أثار اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في إيران يوم الأربعاء موجة من الإدانة والتهديدات بالانتقام في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وتعهد أعضاء “محور المقاومة” المناهض للاحتلال والذي تقوده إيران، بمن فيهم الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان والعديد من المنظمات شبه العسكرية في العراق، بالانتقام لاستشهاده.
من جانبها قالت إيران أنها لن تسمح بأن يمر عدوان الاحتلال السافر على عاصمتها دون عقاب.
وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي: “في أعقاب هذا الحدث المرير والمأساوي الذي وقع داخل حدود الجمهورية الإسلامية، فإن من واجبنا أن ننتقم”.
ومنذ الهجوم الذي قادته حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، هاجم أعضاء آخرون في محور المقاومة إسرائيل تضامناً مع حماس والشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت نيران الاحتلال في غزة، حيث استشهد ما لا يقل عن 40 ألف فلسطيني هناك.
وانخرط حزب الله في اشتباكات منخفضة المستوى على طول الحدود اللبنانية مع دولة الاحتلال، لكنها تصاعدت مع مرور الوقت وصولاً إلى اغتيال الاحتلال قائداً كبيراً في الحزب هو فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الأربعاء.
في غضون ذلك، أطلقت حركة أنصار الله، التي تُعرف باسم جماعة الحوثي اليمنية، والميليشيات شبه العسكرية العراقية صواريخ وطائرات بدون طيار على إسرائيل، وعطلت الشحن على امتداد البحر الأحمر، مستهدفة السفن التي يقول الحوثيون أنها مرتبطة بالاحتلال.
وشنت إيران بنفسها هجوماً كبيراً بطائرات مسيرة وصواريخ على الاحتلال في نيسان/أبريل بعد أن أدت غارة على القنصلية الإيرانية في دمشق إلى مقتل العديد من كبار قادة الحرس الجمهوري الإيراني.
أسقطت إسرائيل وحلفاؤها الغالبية العظمى من تلك المسيرات والصواريخ، لكنها مع ذلك كانت المرة الأولى التي تستهدف فيها طهران دولة الاحتلال مباشرةً.
رد منسق؟
يبقى أن نرى أي نوع من الإجراءات سيتخذها التحالف الذي تقوده إيران رداً على اغتيال هنية وشكر.
فقد ذكر عبد الرسول ديفسلار، الباحث البارز في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، أن الرد “المنسق” من إيران ووكلائها قد يكون مطروحاً لتحديد قواعد الاشتباك.
وعبر الباحث عن اعتقاده بأن “المهم هو مقدار وحجم الرد ومستوى التنسيق، وأعتقد أننا لم نشهد هجوماً منسقاً ضد إسرائيل من قبل أعضاء المحور في ذات الوقت”.
وكان الهجوم الإيراني على دولة الاحتلال في نيسان/أبريل قد صُمم لإظهار رد من الجمهورية الإسلامية، ولكنه واقعياً لم يوقع إصابات أو حتى أضراراً طفيفة.
لكن الهجوم المباشر على أحد كبار القادة السياسيين الفلسطينيين الذي كان يتواجد في إيران كضيف على مراسم تنصيب الرئيس الجديد هو سابقة ومسألة أخرى.
وقال شيموس مالكافضلي، الكاتب الإيراني الأمريكي المتخصص في الشؤون الإيرانية: “أعتقد أنه في هذه الحالة يمكن أن يسير الأمر في أحد طريقين”.
وأضاف: “إذا ركزت التغطية الإعلامية والسياسيون على هنية باعتباره شهيداً وعلى الانتقام لدمه وابتعدت إلى حد كبير عن ذكر السيادة، فأعتقد أن إيران قد تكتفي بالرد من خلال دعم هجمات حزب الله أو اليمنيين وغيرهم”.
لكنه استدرك بالقول: “وفي حال بدأ الحديث حول موضوع الأرض وانتهاك السيادة، وبالتالي التركيز على المخاوف المتعلقة بالفخر الوطني والوطنية، والتي تمتد إلى ما هو أبعد من التحالف مع الفلسطينيين، فأعتقد أن الإيرانيين قد يتجهون لفعل مباشر”.
هجمات إقليمية
وجاء استشهاد هنية بعد ساعات من اغتيال شكر في غارة بطائرة بدون طيار في بيروت، اعتبرتها دولة الاحتلال رداً على هجوم في مرتفعات الجولان المحتلة أسفر عن مقتل 12 طفلاً، وحملت تل أبيب المسؤولية عنه لحزب الله الذي نفى بدوره مسؤوليته عن الهجوم.
ومساء الثلاثاء أيضاً، قالت الحكومة العراقية أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة شن ضربة على قاعدة تابعة للحشد الشعبي، القوات شبه العسكرية التي تضم العديد من المنظمات المسلحة المدعومة من إيران.
وفي بيان لها، ربطت هيئة الحشد الشعبي وهي الهيئة الحكومية التي تشرف على الحشد بين الهجمات بشكل مباشر.
“أعتقد أن محور المقاومة يجب أن يرد بطريقة ما، وإذا لم يحدث ذلك، أعتقد أنه يعرض هدف التحالف للخطر” – شيموس ملكافضلي، صحفي.
وقال البيان “إن تزامن هذا الهجوم مع العملية الإجرامية التي نفذها الاحتلال لاغتيال الأخ الشهيد القائد إسماعيل هنية يكشف عن مخططات الأعداء لإشعال المنطقة وتوسيع دائرة الحرب والعدوان”.
كما قالت كتائب حزب الله، إحدى أقوى الميليشيات العراقية التي تشكل المقاومة الإسلامية هناك وهو تحالف تم تشكيله لاستهداف المصالح الإسرائيلية والأمريكية العام الماضي على قناتها على تيلغرام أن الهجوم على طهران انتهك “جميع قواعد الاشتباك”.
لقد جاء هجوم الأربعاء في طهران لافتاً للانتباه بشكل كبير إلى مستوى فجاجة تنفيذه.
فرغم أن دولة الاحتلال نفذت من قبل عمليات اغتيال في إيران كانت عادةً تستهدف علماء نوويين، إلا أنها كانت تميل إلى تنفيذها بطريقة أكثر هدوءاً، على شكل تسميم أو إطلاق نار يمكنّها من تجنب المسؤولية عنه إذا لزم الأمر.
وقال مصدر مقرب من المسؤولين في الرئاسة الإيرانية أن هنية كان عند استشهاده يقيم بالقرب من قصر سعد آباد في طهران، والذي يستخدمه مكتب الرئيس، وهو تحت حراسة مشددة من قبل الحرس الجمهوري.
وقال مالكافضلي: “عندما يقول زعيم حزب الله حسن نصر الله وآخرون أن حماس تفاوض نيابة عن المحور، ثم يتم قتل زعيم حماس في إيران بهذه الطريقة الوقحة فيما يبدو أنه كان إما ضربة جوية أو ضربة صاروخية، وليس مجرد اغتيال بسيط، فإنك يجب أن تفعل شيئاً، وإلا فإن إسرائيل ستعرف أن الخطوط الحمراء التي ربما كانت تعتقد أنها موجودة من قبل ليست موجودة في الواقع”. “إن تصعيد التوترات أمر لا مفر منه، وعدم استجابة إيران قد يضر بمصداقيتها بين حلفائها” – حميد رضا عزيز، محلل
الفشل الاستخباراتي
وتدخل الكثير من النقاشات حول الرد المحتمل من إيران وحلفائها في إطار التكهنات، ولكن الهجوم أثار مخاوف بشأن قدرة إيران على حماية حلفائها أثناء رحلاتهم إليها، فضلاً عن الفشل الكبير والواضح لأجهزة الاستخبارات في البلاد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني يوم الأربعاء أن استشهاد هنية من شأنه أن “يعزز الرابطة العميقة التي لا تنفصم بين طهران وفلسطين والمقاومة”، ولكن لا يبدو أن الجميع على يقين من ذلك.
فقد قال المحلل حميد رضا عزيزي أن الهجوم أظهر “ضعفاً استخباراتياً كبيراً لدى محور المقاومة” وقد ينتهي به الأمر إلى زرع المخاوف بشأن قوة التحالف، وخاصة إذا فشلت إيران في الرد.
وأضاف: “إن تصعيد التوترات أمر لا مفر منه، وعدم استجابة إيران قد يضر بمصداقيتها بين حلفائها”.
من ناحيته، أوضح ديفسالار أن الأولوية الآن لدى جميع الأطراف يجب أن تكون “التواصل” للحد من أي تداعيات محتملة.
وقال: “يجب أن يكون هناك تدخل دولي، أولاً للتواصل مع إيران للتأثير على تناسب ردها، ولكن أيضًا التواصل مع إسرائيل لاستيعاب الرد الإيراني”