدولة تسميتهم بـ “عرب إسرائيل”، بينما تم تعريف جميع الأحزاب العربية التي تم انتخابها لعضوية الكنيست على أنها فلسطينية، في حين فشل أي حزب حاول تبني الهوية “العربية الإسرائيلية” في اجتياز العتبة الانتخابية.
لقد حاولت الأحزاب من مختلف ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي اتباع استراتيجيات مختلفة لمعالجة مسألة الهوية، خاصة بعد أن تناول تلك القضية تقرير لجنة أور الذي تطرق إلى العلاقة الإشكالية بين المواطنين الفلسطينيين والدولة.
جذور قانونية
في الوقت الذي كان فيه اليسار الصهيوني يعتقد تاريخياً أن استثمارات الميزانية يمكن أن تكون سبباً في دمج المواطنين الفلسطينيين، كانت القوى اليمينية، وخاصة بعد صعود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2009، قد بدأت في سن قوانين للحد من الوضع المدني للمواطنين الفلسطينيين.
تمتد سلسلة القوانين هذه من قانون النكبة، الذي يمكّن وزير المالية الإسرائيلي من خفض ميزانية أي هيئة تمولها الدولة والتي تقوض الهوية اليهودية للدولة مثل إحياء يوم النكبة، إلى قانون لجان القبول لعام 2011، الذي يسمح لمجتمعات معينة ترفض السكان العرب الجدد بالعمل بفاعلية.
قد لا تكون هناك نقاط تفتيش عند مداخل كل مجتمع فلسطيني في إسرائيل، كما في الضفة الغربية المحتلة، إلا أن الجمهور الإسرائيلي المعبأ مستعد اليوم لمراقبة جيرانه الفلسطينيين والإبلاغ عنهم أكثر من أي وقت مضى، في حين تستمر الدولة في انتهاك حقوقهم الأساسية، وقد نكون فعلاً على حافة النظام العسكري من جديد!
في عام 2014، كان الهدف من زيادة العتبة الانتخابية هو عرقلة الأحزاب العربية ولكن الأمر أدى إلى توحيدها فيما عرف بالقائمة المشتركة، وفي عام 2017، منح قانون كامينيتس الحكومة صلاحيات إضافية لهدم المنازل كسياسة تستهدف بشكل رئيسي المجتمع العربي.
في العام التالي، حرم قانون الدولة القومية حق تقرير المصير لأي مجموعة باستثناء اليهود، ومنذ 7 أكتوبر وبدء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، تكثفت هذه الحملة بهدف تقليص وضع المواطنين الفلسطينيين أكثر فأكثر، حيث واجه الفلسطينيون المعارضون للحرب الاعتقالات والحرمان من حقوقهم، في حين اقترح السياسيون قوانين لإعادة تحديد وضع الفلسطينيين في إسرائيل من جديد.
شملت هذه المقترحات اعتقال أي شخص ينشر أو يمتلك فيديوهات لجماعات المقاومة وطرد أي شخص متهم بالإرهاب وطرد الطلاب المتهمين بالإرهاب.
علاوة على ذلك، فإن قانون الطوارئ يسمح للحكومة إغلاق القنوات الإعلامية التي تعتبرها تهديداً أمنياً، منها التشريع الذي تم إقراره مؤخراً والذي يسمح للدولة بسحب الجنسية بسبب “التحريض”، حيث خضع لقراءة أولى رغم عدم تعريف المصطلح بشكل واضح، وكأنه يؤكد أن التحريض ضد الفلسطينيين مسموح به علناً في إسرائيل!
من جانب آخر، فقد تزايدت الدعوات لإشراك الشاباك في معالجة الجريمة في الأحياء الفلسطينية، حيث انتقد وزير المالية بتسلئيل سموتريش مؤخراً وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لفشله في اتخاذ إجراءات صارمة ضد انتشار الأسلحة غير القانونية في المجتمع العربي، ليس لأنها تعرض السلامة العامة في الأحياء العربية للخطر، ولكن لأنها يمكن أن تستخدم ضد إسرائيل.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو كيف ينظر الفلسطينيون في إسرائيل إلى هذه الدفعة من التشريعات؟ هل يمكن القول أنها تؤسس قانونياً لنظام عسكري جديد؟!
قد لا تكون هناك نقاط تفتيش عند مداخل كل مجتمع فلسطيني في إسرائيل، كما في الضفة الغربية المحتلة، إلا أن الجمهور الإسرائيلي المعبأ مستعد اليوم لمراقبة جيرانه الفلسطينيين والإبلاغ عنهم أكثر من أي وقت مضى، في حين تستمر الدولة في انتهاك حقوقهم الأساسية، وقد نكون فعلاً على حافة النظام العسكري من جديد!