بقلم جهاد أبو سليم
ترجمة وتحرير مريم الحمد
عاد صدى طبول الحرب الإقليمية يتردد مرة أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ففي خطوة قد تكون إشارة على خطورة الوضع، أبلغ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، بقيام الولايات المتحدة بالإسراع في نشر حاملة الطائرات إبراهام لينكولن والغواصة الأمريكية يو إس إس جورجيا في المنطقة، وبعدها مباشرة، وافقت إدارة بايدن على مبيعات أسلحة بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل.
يأتي هذا التصعيد تحسباً لانتقام إيراني محتمل على اغتيال إسرائيل لزعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، ولكن إيران قد لا تتحرك بمفردها، فمن المرجح أن تقوم إيران وحلفاؤها، وخاصة حزب الله، بضربة انتقامية منسقة، رداً على اغتيال فؤاد شكر، أحد كبار القادة العسكريين في حزب الله.
من غير المؤكد ما إذا كانت الضربة ستكون محدودة أم أنها قد تتحول إلى حرب إقليمية، إلا أن الأمر الواضح هو أن العواقب قد تكون كارثية، ليس فقط على الشرق الأوسط، بل على العالم أجمع، ولكن في ظل تلك التخوفات، من الضروري أن نتساءل كيف وصلنا إلى هنا؟!
العيب في الاستراتيجية
على مدى 15 سنة الماضية، كان هناك الكثير من النقاش داخل دوائر السياسة في واشنطن وخارجها حول التحول الملحوظ في النهج الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، حيث تساءل الكثيرون عما إذا كانت الولايات المتحدة تتراجع عن مصالحها في المنطقة.
في الحقيقة، لم تتراجع الولايات المتحدة قط عن مصالحها في الشرق الأوسط، فهي منطقة غنية بالموارد وبالغة الأهمية من الناحية الاستراتيجية بسبب أهميتها الجيوسياسية خاصة في سياق التوترات التي تشمل روسيا والصين وإيران، ولكن ما حدث هو إعادة معايرة.
في ظل الحاجة إلى التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ والحرب في أوكرانيا، سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف إقليمي مخلص لمصالحها، وكان هذا التحالف، الذي يعتمد على الولايات المتحدة في الحصول على الأسلحة والتكنولوجيا، مصمماً للحفاظ على الوضع الراهن على نحو يخدم المصالح الأمريكية.
هذا التحالف تمثل في اتفاقيات إبراهام التي كانت في الواقع تحالفاً عسكرياً وأمنياً بين إسرائيل والإمارات والبحرين وآخرين، تم تنظيمه لإبقاء المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية، إلا أن هذه الاستراتيجية كان فيها من العيوب منذ نشأتها.
لقد أدى إنشاء هذا التحالف إلى استبعاد الفلسطينيين عمداً وتجاهل حقيقة مفادها أن السلام والاستقرار الحقيقيين في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال إنهاء محنة الفلسطينيين، ولكن بدلاً من ذلك، رأت إسرائيل في اتفاقيات إبراهام كانت فرصة لتجاوز القضية الفلسطينية بالكامل خاصة في الضفة الغربية في الفترة التي سبقت 7 أكتوبر.
من ناحية أخرى، لم تحد إدارة بايدن عن نهج الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث ضاعفت جهودها ودفعت من أجل التطبيع بين إسرائيل والسعودية دون معالجة القضايا الأساسية، والهدف كان واضحاً طبعاً، وهو إنشاء تحالف يكمل جهود الولايات المتحدة في المنطقة ويسمح لواشنطن بتركيز طاقاتها على آسيا وأوروبا.
لقد انهار هذا الترتيب في 7 أكتوبر، حيث تحطمت أسطورة التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي في غضون ساعات قليلة عندما نفذت حماس عملية طوفان الأقصى.
لعقود من الزمن، تم تسويق إسرائيل باعتبارها قوة عسكرية هائلة لا تقهر، وشريكاً رئيسياً يضمن الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولكن بعد 10 أشهر من الإبادة الجماعية الوحشية والمعارك الشرسة في غزة، تجد إسرائيل نفسها غارقة في مستنقع غير قادرة على تحقيق نصر ضد حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية.
بات اليوم نفس الجيش الإسرائيلي الذي هزم الجيوش المشتركة لـ 3 دول عربية في 6 أيام خلال حرب عام 1967، عاجزاً عن هزيمة قوات حرب العصابات في غزة.
المزيد من التعقيدات
مع استمرارها في التورط في غزة، تسعى إسرائيل إلى إثارة إمكانية نشوب حرب إقليمية، حيث يعول نتنياهو على الولايات المتحدة وحلفائها لتنفيذ أوامره لإبقاء المنطقة في حالة حرب دائمة.
لهذا السبب، انتهكت إسرائيل السيادة الإيرانية مرتين، والآن، خوفاً من الانتقام الإيراني، تعتمد على الولايات المتحدة ودول غربية وعربية من أجل حمايتها مما قد يكون انتقاماً إيرانياً محدوداً يهدف إلى إعادة تأسيس إيران، من أجل تحقيق توازن القوى والردع في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
مستقبل الشرق الأوسط ودور الولايات المتحدة فيه يتوقف على هذا التحول الحاسم بلا شك!
نظراً للزيادة في تعقيدات وحجم التوترات، والتي تمتد إلى مناطق واسعة، فإن أي خطوة يمكن أن تؤدي إما إلى تهدئة التوترات أو إشعال المزيد من العنف، فبدلاً من إدراك الولايات المتحدة أن الاستقرار الحقيقي في الشرق الأوسط يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للتوتر والصراع بما في ذلك القضية الفلسطينية، أصرت الولايات المتحدة على نهج القوة والتحالف مع الأنظمة القمعية وتجاهل حقوق الإنسان.
لقد أصبحت إسرائيل اليوم مستعدة لجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى، وباتت الاستراتيجية ذاتها التي كان من المفترض أن تحافظ على الموارد الأمريكية، ولو لأسباب استراتيجية، تؤدي إلى الزيادة في تورط واشنطن خاصة في دعمها الأعمى وغير المشروط لإسرائيل.
هذا هو ثمن السياسة المبنية على الأوهام والمكاسب القصيرة الأمد، ولكن لماذا لا يتعلم صناع القرار السياسي في واشنطن الدرس هذه المرة؟ وهل يجد الأمريكيون أنفسهم مرة أخرى متورطين في حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين، ولكن الأمر المؤكد هو أننا نمر بلحظة حاسمة في التاريخ، وما سيأتي بعد ذلك لن يشبه ما سبقه.
يتعين على الزعماء وصناع القرار السياسي في الولايات المتحدة أن يعيدوا النظر في استراتيجية بلادهم تجاه الشرق الأوسط، فالاستمرار في الاعتماد على التحالفات مع الأنظمة القمعية وقوى الاحتلال مقابل تجاهل الحقوق والتطلعات المشروعة لشعوب المنطقة وخاصة الفلسطينيين، لم يؤد في السابق ولن يؤدِ في المستقبل إلا إلى المزيد من إراقة الدماء وعدم الاستقرار.
إن النهج الجديد ــ الذي يعطي الأولوية للدبلوماسية وحقوق الإنسان والالتزام الحقيقي بالسلام لم يعد ضرورياً فحسب، بل هو أمر حتمي أيضاً، حيث أن مستقبل الشرق الأوسط ودور الولايات المتحدة فيه يتوقف على هذا التحول الحاسم بلا شك!