علت أصوات الاحتجاج في تركيا الشهر الماضي بعد نشر مقاطع غنائية وموسيقية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK) على إنستغرام وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي.
ونفذت السلطات المحلية في أعقاب الحادثة، التي اعتبرتها “دعاية إرهابية”، حملة اعتقالات سريعة في أوساط مناصري الحزب الذي تصنفه أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصنف كمنظمة إرهابية.
ورغم أن لدى شركة ميتا المالكة لانستغرام ممثل في تركيا يقع على عاتقه تطليق القرارات الإدارية والقضائية المحلية على المحتوى المنشور، إلا أن السلطات اعتقدت بأهمية اتخاذ خطوات من طرفها.
وقد شملت الإجراءات التركية الإزالة التلقائية للمشاركات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني أو الحسابات المرتبطة بجرائم أخرى وهي خطوات بدت ميتا مترددة في اتخاذها.
وفي 31 يوليو/تموز، بعد اغتيال قائد حماس إسماعيل هنية في طهران، بدأت ميتا تلقائياً في إزالة رسائل التعزية على إنستغرام، متذرعةً بتحديد الحركة الفلسطينية كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.
وأثارت هذه الخطوة المزيد من الجدل، خاصة وأن شركة ميتا واجهت بالفعل ردود فعل عنيفة بسبب تعاملها مع المحتوى المتعلق بعدوان الاحتلال على غزة في تركيا وخارجها.
وقد تمت إزالة المحتوى والحسابات البارزة المتعلقة بغزة من منصات مثل فيسبوك وإنستغرام مع تكثيف عدوان الاحتلال على القطاع الفلسطيني.
لكن ردود الفعل الغاضبة على ذلك أجبرت شركة ميتا على السماح بعرض مزيد من المنشورات التي تتناول الحرب والفظائع المرتبطة بها.
غير أن إزالة المنشورات التي تشير إلى استشهاد هنية كانت بمثابة كرت أحمر إضافي لتركيا، حيث تم تفسير ذلك بأن إنستغرام يتخذ إجراءاته انتقائياً عندما يتعلق الأمر بالمنظمات التي يتم تسميتها إرهابية.
ووفقاً لمصادر تركية مطلعة، فإن القضية برمتها وجدت مكاناً على أجندة كبار المسؤولين الأتراك حيث قرر وزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو إثارة القضية مع الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبعد فترة وجيزة من إزالة المنشورات المتعلقة باغتيال هنية، التقى أورال أوغلو بأردوغان وأوضح له مخاوف وزارته مع ميتا، وطلب الإذن باتخاذ إجراء دون تحديد خطواته التالية.
وافق أردوغان على الطلب، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان يعلم أن أورال أوغلو يخطط لحظر إنستغرام في تركيا تماماً، وهو ما حدث في الساعات الأولى من صباح الثاني من أغسطس/آب، عندما بدأ المستخدمون الأتراك يجدون أن وصولهم إلى المنصة مقيد من قبل هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICTA).
احتجاجات فورية
فاجأت هذه الخطوة العديد من الشخصيات المرتبطة بالحكومة التركية، حيث يستخدم ملايين المواطنين الأتراك إنستغرام لأغراض مختلفة، من الترفيه إلى التعليم والتجارة.
وصرح نائب رئيس جمعية مشغلي التجارة الإلكترونية (ETID)، إمري إكميكجي، لقناة CNBC-e التلفزيونية أن الخسارة التجارية اليومية على المنصة بلغت حوالي 1.9 مليار ليرة تركية (56.5 مليون دولار).
وأثار الحظر احتجاجاً فورياً من المعارضة التركية، مما دفع المسؤولين وميتا إلى عقد اجتماعات لحل الأزمة.
واتهم المسؤولون الأتراك الذين تحدثوا لموقع ميدل إيست آي ميتا بتطبيق معايير مزدوجة على الجماعات الإرهابية.
وقال أحد المسؤولين: “يدعي مسؤولو ميتا إنهم اضطروا إلى إزالة النصوص التركية المتعلقة باغتيال هنية من المنصة لأن حماس منظمة إرهابية بموجب القانون الأمريكي، لكن حزب العمال الكردستاني هو أيضاً منظمة إرهابية بموجب القانون الأمريكي وميتا لا تزيل هذا المحتوى تلقائياً”.
وبحسب المصادر، فإن مسؤولي ميتا القوا أنحوا باللائمة على مقرهم الأوروبي في عدم متابعة القضية بشكل صحيح وأكدوا للسلطات التركية أنهم سيتخذون إجراءات بشأن المحتوى المرتبط بحزب العمال الكردستاني.
ومع ذلك، أشار المسؤولون الأتراك إلى أن ميتا عرضت فقط إخفاء المنشورات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني على إنستغرام للمستخدمين المقيمين داخل تركيا، وترك المحتوى متاحاً لأولئك المتواجدين خارج البلاد.
وقد وجد المسؤولون الأتراك ذلك غير كافٍ، مشيرين إلى أن المحتوى المرتبط بحماس قد تم إزالته عالمياً، وليس فقط في الولايات المتحدة.
ونفى مسؤول في ميتا، تحدث إلى ميدل إيست آي دون الكشف عن هويته، أن تكون الشركة تطبق معايير مزدوجة على حماس وحزب العمال الكردستاني.
وقال المسؤول، أن الشركة تستند إلى السياسة المتعلقة بالمنظمات والأفراد الخطرين في إنستغرام، والتي تحظر تمجيد أو دعم أي من المنظمتين، مضيفاً: “يتم تطبيق نفس القواعد عالمياً على كلتا المنظمتين”.
وعلى الرغم من الدعم الواضح لقيود إنستغرام بين كبار المسؤولين الحكوميين، نشأ جدال خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم الاثنين.
وبحسب ما ورد، فقد قال أردوغان لأورال أوغلو: “لقد وضعتنا في مشكلة كبيرة، وبما أننا تسببنا في كل هذه الضجة، فمن الأفضل أن نحصل على بعض النتائج الملموسة قبل رفع الحظر”.
لكن مصدراً ثانياً أشار إلى أن أردوغان لم يكن غاضباً من الوزير، بل كان في الواقع يمزح.
وقال المصدر إن أورال أوغلو هو من أثار القضية خلال اجتماع مجلس الوزراء ولم ينتقد أي من الوزراء الحظر.
وتابع المصدر: “اقترح أحد الوزراء حظر جميع منصات التواصل الاجتماعي حتى تطبق القانون التركي”.
وأضاف المصدر أن ميتا وأنقرة على اتصال منتظم لمعالجة المشكلة، وقد اتخذت ميتا بالفعل بعض الخطوات الإيجابية.
وقال المصدر: “ومع ذلك، يبدو أن الأمر سيستغرق المزيد من الوقت لنكون على نفس الصفحة معهم”.
وقال متحدث باسم ميتا لـ ميدل إيست آي إن ملايين الأشخاص في تركيا محرومون من طرقهم المعتادة للتواصل مع العائلة والأصدقاء، وأن الشركات تكافح للوصول إلى عملائها بنفس الطريقة المعتادة.
وأضاف المتحدث: “سنواصل بذل كل ما في وسعنا لاستعادة خدماتنا”.