بقلم لبنى مصاروة و بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
منذ أكثر من 20 عاماً، نشرت شبكة سي بي إس نيوز صوراً مؤلمة وثقت قيام الجيش الأمريكي بارتكاب جرائم لا توصف ضد الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب في العراق، حيث أثبتت الصور حدوث عمليات اغتصاب وقتل وتعذيب نفسي وجسدي وإذلال جنسي، وقد لعبت تلك المشاهد دوراً رئيسياً في تحويل الرأي العام ضد الحرب على العراق آنذاك.
يبدو أن القادة الإسرائيليين قد نجحوا في حملتهم لتطبيع الاغتصاب وغيره من الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين
وقد أصبح من الواضح تماماً اليوم أن هناك ما يشبه سجن أبو غريب وربما أسوأ داخل السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر، حيث أظهرت لقطات فيديو مسربة جنوداً إسرائيليين يعتدون جنسياً على معتقل فلسطيني، كما سلط تقرير صادر عن جماعة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” بعنوان ” مرحباً بك في جحيم إسرائيل” الضوء على سياسة الدولة المتمثلة في إساءة معاملة الأسرى والتعذيب بشكل ممنهج منذ بداية الحرب.
من المحزن قراءة هذا التقرير، الذي يستند إلى مقابلات مع 55 فلسطينياً تم اعتقالهم 7 أكتوبر، حيث يقدم أدلة على المعاملة المهينة والضرب التعسفي والحرمان من النوم، فضلاً عن “الاستخدام المتكرر للعنف الجنسي بدرجات متفاوتة الخطورة”.
يقول فادي بكر ذو الـ 25 عاماً: ” قام الجنود بإطفاء السجائر في فمي وعلى جسدي، كما وضعوا ملقطاً ملتصقاً بشيء ثقيل على خصيتيَّي، واستمر الأمر على هذا النحو لمدة يوم كامل. تضخمت خصيتي ونزفت أذني اليسرى”، وأضاف أن المحققين سألوه عن قادة حماس وأشخاص لا يعرفهم ثم ضربوه: “ثم أعادوني إلى الغرفة المتجمدة مع موسيقى الديسكو الصاخبة، وتركوني هناك مرة أخرى عارياً لمدة يومين”.
تطبيع الاغتصاب
نفت السلطات الإسرائيلية هذه الروايات، إلا أن التقرير قد صدر بعد أيام فقط من اعتقال 9 جنود اغتصبوا أسيراً فلسطينياً داخل معسكر سدي تيمان سيئ السمعة، حيث تعرض الضحية لإصابة خطيرة في فتحة الشرج وتمزق في الأمعاء وتلف في الرئة وكسور في الأضلاع.
إضافة إلى ذلك، فقد نشر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي تقريراً عن وجود انتهاكات مروعة في المنشآت العسكرية والسجون الإسرائيلية، توفي على إثرها ما لا يقل عن 53 فلسطينياً منذ 7 أكتوبر، فكيف ظل الساسة الغربيون صامتين على هذه الفظائع؟! وأين هو الغضب الشعبي؟!
يبدو أن القادة الإسرائيليين قد نجحوا في حملتهم لتطبيع الاغتصاب وغيره من الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين، فبعد اعتقال الجنود التسعة في سدي تيمان، انضم عدد من أعضاء الكنيست إلى المتظاهرين اليمينيين المتطرفين الذين اقتحموا المنشأة.
تعليقاً على ذلك، قال وزير العدل، ياريف ليفين أنه “شعر بالصدمة عندما رأى الصور القاسية لجنود أثناء اعتقالهم، من المستحيل قبول ذلك”، فيما ذهب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى أبعد من ذلك يقوله: “أوصي وزير الدفاع والسلطات العسكرية بالتعلم عن خدمة السجون، فقد انتهت المعاملة اللينة مع الإرهابيين، فجنودنا يحتاجون إلى الدعم الكامل”، كما أعرب وزير الطاقة إيلي كوهين عن دعمه القوي لـ “جنود الاحتياط الذين يقومون بعمل مقدس، علينا احتضانهم وليس استجوابهم وإهانتهم”.
الحقيقة أن الهدف الحقيقي من الاعتقالات هو ببساطة الإيهام بأن إسرائيل تتخذ إجراءات داخلية ضد مثل هذه الفظائع، في محاولة لتجنب محاكمات جرائم الحرب الدولية في لاهاي، فوفقاً لتقرير لموقع واي نت الإسرائيلي، قال قانونيون إسرائيليون كبار: “من الأفضل أن نقوم بالتحقيق، فالتحقيقات الداخلية تنقذنا من التحقيقات الخارجية الدولية”.
في مقال نشرته صحيفة هآرتس أواخر الشهر الماضي، أشارت أستاذة القانون، أوريت كامير، إلى التشريع الذي تم تمريره قبل عام للسماح بتشديد العقوبة في حالات الفلسطينيين الذين يعتدون جنسياً على النساء اليهوديات، وبعد مرور عام، كتبت أن البعض داخل المؤسسة الإسرائيلية “لم تعد راضية بمضاعفة العقوبة وكان تعديل قانون الدولة قبل عام مجرد خطوة وكانوا لا يزالون مترددين ومقيدين، أما الآن، فهم يتخلون عن سيادة القانون في البلاد تماماً ويطالبون بتطبيق قانون الانتقام القديم: العين بالعين والاغتصاب بالاغتصاب، فأولئك الذين اعتقلهم الجيش كمشتبه بهم تعرضوا للاغتصاب في الحجز على يد جنود إسرائيليين يهود”.
هل أصبحت مثل هذه الانتهاكات سائدة؟ هناك أدلة كافية، ولكن أين الإدانة العالمية الواسعة؟!
تواطؤ الغرب
تتوافق الروايات التي استشهدت بها بتسيلم مع العديد من التقارير الأخرى التي تسربت من السجون الإسرائيلية خلال الأشهر العشرة الماضية.
إنه مجتمع قد اجتاز حاجزاً غير مرئياً نحو الوحشية، فلا توجد هناك خطوط حمراء ولا احترام للقانون الدولي ولا مساءلة، وصمت الغرب في هذه الحالة يظهر أننا أيضاً قد دخلنا إلى نفس النفق المظلم الذي دخل فيه بن غفير ونتنياهو!
قبل 4 أسابيع، أجرينا مقابلة مع الأسير معزز عبيات وهو في سريره بالمستشفى في بيت لحم بعد إطلاق سراحه من السجن، بعد 9 أشهر من الاعتقال الإداري، فقال عبيات، الذي فقد أكثر من نصف وزن جسمه في السجن، أنه تعرض طوال فترة سجنه للضرب والإساءة والتعذيب والتجويع والحرمان من الماء، مؤكداً أن حالته لم تكن استثنائية، فكل الأسرى الفلسطينيين يواجهون ذلك.
في شهادته، قام معزز بمقارنة سجن النقب، الذي كان محتجزاً فيه، بالمعتقلات الأمريكية في خليج غوانتانامو وأبو غريب، فقد بدا مرعوباً وهو يخبرنا عن عدم تصديقه أن الناس المسالمين الذين لا حول لهم ولا قوة يمكن أن يتضوروا جوعاً وتعذيباً ويقتلوا في القرن الحادي والعشرين دون حماية أو تمثيل قانوني أو غضب دولي!
لا يوجد حتى الآن أي احتجاج دولي، بل لم هناك أي تعليق أو إدانة حتى، فتسونامي الأدلة لم يكن كافياً ليصدر القادة الغربيون أي تصريح، من الرئيس الأمريكي جو بايدن أو نائبته كامالا هاريس إلى ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، كما أننا لم نسمع من رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، الذي تعهد في السابق بدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
نحن نتحدث عن جرائم حرب ممنهجة ارتكبت من قبل دولة تخضع حالياً للتحقيق في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية المحتملة.
كما لم تقم وسائل الإعلام البريطانية، باستثناء صحيفة الغارديان، التي قدمت تغطية كاملة لتقرير بتسيلم، بأي تغطية بل ظلت صامتة وهذا الصمت يعد تواطؤاً.
أما بالنسبة لإسرائيل، فلا يبدو أن غالبية الطبقات السياسية والإعلامية تعتقد أن هناك خطأً كبيراً في تعذيب وإساءة معاملة الأسرى، فقد كان هناك بعض الذين دافعوا بشدة عن المعتدين.
خلال مناظرة إسرائيلية متلفزة جرت مؤخراً، اقترح أحد المشاركين في النقاش أنه يجب أن يصبح استخدام الاغتصاب قانونياً كشكل من أشكال التعذيب، فلك أن تتخيل أن مثل هذه التعليقات ستصبح حديث الرأي العام في أي بلد آخر.
هذه هي علامات وجود مجتمع مريض فعلاً، إنه مجتمع قد اجتاز حاجزاً غير مرئياً نحو الوحشية، فلا توجد هناك خطوط حمراء ولا احترام للقانون الدولي ولا مساءلة، وصمت الغرب في هذه الحالة يظهر أننا أيضاً قد دخلنا إلى نفس النفق المظلم الذي دخل فيه بن غفير ونتنياهو!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)