في مؤتمر صحفي عقد يوم الاثنين، أثار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو غضب شريحة واسعة من المجتمع الدولي بعرضه خريطة واحدة استبعدت الضفة الغربية المحتلة وأخرى أظهرت الصحراء الغربية منفصلة عن المغرب.
يشتهر نتنياهو عادة بأدائه الإعلامي المبهرج، وهو يحب استخدام الوسائل البصرية لإقناع الجماهير برؤية العالم بالطريقة التي يراه هو بها.
ولأكثر من ثلاثة عقود، كانت الخرائط هي دعامته المفضلة، والتي يحب الإشارة إليها بمؤشر موثوق، وفي بعض الأحيان، تُستخدم الخرائط لإظهار إسرائيل الكبرى، وفي أحيان أخرى، تُستخدم لإظهار إسرائيل المحاصرة المحاطة بالعديد من التهديدات التي غالباً ما تأتي من إيران.
عرض نتنياهو خرائط الشرق الأوسط كما تصورها، وخرائط لإسرائيل بدون الأراضي الفلسطينية، وخرائط تاريخية حيث تبدو إسرائيل أكبر بكثير، وخرائط للمواقع النووية السرية المزعومة لإيران أو شبكتها الإرهابية العالمية المفترضة، وخرائط المستوطنات الإسرائيلية المخطط لها والخرائط التي علق عليها دونالد ترامب.
ويوم الاثنين، كانت نيته واضحة: الاستفزاز، فعلى مدى السنوات الماضية، عرض نتنياهو خرائط تُظهر امتداد إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وفعل ذلك مرة أخرى.
وفي خرجاته الإعلامية التي تشبه كثيراً درس الجغرافيا، استشهد نتنياهو بعبارة “من النهر إلى البحر”، التي تثير عادة جدلاً كبيراً عندما يستخدمها الفلسطينيون، ولكن بالنسبة لنتنياهو، لم يكن في ذلك أي مشكلة.
وللاحتفال بهذه العلاقة الغرامية الدائمة، إليكم بعضاً من أبرز خرائط بنيامين نتنياهو، التي عُرضت على الجماهير في مختلف أنحاء العالم.
خرائط التسعينيات
من الصعب تحديد متى بدأ شغف نتنياهو بالخرائط على وجه التحديد، ربما عندما كان صبياً صغيراً نشأ في القدس ثم في الولايات المتحدة، حيث رسم الزعيم المستقبلي العالم كما رآه.
ما نعرفه هو أنه في وقت مبكر من مايو/أيار 1990، بعد عيد ميلاده الأربعين مباشرة، كان نتنياهو يقف أمام الأمم المتحدة، ويشير إلى خريطة.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في جنيف، عرض نتنياهو، نائب وزير خارجية الاحتلال آنذاك، خريطة توضح توزيع الفصائل الفلسطينية المختلفة التي زعم أنها تهدد وجود إسرائيل.
وفي عام 1997، ظهر نتنياهو وهو يعرض حي هار حوما (جبل أبو غنيم) في القدس الشرقية المحتلة، حيث تم إعطاء الضوء الأخضر لبناء 2500 منزل للمستوطنين اليهود، كانت المنطقة مُحدَّدة باللون الأحمر، وكان نتنياهو، مبتسماً وهو يخلق حقائق على الأرض، ويُظهِر للناس العالم الذي ينوي خلقه.
خرائط إيران
وبينما يستخدم نتنياهو الخرائط بشكل متكرر لإظهار القوة، فمن المهم بنفس القدر بالنسبة له التأكيد على التهديدات المتصورة، وعند توضيح ادعاءاته حول نوايا إيران الخبيثة، فإنه غالباً ما يمد يده إلى خزانة الأدلة من الخرائط.
ففي مقطع فيديو في يونيو/حزيران 2018 بعنوان “هل يمكنك منع رونالدو من تسجيل هدف؟!”، شوهد رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يمسك بكرة القدم ويلعب بها ثم يحملها بينما يشيد بفريق كرة القدم الإيراني لإنقاذه ركلة جزاء من كريستيانو رونالدو ويدعو الشعب الإيراني إلى الإطاحة بحكومته.
وفي حديثه في الأمم المتحدة عام 2012، رفع نتنياهو بوجه عابس رسما كاريكاتوريا لقنبلة بفتيل، ليشير بقلم أحمر إلى “الخط الأحمر” الذي حددته إسرائيل لتخصيب اليورانيوم الإيراني.
وفي المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) عام 2015، استخدم خريطة مغطاة بصور أشخاص وانفجارات وسيارات ووثائق لتوضيح النفوذ العالمي الشرير لإيران، كانت رسالته واضحة: إنهم في كل مكان وهم خارجون للقبض علينا.
وفي حديثه مرة أخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2018، أخرج نتنياهو لأول مرة خريطة “للمستودعات الذرية السرية” في طهران، “مجمع يبدو بريئاً” مع عملية تنظيف السجاد على بعد 100 متر فقط، وقال مازحا: “بالمناسبة، سمعت أنهم يقومون بعمل رائع في تنظيف السجاد هناك”.
وأمام الأمم المتحدة، انتقل نتنياهو بعد ذلك إلى “صورة تساوي ألف صاروخ”: خريطة مطار بيروت، حيث ادعى رئيس الوزراء، دون دليل، أن إيران “توجه حزب الله لبناء مواقع سرية لتحويل المقذوفات غير الدقيقة إلى صواريخ موجهة بدقة، صواريخ يمكن أن تستهدف عمق إسرائيل بدقة 10 أمتار”.
خريطة دونالد ترامب
وبعد اجتماعه مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، في مايو 2019، رفع نتنياهو بفخر خريطة أعطاه إياها كوشنر نيابة عن رئيسه، كانت خريطة لإسرائيل تحمل توقيع ترامب، الحليف الكبير لنتنياهو، الذي رسم سهماً يشير إلى مرتفعات الجولان المتنازع عليها مع كلمة “نيس” مكتوبة بخط اليد في الهوامش.
تم ضم مرتفعات الجولان، وهي هضبة مرتفعة في جنوب غرب سوريا، من جانب واحد من قبل إسرائيل في عام 1981، وهي خطوة لم يتم الاعتراف بها دولياً، ولكن في مارس/آذار 2019، اعترفت إدارة ترامب من جانب واحد بالضم.
خريطة “الشرق الأوسط الجديد”
نعود إلى مكان يحبه نتنياهو وخرائطه: الجمعية العامة للأمم المتحدة، ففي سبتمبر/أيلول 2023، قدم رئيس وزراء الاحتلال خريطة بعنوان “الشرق الأوسط الجديد”، والتي بدت وكأنها تمحو فلسطين من خلال دمج الضفة الغربية وغزة كجزء من إسرائيل.
وفي وقت سابق من نفس الخطاب، أظهر نتنياهو أيضاً خريطة لإسرائيل من عام 1948 تضمنت الأراضي الفلسطينية داخل الدولة المشكلة حديثاً.
وعلى النقيض من خرائطه، لم تسيطر إسرائيل على الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، أو غزة بعد إنشائها في عام 1948 على 80%من مساحة فلسطين التاريخية، بل احتلت إسرائيل هذه المناطق في عام 1967 وظلت تحت السيطرة الإسرائيلية.
واستخدم نتنياهو خريطة “الشرق الأوسط الجديد” للترويج لإعادة تشكيل المنطقة على أساس إقامة علاقات مع الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وأظهرت الخريطة للجمهور ما كان نتنياهو يخبرهم به: أن “سلاماً تاريخياً بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية” في طريقه وأن المنطقة ستكون أفضل حالاً مع إسرائيل (ونتنياهو) في مركزها.
وقبل انتخابات عام 2019، ظهر نتنياهو على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، وهو يحمل مؤشراً في يده، ومعه خريطة توضح الضم المخطط لوادي الأردن وشمال البحر الميت، لقد كانت هذه، مرة أخرى، وسيلة للسياسي لبيع الناخبين رؤيته لإسرائيل والمنطقة.
وفي حين رد الزعماء الفلسطينيون بالقول إن الخطة غير قانونية وستدفن أي فرصة للسلام، فإن هذا لم يكن مهمًا بالنسبة لنتنياهو، الذي كان يعمل بجد لكسب الأصوات بمؤشره الموثوق به.
خريطة الصحراء الغربية
لم يكن يوم الاثنين هو المرة الأولى هذا العام التي يسيء فيها نتنياهو إلى الحساسيات المغربية من خلال التلويح بخريطة تشمل الصحراء الغربية.
ففي مايو/أيار، استخدم نتنياهو خريطة لإظهار مدى عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع ذلك، لم تعترف الخريطة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهي المنطقة التي تطالب بها المملكة منذ عام 1975، بعد نهاية الحكم الاستعماري الإسباني.
وفي عام 2023، اعترفت إسرائيل رسمياً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية كجزء من صفقة التطبيع التي رعاها ترامب بين البلدين في عام 2020.
أجبرت الخريطة إسرائيل على الاعتذار، ببيان اعترفت فيه بـ “خطأ غير مقصود” حيث “يبدو” أن المغرب “انقطع عن صحرائه”.
ولكن بالنظر إلى أن نتنياهو أظهر الصحراء الغربية مرتين على خريطة في غضون بضعة أشهر، ونظراً لحبه للخرائط، فهل كان ذلك خطأً حقًا؟
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)