بقلم ريتشارد سيلفرستين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد كان الاغتيالان اللذان نفذتهما إسرائيل بحق القائد العسكري الأعلى لحزب الله فؤاد شكر، وزعيم حماس السياسي إسماعيل هنية، سبباً في دفع المنطقة إلى حافة حرب شاملة.
الحقيقة أن المنطقة في حالة حرب بالفعل، ولكن الصراع كان تحت السيطرة ومدروساً بعناية حتى وقت قريب، على مبدأ سياسة العين بالعين أو القط والفأر.
أما الآن، باغتيال هنية، فقد قامت إسرائيل بتمزيق هذا الوضع الراهن، ففي هذه العملية، دمرت إسرائيل النظام القائم على القواعد وقوانين الحرب والقانون الإنساني الدولي الذي مضى عليه 75 عاماً، كما أنها تحدت المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
من المفارقة أن هذه المؤسسات قد تأسست بالأصل لمنع تكرار المحرقة النازية، ولكن بدلاً من ذلك، فقد فشلوا في منع الإبادة الجماعية في غزة، وذلك لأن الدول الغربية التي أنشأت هذه البروتوكولات هي نفسها قد تخلت عنها، فقد قامت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها بتسليح إسرائيل، كما قدموا الدعم السياسي والمعنوي ولم يفعلوا أي شيء تقريباً لوقف الحرب، ولذلك فإن انهيار هذا النظام الدولي هو خطأهم بالأساس!
تصاعد الصراع
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلاً عن مصادر “شرق أوسطية” كما أسمتها، أن هنية قُتل في انفجار قنبلة تم تهريبها قبل أشهر إلى دار الضيافة في طهران حيث كان يقيم.
من المحتمل أن هذه المعلومات جاءت عبر الموساد، حيث من المعروف أن أحد المراسلين في هذا المقال، وهو رونين بيرجمان، لديه علاقات وثيقة مع وكالة المخابرات الإسرائيلية، والموساد فقط هو من لديه مثل هذه المعرفة التفصيلية الدقيقة عن مخطط الاغتيال.
لم تذكر صحيفة نيويورك تايمز كيف تم إدخال الجهاز إلى بيت الضيافة، ولا كيف تم وضعه في الغرفة، فإذا كان هذا صحيحاً، فهذا ربما يشير إلى أن الموساد كان لديه جاسوس ذو مكانة عالية وموثوق به في جهاز الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
يشكل الاغتيال أيضاً إهانة لمحاولات إدارة بايدن للتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة، فخلال الأشهر العشرة الماضية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإفشال المقترحات المتكررة التي قدمها الوسطاء القطريون والمسؤولون الأمريكيون، وقد فعل ذلك لأنه بحاجة إلى الحرب من أجل الاحتفاظ بالسلطة
وعلى الجانب الآخر، فقد نفى مسؤولو الحرس الثوري الإيراني بشدة رواية التايمز، وأصروا على أنه قد تم استخدام صاروخ إسرائيلي أو طائرة بدون طيار.
لقد تم إثارة احتمال ثالث أيضاً بأن تكون إسرائيل قد حددت موقع هنية عن طريق تثبيت برنامج تجسس على هاتفه المحمول، والذي يوفر بيانات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
لقد كان هذا الاغتيال الإسرائيلي موجهاً إلى خصمها الإقليمي الرئيسي، إيران، وربما كان المقصود منها أيضاً تقويض الموقف السياسي لرئيسها الإصلاحي الجديد مسعود بيزشكيان، حيث تفضل إسرائيل القيادة المتشددة، لأن ذلك يتماشى مع مصالحها في الإبقاء على حالة عدم الاستقرار الإقليمي وتصعيد الصراع.
يشكل الاغتيال أيضاً إهانة لمحاولات إدارة بايدن للتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة، فخلال الأشهر العشرة الماضية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإفشال المقترحات المتكررة التي قدمها الوسطاء القطريون والمسؤولون الأمريكيون، وقد فعل ذلك لأنه بحاجة إلى الحرب من أجل الاحتفاظ بالسلطة.
بحسب ضابط مخابرات أمريكي سابق استقال احتجاجاً على السياسة الأمريكية تجاه غزة، فإن إسرائيل تسعى لشن حرب ضد حزب الله “لأغراض سياسية”، وهذا أيضاً من شأنه أن يعزز المصالح السياسية لرئيس الوزراء، فاغتيال هنية يعني قتل محادثات وقف إطلاق النار، وقد لا تعود حماس أبداً إلى طاولة المفاوضات، وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو: حرباً بلا نهاية!
لقد أحرجت إدارة بايدن نفسها بعد عملية الاغتيال عندما ادعت أنها لم تكن متورطة في عملية الاغتيال ولم تكن على علم بها، كما أن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، رفض في وقت لاحق الاعتراف بالأثر الكارثي الذي قد يحدثه اغتيال هنية على احتمالات وقف إطلاق النار.
قال بلينكن: “من الملح أن تتخذ جميع الأطراف الخيارات الصحيحة في الأيام المقبلة، لأن هذه الخيارات هي الفرق بين البقاء على طريق العنف وانعدام الأمن والمعاناة، أو الانتقال إلى ما هو أفضل بكثير لجميع الأطراف المعنية”، مضيفاً أن “وقف إطلاق النار يصب في مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة ككل، لذا يجب أن نتوصل إلى اتفاق”.
غير أنه بات من الواضح أن نتنياهو لا يتفق مع هذا التقييم لمصالح إسرائيل، فقد حدد نتنياهو توقيت الاغتيال بدقة متناهية، وذلك مباشرة بعد خطابه الكبير أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأمريكي، بالإضافة إلى استغلاله للاضطرابات السياسية في واشنطن، مع اضطرار بايدن، الزعيم الأمريكي الضعيف إلى الانسحاب من السباق الرئاسي مؤخراً.
تتعارض سياسة الإدارة الأمريكية مع الرأي العام الأمريكي الذي يعارض نهج بايدن وإسرائيل في التعامل مع الصراع، فالأمريكيون لا يريدون الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، حرب يروج لها الرئيس عن علم أو عن غير قصد
لقد اعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي على عدم قدرة الإدارة الأمريكية أو عدم رغبتها في إثارة المعارضة، فالمرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس لا تتمتع بسلطة صنع السياسات، وقد وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي انتقادات حادة للديمقراطيين رغم دعمهم القوي للهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان.
إهانة للشرف الوطني
من جانبه، قام آية الله خامنئي بإقامة اجتماع طارئ للأمن القومي بعد عملية الاغتيال، وأعلن خلالها عن الانتقام الإيراني، فمن الواضح أن طهران تنوي توجيه ضربة قوية للانتقام من هذه الإهانة لشرفها الوطني، وقد يستلزم ذلك قيام حزب الله، أقرب حليف إقليمي لإيران، بضرب إسرائيل أيضاً، وبمجرد حدوث ذلك، فمن المتوقع أن ترد إسرائيل.
لقد سعت إسرائيل إلى شن حرب مع حزب الله منذ 7 أكتوبر 2023، حتى أن وزير دفاعها، يوآف غالانت، دعا إلى توجيه ضربة استباقية ضد الميليشيا اللبنانية قبل مهاجمة حماس، ولكن تم التخلي عن هذه الخطة في مواجهة المعارضة الأمريكية.
لقد تخلى نتنياهو عن خطته لأن حزب الله خصم أقوى بكثير من حماس، ويمكنها أن تمطر عشرات الآلاف من الصواريخ المتطورة على المدن الكبرى في إسرائيل، حيث قد تؤدي هذه الهجمات والهجمات المضادة إلى حرب إقليمية شاملة.
إذا شنت إسرائيل هجمات جوية مباشرة على الأراضي الإيرانية، فمن المرجح أن تعتبر إيران ذلك سبباً للحرب، وعندها سنواجه صراعاً لن يتمكن أحد من إيقافه، ولن يقتصر الأمر على إسرائيل وإيران، بل سوف ينجذب أيضاً جميع حلفاء الأخير في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
على الجانب الآخر، تعد الولايات المتحدة نفسها لتكون عنصراً مقاتلاً بشكل مباشر في أول صراع إقليمي في الشرق الأوسط منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، حيث أفاد موقع أكسيوس أن بلينكن عقد مؤتمراً عبر الهاتف في 4 أغسطس مع وزراء خارجية مجموعة السبع، أخبرهم فيه عن توقع هجوم إيراني ومن حزب الله خلال 24 ساعة قادمة من زمن الاجتماع.
من جهة أخرى، فقد وعد بايدن نتنياهو بزيادة الوجود العسكري الأمريكي، حيث ظهر ذلك في قيام وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، بزيادة وتعزيز موارد القوات البحرية والجوية التي سيتم إرسالها إلى المنطقة، قال أوستن: ” لقد أرسلت الولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات وسربًا مقاتلاً وسفناً حربية إضافية إلى الشرق الأوسط بينما تستعد المنطقة لهجوم إيراني”.
تتعارض سياسة الإدارة الأمريكية مع الرأي العام الأمريكي الذي يعارض نهج بايدن وإسرائيل في التعامل مع الصراع، فالأمريكيون لا يريدون الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، حرب يروج لها الرئيس عن علم أو عن غير قصد.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)