بعد يوم واحد من دفن شقيقهم، وجد أشقاء الشهيد أحمد العبادلة ساقه على بعد حوالي 200 متر من المكان الذي استشهد فيه في غارة لطائرة بدون طيار تابعة للاحتلال في غزة.
كان أحمد سعيد مسعود العبادلة، 29 عاماً، المصاب بمتلازمة داون، قد نزح لمدة تسعة أشهر تقريباً، واستقر أخيراً في خيمة في مواصي القرارة في خان يونس بغزة مع والدته وشقيقه المتزوج فراس.
وقبل اختفائه لمدة ثلاثة أيام، أراد أحمد العودة إلى منزله في القرارة لتفقد الأضرار التي لحقت به أثناء اجتياح الاحتلال لجنوب قطاع غزة.
وقال شقيقه فراس لموقع ميدل إيست آي: “كان لدى أحمد قدرات معرفية استثنائية لشخص في مثل حالته، فقد التحق بمدرسة الحق في الحياة عندما كان طفلاً، وحصل على شهادة تثبت أنه كان أحد أذكى الأطفال المصابين بمتلازمة داون”.
كان أحمد يقيم مع عائلته في منزلهم في شارع 2 في القرارة لكن الحال استقر بهم في الخيمة التي لجأوا إليها بعد نزوحهم أثناء الحرب، حيث اضطرت عائلة العبادلة إلى ترك منزلها في 10 أكتوبر/تشرين الأول، ثم عادت خلال الهدنة في نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أن تهجر مرتين أخريين حتى انتهى بهم الأمر في منطقة المواصي في القرارة.
“كان يتواصل جيداً مع الآخرين، وكان كلامه واضحاً، وكان يخرج كثيراً بمفرده، ويعرف إلى أين يذهب وكان لديه العديد من الأصدقاء وكان محبوباً للغاية من قبل عائلته والجيران” فراس، شقيق أحمد.
وفي 2 يوليو/تموز، بدأ جيش الاحتلال غزوه لخانيونس، وكثف هجماته بعد أوامر الإخلاء الجماعي، واستمرت المرحلة الأولية من الغزو لمدة أسبوع تقريباً، وانتهت في 10 يوليو/تموز، لكن العمليات العسكرية المتفرقة في خان يونس تواصلت طوال ذلك الشهر، مما أدى إلى نزوح حوالي 40 ألف فلسطيني.
في 25 يوليو/تموز، أخبر أحمد عائلته أنه سيخرج وترك خيمتهم المؤقتة، حيث أكد فراس أن شقيقه كان عادةً ما يغيب لبضع ساعات لزيارة الأصدقاء أو أبناء عمومته في المنطقة قبل أن يعود.
وأضاف فراس: ” بسبب مهاراته القوية في التواصل، لم نكن من تلك العائلات التي تحتجز ابنها المصاب بمتلازمة داون، على الرغم من أننا لم نسمح له بالتجول بمفرده طوال الوقت أيضًا”.
وأشار فراس إلى أن ” إحدى سمات الذكاء لدى أحمد كانت تتمثل في أنه إذا بقي خارجاً حتى وقت متأخر، كان يذهب إلى أحد أبناء عمومته ويقول، تعال معي إلى المنزل، سيوبخونني بالتأكيد على تأخري، كان يدرك ما هو صحيح وما هو خطأ”.
تعمد واضح
وبعد كل اقتحام عسكري لحيّهم في القرارة، كان فراس يأخذ شقيقه في السيارة لتفقد منزلهم وتفقد الأضرار في المنطقة، وفي اليوم الذي اختفى فيه أحمد، كانت عائلته تعتقد أنه كان ينوي على الأرجح أن يفعل الشيء نفسه.
يشرح فراس عن ذلك بقوله: “خرج أحمد مع قريب لنا كان يعاني من محدودية القدرات الإدراكية، ويبدو أنهما كانا يعتزمان تفقد المنزل والمنطقة، لذلك ذهبوا دون أن نعرف”، وبحلول الساعة 9 أو 10 مساءً، شعرت أن هناك خطب ما، ثم جاءني ابن الرجل الذي خرج مع أحمد وقال لي إن والده تأخر أيضاً في العودة إلى المنزل، عندها أدركت أن هناك أمراً خطيراً”.
وفي الليلة نفسها، أبلغ فراس الشرطة عن اختفاء أحمد، وفي صباح اليوم التالي، اتصل بالصليب الأحمر وبحث عنه في غرف الطوارئ ووحدات العناية المركزة ومشرحة مستشفى ناصر في خان يونس ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
وبعد ثلاثة أيام، وتحديداً بتاريخ 28 تموز/يوليو، تلقت العائلة خبراً من أحد الجيران في القرارة يفيد باستشهاد أحمد، الذي بقيت جثته على الأرض بالقرب من منزلهم.
ويتحدث فراس عن ذلك: “ذهب أخي في تلك الليلة للبحث عن أحمد، رغم أن الوضع كان لا يزال خطيراً للغاية، فوجد جثته، التي بدأت بالتحلل بالفعل، بالقرب من منزلنا، فطلب المساعدة من أحد السكان الذي كان يملك عربة تجرها الدواب، فقاموا بنقل جثته على العربة إلى مستشفى شهداء الأقصى، وقمنا بدفنه في نفس الليلة”.
“جثته كانت متحللة بشكل واضح، وكان من الواضح أنه استشهد في اليوم الذي اختفى فيه، ساقاه مبتورتان من الركبتين، كانت إحدى الساقين مفقودة تماماً، وجدناها في اليوم التالي، على بعد حوالي 200 متر من مكان جثته” – فراس شقيق أحمد
تعتقد عائلة أحمد أنه استشهد بغارة لمسيرة تابعة لجيش الاحتلال استهدفته هو وقريبه على وجه التحديد بشكل متعمد، حيث يقول فراس: “أخبرني أخي أنه عندما حرك الجثة، وجد حفرة تحتها يبلغ قطرها حوالي 6 أو 7 سم، نفس الحفرة كانت مرئية في صدره، مما يشير إلى أن الضربة جاءت من الأعلى، وليس من قذيفة مدفعية”.
وأضاف فراس: “هذا أكثر إثارة للقلق لأنه إذا كانت طائرة بدون طيار هي التي ضربته بالفعل، فهذا يعني أن الضابط الذي كان يتحكم في الطائرة بدون طيار كان بإمكانه رؤيته وتشخيصه بوضوح، وتحديده كمدني أعزل، ومع ذلك قصفوه كان الأمر متعمداً بوضوح.”
وبسبب التحلل الشديد لجثته، قام شقيق أحمد بدفنه على الفور، دون السماح لوالدته برؤيته، وعن ذلك قال فراس: “كانت الأيام الثلاثة التي غاب فيها هي الأصعب على والدتنا، عندما علمت أنه استشهد، كانت محطمة وأرادت رؤيته، لكنني لم أسمح لها بذلك، لم أكن أريدها أن تراه في هذه الحالة، أردتها أن تتذكر وجهه الجميل”.
ويزداد شعور عائلة أحمد بالألم على رحيله لأنه كما يقول فراس كان “يدرك الحياة والموت وحاول دائماً البقاء في مأمن من القصف، وظل يطلب منا السماح له بالزواج، كان يعلم أن هناك حرباً على غزة، لكنه أراد أن يعيش”.
وقال فراس إنه عندما اتصل بالصليب الأحمر للإبلاغ عن استشهاد أحمد، أخبره أحد العاملين أن هذه ليست حالة منفردة من حالات استهداف ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تم توثيق عدة حالات لقتل مصابين بمتلازمة داون بطرق مختلفة على يد جيش الاحتلال في غزة.
وخلال الشهر الماضي، أفاد موقع ميدل إيست آي باستشهاد محمد بحر، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 24 عاماً مصاب بمتلازمة داون، بعد اقتحام جنود الاحتلال لمنزل عائلته في حي الشجاعية شرق مدينة غزة في 3 يوليو/تموز.
وبعد أسبوعين من هذا التقرير، اعترف جيش الاحتلال بأن الجنود تخلوا عن بحر، الذي استشهد بعد أن هاجمه كلب عسكري وأصابه بجروح.