بقلم جو غيل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال جلسة الاستجواب الأولى لرئيس الوزراء في مجلس العموم يوم الأربعاء، تحدث كير ستارمر مطولاً عن المساعدات البريطانية لأوكرانيا، والهجوم الروسي على أحد المستشفيات قبل أسبوعين.
بعد ذلك تحول إلى الشرق الأوسط، مؤكداً دعمه لـ “حق إسرائيل في الأمن” والحاجة إلى وقف إطلاق النار، لكنه فشل في ذكر المئات من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الذين ذبحتهم إسرائيل في غزة والضفة الغربية منذ فوز ستارمر في الانتخابات.
وقد طغت على خطاب الملك الأول للحكومة الجديدة هذا الأسبوع حملة قمع ضد نواب حزب العمال اليساريين بسبب تحديهم للقيود المفروضة على الحد الأقصى لإعانات الأطفال، حيث تم تعليق عضوية سبعة منهم، في إجراء صادم للعديد من مؤيدي الحزب.
ومثل بوريس جونسون قبل خمس سنوات، الذي وبصفته رئيس وزراء جديد قام بطرد 21 نائباً محافظاً معتدلاً، بدأ ستارمر حكومته بعملية تطهير تتماشى مع الخط الاستبدادي الذي أظهره منذ أصبح زعيماً لحزب العمال، هذا النهج غير المتسامح تجاه المعارضة يمكن أن يدخر المشاكل للمستقبل.
وينطبق الاستمرار في السياسات المحافظة تجاه الشرق الأوسط وإسرائيل على نهج حكومة حزب العمال أيضاً، إذ لم يتبق سوى القليل من الفوارق بين ريشي سوناك وستارمر خلال جلسات أسئلة رئيس الوزراء.
ويقال أن حكومة ستارمر لن تغير بشكل هادف سياسة المملكة المتحدة بشأن غزة والصراع الإقليمي المتصاعد، ويرجع هذا إلى “الحقائق البنيوية” المتمثلة في تراجع القوة والنفوذ البريطانيين، وحاجتها إلى البقاء على مقربة من الولايات المتحدة وأوروبا في دعم إسرائيل، على الرغم من الأهوال التي ألحقتها بالفلسطينيين.
وهناك منطق سطحي ما في الرأي القائل بأن نفوذ المملكة المتحدة قد تضاءل كثيراً، وبالتالي فإن أي قرار بتعليق مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل أو اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد حكومة نتنياهو لن يكون له تأثير كبير.
ويسمع ادعاء مماثل من أنصار إسرائيل في حزب العمال عندما يتم حثهم على اتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن وقف إطلاق النار أو الفظائع التي ترتكبها دولة الاحتلال، فيجيبون بالقول: “إذا دعوت إلى وقف إطلاق النار أو إنهاء مبيعات الأسلحة، فما الفرق الذي سيحدثه ذلك؟”.
من المؤكد أن موقف المملكة المتحدة قد تضاءل كثيراً من حيث النفوذ في الشرق الأوسط، فنحن شريك صغير في المظلة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة والتي تدعم إسرائيل والدكتاتوريات المختلفة الموالية للغرب التي تحكم المنطقة.
ومع ذلك، لا تزال المملكة المتحدة تلعب دوراً حاسماً كقوة إمبريالية موروثة مع قواعد عسكرية حيوية استراتيجياً في جزيرة قبرص الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، على بعد 390 كيلومتراً فقط من ساحل غزة، ومن هناك انطلقت مئات الرحلات الجوية العسكرية البريطانية لدعم حرب الاحتلال ضد حماس وسكان غزة.
علاقات أوثق مع إسرائيل
وفضلاً عن ذلك، فإن البر الرئيسي للمملكة المتحدة بات بحكم الأمر الواقع حاملة طائرات للقوات الأميركية وهو يلعب دوراً حيوياً كقاعدة استراتيجية قريبة من أوروبا والشرق الأوسط، فضلاً عن كونه مركز تصنيع لأجزاء لبرنامج طائرات إف-35، الذي تعد إسرائيل شريكاً رئيسياً فيه ومستفيداً منه.
إن انسحاب المملكة المتحدة من أي من وظائفها الداعمة في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة والمؤيد لإسرائيل سيكون بمثابة ضربة غير تافهة، سواء من الناحية الرمزية أو العملية، صحيح أن ذلك لن يوقف الحرب، لكنه سيترك إسرائيل معزولة بشكل أكبر عن أحد حلفائها القدامى.
وقد نأى حلفاء غربيون آخرون بأنفسهم عن إسرائيل وهاجموا فظائعها، بما في ذلك إسبانيا وبلجيكا وكولومبيا، ويمكن للمملكة المتحدة أن تفعل الشيء نفسه.
الواقع أن هذا صحيح بشكل خاص لأن المملكة المتحدة طورت منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي علاقات عسكرية أوثق كثيراً مع إسرائيل، وهذا يستلزم ولأول مرة إجراء مناورات عسكرية مشتركة على الأراضي البريطانية وتوقيع عقود كبرى مع المجمع الحربي الإسرائيلي عالي التقنية لرادار المراقبة الأرضية وتكنولوجيا الاستهداف للقوات المسلحة البريطانية.
ويتم الكثير من هذا التعاون تحت رادار الوعي العام لأن وسائل الإعلام البريطانية تتواطأ كما هو الحال دائماً في حرمان الجمهور من المعلومات حول العلاقات الاستراتيجية الوثيقة والمتنامية بين المملكة المتحدة ودولة الاحتلال.
يمثل ذلك أحد الأسباب التي تجعل العديد من الناخبين البريطانيين يعتقدون أن حرب غزة هي شيء يحدث “هناك” ولا علاقة له بالسياسة البريطانية إلا بشكل محدود، وهذه رواية مصنعة بعناية تحجب الروابط الحاسمة بين المملكة المتحدة والاحتلال في الهياكل العسكرية والاستخباراتية والمراقبة.
هذه “حقائق بنيوية” من شأنها أن تصعب أي تقليص في العلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل، لقد تم تنفيذ الحملة المستمرة لنزع الشرعية عن جيريمي كوربين المؤيد لفلسطين من زعامة حزب العمال بهدف ضمان عودة الحزب إلى حظيرة المؤيدين لإسرائيل، وكذلك لضمان أن لا تتمكن مثل هذه الزعامة من الظهور مرة أخرى مستقبلاً في أحد الحزبين الرئيسيين في المملكة المتحدة.
لقد كان هذا هو الإنجاز الذي حققه ستارمر، وكان تطهيره للأعضاء اليساريين في طريقه إلى داونينج ستريت يتم باعتباره يداً آمنة.
غير أن هناك ثمة طريقة أخرى ممكنة، فقد نأى حلفاء غربيون آخرون بأنفسهم عن دولة الاحتلال وتحدثوا عن فظائعها، بما في ذلك إسبانيا وبلجيكا وكولومبيا، ويمكن للمملكة المتحدة أن تفعل الشيء نفسه.
لقد دحضت أفعال بريطانيا ومصالحها الحيوية فكرة أنها لا تريد أن تتورط في الشرق الأوسط، فالمملكة المتحدة جزء من التحالف العسكري الذي يدعم إسرائيل، ويقصف اليمن، ويسقط طائرات الحوثيين بدون طيار في البحر الأحمر.
وتنخرط المملكة المتحدة في أزمة الشرق الأوسط لأسباب تاريخية واضحة، كما كانت منذ إعلان اللورد بلفور وعده لصالح الوطن اليهودي في عام 1917.
صحيح أن القوة الإمبريالية الرائدة في المنطقة هي الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة تلعب دوراً هامشياً داعماً لها، ولكن لو كان حزب العمال يريد الإشارة إلى فك الارتباط عن ذلك، لما كانت الزيارة الخارجية الثانية لوزير الخارجية الجديد ديفيد لامي بعد واشنطن قد تمت إلى القدس تحديداً، مع صورة له صحبة رئيس وزراء الاحتلال المبتسم بنيامين نتنياهو.
ولم ينتج عن هذه الزيارة أي شيء مهم، على الأقل ليس في المجال العام، باستثناء الصورة التي أظهرت وقوف المملكة المتحدة إلى جانب دولة الاحتلال ومعاملتها كحليف وليس كلاعب مارق يواجه اتهامات بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب في محكمة العدل الدولية.
إجابات لامي الضعيفة
وقد وجه عضو جديد في البرلمان عن حزب الخضر سؤلاً للامي الأسبوع الماضي عما إذا كانت الحكومة ستعلق تراخيص تصدير الأسلحة البريطانية المباعة لإسرائيل، وجاء رد لامي مستوحى مباشرة من العهد الإسرائيلي القديم الذي يعود إلى عقود من الزمن، حيث صور نظام الفصل العنصري العنيف على أنه ضوء ساطع في الظلام، محاط بجيران معادين ويحتاج إلى البقاء مسلحاً ومستعداً للهجوم على أي تهديد.
وقد قال واصفاً دولة الاحتلال: “هذا أحد أصعب الأحياء في العالم، وإسرائيل محاطة بمن يريدون تدميرها، لقد تعرضت للهجوم من قبل الحوثيين، بصواريخ أطلقت من حزب الله”.
لم يكن لدى لامي ما يقوله عن ما فعلته دولة الاحتلال منذ تشرين الأول/أكتوبر، مع استشهاد ما لا يقل عن 49500 فلسطيني (بما في ذلك المفقودين، والذين استشهدوا في الضفة الغربية) وأكثر من 500 لبناني.
وصف لامي مؤخراً مذبحة النصيرات المروعة التي استشهد فيها 274 فلسطينياً، كجزء من عملية إنقاذ رهائن إسرائيلية أمريكية، بأنها “بارقة أمل في الظلام”.
ولن يعترف لامي، رغم دعواته العبثية لوقف إطلاق النار، بأن نتنياهو خرب كل اتفاق مؤقت، وأن إسرائيل ترفض بشكل قاطع حل الدولتين، وأن نتنياهو صرح بأنه يريد أن تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى حتى يتم “تدمير” حماس، وهو هدف قال عنه جيشه بأنه غير ممكن.
كان التنازل الوحيد الذي قدمه حزب العمال هو استئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، الأونروا، وهي نفس الوكالة التي استهدفتها إسرائيل، وقتلت 200 من موظفيها، وأعلنتها الآن كياناً إرهابياً.
في هذا السياق، فإن رفض لامي (وستارمر) الموافقة على تعليق مبيعات الأسلحة هو تأييد فعلي لـ “رد” إسرائيل الإبادي على الهجمات التي شنتها حماس، وبغض النظر عن عدد الأشخاص الذين استشهدوا في غزة، أو الضفة الغربية أو لبنان أو سوريا أو اليمن، مع وجود أدلة دامغة على أن الجرائم ضد المدنيين هي الأسوأ في هذا القرن، يواصل لامي وستارمر دعم دولة الاحتلال بما يتماشى مع رؤسائهما في واشنطن.
إن الادعاء بأن وقف مبيعات المملكة المتحدة للأسلحة إلى إسرائيل لن يحدث أي فرق ملموس في حربها وبالتالي فهو لفتة لا طائل منها هو مغالطة منطقية، ناهيك عن كونها سخيفة.
وإذا كانت مساهمات المملكة المتحدة في حملة الإبادة الجماعية هذه مجرد مساهمة هامشية حقاً، فلا يوجد سبب لمواصلة تقديمها، وبالطبع طالما أنها لم تفعل ذلك فهذا يعني أنها لا ترى مشكلة في كيفية استخدام إسرائيل لأسلحتها.
فمن خلال تعليق مثل هذه الصادرات، تُظهر أن الاعتبارات الأخلاقية والقانونية مهمة للسياسة الخارجية للمملكة المتحدة، وعلى العكس من ذلك، فإن استمرار المبيعات العسكرية إلى دولة تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية يجعل لامي وستارمر وآخرين متواطئين قانونياً في تلك الجرائم الدولية.
في هذا الأسبوع، أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً حاسماً بشأن احتلال إسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين، لقد اعتبرت ذلك غير قانوني، وقالت أنه يجب تفكيك جميع المستوطنات في الضفة الغربية، وإنهاء احتلال غزة على الفور.
لم يعد بوسع القوى الغربية، بما فيها بريطانيا، أن تشك في أن القانون الدولي يأمرها بالتوقف عن مساعدة دولة الاحتلال، والتوقف عن توفير الغطاء الدبلوماسي والسياسي للفظائع التي ترتكبها.
ويدرك لامي هذا، ولكنه ألقى بثقله في صف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وحصل على تبرعات كبيرة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، واتخذ قراره، ولسوف يحكم عليه التاريخ بقسوة، وقد يعاقبه الناخبون ذات يوم، وقد يلحق به القانون الدولي في نهاية المطاف.