تواصل العديد من البلديات والسلطات المحلية في المملكة المتحدة الحفاظ على علاقات التوأمة المثيرة للجدل مع مدن وبلدات في إسرائيل رغم مطالبة النشطاء بقطع هذه العلاقات بسبب العدوان على غزة.
وترتبط مدينتا الموانىء نيوكاسل وبورتسموث باتفاقات توأمة مع حيفا ذات الميناء في شمال إسرائيل، كما ترتبط مدينة بورنموث الواقعة على الساحل الجنوبي بعلاقة توأمة مع منتجع نتانيا الإسرائيلي.
وفي لندن، ترتبط بلدة هاكني بتوأمة مع حيفا، في حين يجمع انفاق توأمة آخر بارنت مع ضاحية رامات غان في تل أبيب.
وإلى الشمال مباشرة من لندن، توأمت بلدة إلستري وبورهام وود في هيرتفوردشاير مع مدينة شوهام وسط إسرائيل.
وتعرف اتفاقات “المدينة الشقيقة” أو التوأمة بأنها اتفاق ناظم لعلاقة طويلة الأمد بين مجتمعين في بلدين مختلفين، وتهدف إلى تعزيز الصداقة الدولية والتبادل الثقافي وأحياناً تبادل المنفعة الاقتصادية.
غير أن عدداً من المجالس واجهت دعوات لإنهاء علاقاتها بمدن الاحتلال وسط غضب متزايد أثاره العدوان المتواصل على غزة والذي استشهد فيه أكثر من 39 ألف فلسطيني، فيما يواجه قادة الاحتلال اتهامات أمام المحاكم الدولية بارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
وفي تموز/يوليو، قدم جو سالمون عضو مجلس بلدية بورنموث من الحزب الأخضر اقتراحاً يدعو إلى فض التوأمة مع نتانيا حمايةً لسمعة مدينته.
وقال سالمون: “عندما تتناقض تصرفات وسياسات أمة البلدة الشقيقة مع هذه القيم، يصبح من الضروري إعادة النظر في مثل هذه العلاقات وقطعها”.
وأثار المقترح في المجلس مظاهرات داعمة واحتجاجات مضادة من قبل نشطاء مؤيدين لفلسطين وآخرين داعمين للاحتلال أمام مكاتب مجلس بورنموث.
” تقول هاكني إنها مجلس مناهض للعنصرية والحقيقة أنه ليس ثمة ما هو مناهض للعنصرية في التوأمة مع مدينة مبنية على التطهير العرقي وسكانها الفلسطينيون مواطنون من الدرجة الثانية في وطنهم” – مات رولاند هيل، حملة التضامن مع فلسطين في هاكني
وفي النهاية، لم يجد المقترح سبيلاً للتصويت عليه أو حتى مجرد نقاشه بعد أن اعتبر مسؤولو المجلس أن علاقة التوأمة تقع خارج نطاق اختصاص المجلس.
وفي وقت سابق من هذا العام، تمت إزالة علامة بوابة تشير إلى علاقة بورنموث بنتانيا سراً دون إذن المجلس، وقد تم استبدالها منذ ذلك الحين.
وفي ذلك الوقت أدان توبياس إلوود، عضو البرلمان المحافظ المحلي آنذاك ما جرى، وقال: “الرابطة العميقة بين مدينتينا الساحليتين قوية ولن تتأثر بما يبدو أنه عمل تخريبي معاد للسامية”.
وفي هاكني، دعا النشطاء الذين نظموا معسكراً دام أسابيع خارج مبنى البلدية إلى إنهاء علاقة التوأمة بين المجلس وحيفا، فضلاً عن سحب استثمارات صندوق معاشات هاكني من الشركات التي يُزعم أنها تزود جيش الاحتلال بالأسلحة.
كما طالب النشطاء بإنهاء الشراكة بين المستشفيات في هاكني وحيفا، متهمين قوات الاحتلاا بـ “تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة وإعدام الأطباء والممرضات”.
وقال مات رولاند هيل من حملة تضامن فلسطين في هاكني أنه ينبغي للمدينة أن “ترقى إلى قيمها وتستمع إلى أصوات سكانها، يجب أن تنتهي التوأمة مع حيفا الآن”.
في المقابل قال متحدث باسم مجلس هاكني أن “العلاقة مع حيفا هي علاقة مدنية تعود إلى عام 1968، وكما هو الحال مع جميع علاقات التوأمة في هاكني، فهي غير سياسية وغير طائفية ومتعددة الأديان”.
“القيم العالمية”
وفيما يرجع تاريخ العديد من علاقات التوأمة بين مدن المملكة المتحدة ودولة الاحتلال إلى عدة عقود من الزمن، فإن علاقات أخرى قد أقيمت كثمرة لمبادرات أحدث.
فقد وقعت إلستري وبورهام وود، التي تعد موطناً لأحد أكبر المجتمعات اليهودية في المملكة المتحدة، اتفاقية التوأمة مع شوهام في عام 2023 فقط.
وبموجب شروط الاتفاقية، تعهد رئيسا بلديتي المدينتين “بتعزيز القيم العالمية للحرية والديمقراطية والمساواة وسيادة القانون من خلال تبادلاتنا وتعاوننا”.
بدأت علاقة التوأمة بزيارة استمرت أسبوعاً لفريق كرة القدم للشباب مكابي شوهام، وتوجت بمباراة ودية حضرها حوالي 500 شخص في نادي بورهام وود لكرة القدم في تموز/يوليو الماضي.
ورفع مجلس إلستري وبورهام وود علم الاحتلال إلى جانب العلم البريطاني خارج مكاتب المجلس لعدة أسابيع في أعقاب الهجمات التي قادتها حماس على مستوطنات الاحتلال وثكنات جيشه في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
لكن المجلس أنزل العلم في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر بعد تشويهه بالطلاء الأحمر في حادثة وثقها مجلس البلدية لدى الشرطة وصندوق الأمن المجتمعي، الذي يراقب معاداة السامية.
وقالت شرطة هيرتفوردشاير أن “جميع خطوط التحقيق استنفدت دون أن يتم تحديد أي مشتبه بهم”.
وقال رئيس المجلس ريتشارد بتلر لهيئة الإذاعة البريطانية أن المجلس على دراية “بالمخاوف التي يشعر بها الناس بشأن ما يحدث في إسرائيل وقطاع غزة والتوترات المتعلقة بذلك”.
لكنه أشار إلى أن المجلس يريد أيضاً “إظهار الوحدة مع بلدتنا التوأم”.
وأوضح بتلر: “نحن مجلس مفتوح للجميع، لكنني أعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون واضحين للغاية في هذه المرحلة الزمنية، ما حدث في 7 أكتوبر كان عملاً إرهابياً وسنقف إلى جانب بلدتنا التوأم”.
وفي شباط/ فبراير، قام المجلس بتحديث لافتات المدخل التي تحتفل بتراث المنطقة كموطن لاستوديوهات الأفلام والتلفزيون لتشمل شوهام إلى جانب بلدات توأم أخرى في فرنسا وألمانيا.
“بناء الجسور”
ولا تتمتع اتفاقات التوأمة جميعاً بقدر متساو من الدفء في العلاقات، فقد أكد مجلس نيوكاسل، الذي يرتبط بعلاقات توأمة مع حيفا، أن علاقات المدينتين كانت نشطة في الثمانينيات والتسعينيات، لكن الاتصال بينهما حالياً ضئيل.
ويصف المجلس حيفا، التي فقدت 95% من مواطنيها الفلسطينيين في عام 1948 أثناء النكبة، بأنها مدينة حيث “يتكون السكان من مزيج من اليهود والعرب مع سمعة طيبة للعلاقات الجيدة بين المجتمعين”.
أما مجلس مدينة بورتسموث فيملك المزيد من المعلومات حول شراكته الخاصة مع حيفا، والتي تتضمن رابطاً بين الكليات في كل مدينة، وتشجيع الروابط بين المنظمات والأفراد ذوي الاهتمامات المتشابهة، وترتيب الزيارات بين المدينتين.
وقال متحدث باسم مجلس مدينة بورتسموث إن المجلس دعا إلى إنهاء الصراع في غزة وإسرائيل وكان يسعى إلى بناء علاقة مماثلة مع مدينة فلسطينية.
وأضاف المتحدث: “علاقات التوأمة والأخوة هي وسيلة مثبتة دولياً لبناء الجسور بين الناس عبر مختلف البلدان، وليس لدينا خطط لتغيير هذه العلاقة في المستقبل”.
إلى ذلك، قالت العديد من المجالس أن علاقات التوأمة خارج نطاق اختصاصها، فهناك سابقة لإنهاء علاقات المدن الشقيقة في المملكة المتحدة.
وفي عام 2022، أدى اقتراح قدمته المستشارة المحلية الديمقراطية الليبرالية ويندي تايلور إلى إنهاء اتفاقية التوأمة بين مدينة نيوكاسل ومدينة تاييوان الصينية بسبب اتهامات باحتجاز الصين للمسلمين الأويغور في معسكرات إعادة التأهيل.
وهناك أيضاً سوابق دولية لقطع العلاقات المحلية مع إسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين.
ففي شباط/فبراير 2023، أنهت مدينة برشلونة الإسبانية اتفاقية التوأمة التي استمرت 25 عاماً مع تل أبيب، حيث اتهمت رئيسة البلدية آنذاك آدا كولاو إسرائيل بارتكاب “جريمة الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني”.
لكن برشلونة تراجعت عن القرار في أيلول/سبتمبر، عقب انتخاب عمدة جديد هو جومي كولبوني الذي وصف تل أبيب بأنها تمثل “أفضل القيم التقدمية لإسرائيل”.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، صوت مجلس مدينة برشلونة على تعليق العلاقات المؤسسية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، داعياً إلى وقف إطلاق النار الذي يضمن الحقوق الأساسية للفلسطينيين والامتثال لقرارات الأمم المتحدة.
لكن وكالة الأنباء الكتالونية ذكرت أن تعليق العلاقات مع الحكومة لم يشمل العلاقات بين برشلونة ومدينة تل أبيب.