قتلته إسرائيل ولكن كلماته لا تزال حية… قريبي الذي كانت قصائده نبض فلسطين

بقلم أحمد النجار

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد تحطم قلبي بسبب الحزن على فقد قريبي رشاد أبو سخيلة، بعد أن قتلته القوات الإسرائيلية بدم بارد وأطفأت ضوءاً ساطعاً كان يعبر عن فلسطين، فقد كان من أولئك الذين يتحدثون عن الهوية والثقافة والجمال والحقيقة والتوق إلى السلام.

كان رشاد أكثر من مجرد قريب بالنسبة لي، فقد كان شاعراً لامعاً وممثلاً موهوباً، انطفأت حياته بشكل مأساوي لكن نوره لن ينطفئ أبداً، فقد كان رشاد، الذي توفي عن عمر يناهز 23 عاماً، أصغر شاعر في فلسطين ينشر ديواناً شعرياً، وقد استحوذت مجموعته الشعرية التي تحمل عنوان “رسائل الأرض” على نضالات وطننا وأحلامه. 

كان رشاد يمثل أفضل ما فينا، فقد جسد المستقبل الذي نتوق إليه جميعاً، مستقبل مليء بالإبداع والثقافة والارتباط العميق بجذورنا، ولكن هذا المستقبل يبدو اليوم بعيداً بل وغير مؤكد، فكيف يمكننا أن نتجاوز كل هذه الخسارة؟ وكيف يمكننا التغلب على القتل غير المبرر لشاب كان لديه الكثير ليقدمه؟!

كان لكلماته صدى عميق لدى كل من قرأ مجموعته الشعرية، حيث عبرت عن الألم والحب والقدرة على الصمود لشعب عانى الكثير، ومع ذلك لا يزال يأمل في مستقبل أفضل، فلم تكن قصائده مجرد كلمات على ورق، بل كانت القلب النابض لأمة كانت تناضل من أجل البقاء.

شفاء الجروح

لم يكن رشاد شاعراً موهوباً فحسب، بل كان ممثلاً موهوباً أيضاً، وكان آخر أدواره لعب دور البطولة في المسلسل التلفزيوني المحلي الشهير “قبضة الأحرار”، والذي لعب فيه دور قائد في حماس، وهو الدور الذي يعتقد البعض أنه ربما كلفه حياته، في الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفته في جباليا شمال قطاع غزة.

يعتقد رشاد أن الفن لديه القدرة على تقليل الفجوة والانقسامات وتضميد الجراح وجمع الناس معاً بطريقة لا تستطيع السياسة والصراع القيام بها أبداً، فقد تحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال حياته عن عبثية الحرب، فقد كان يتوق إلى السلام، ليس فقط للفلسطينيين، بل لجميع الشعوب التي تواجه القمع.

لم يكن لرشاد أي انتماءات سياسية أو عسكرية، حتى أنه كتب في صفحته على فيسبوك مرة: “أحترم جميع الأحزاب ولا أنتمي لأي منها”، ومع ذلك، فقد استهدفته إسرائيل، ولو كان ذلك لدوره التمثيلي، فهذا غير مبرر على الإطلاق، إذ لم يكن في فن رشاد أي تأييد لأي أيديولوجية، بل كان فنه انعكاساً للحياة.

لقد كان رشاد راوياً وفناناً، والأهم من ذلك أنه كان إنساناً يؤمن بقوة الكلمات في تغيير العالم

كان رشاد هو من أبناء الأقارب المفضلين لدى والدي، فكان والدي يتحدث عنه بإعجاب كبير، فقد كانت المحادثات معه مليئة بالعمق والبصيرة والحماس للحياة.

عندما كنت في غزة عام 2021، حظيت بشرف حضور حفل إطلاق أول كتاب شعري لرشاد، وقد كانت أمسية لن أنساها أبداً، فقد كانت الغرفة مكتظة بالناس المتلهفين لسماع كلماته، ولم يكن قد أكمل العشرين من عمره آنذاك، ورغم ذلك نجح في أسر الجمهور بقراءة قصائده.

روح الصمود

كان رشاد يمثل أفضل ما فينا، فقد جسد المستقبل الذي نتوق إليه جميعاً، مستقبل مليء بالإبداع والثقافة والارتباط العميق بجذورنا، ولكن هذا المستقبل يبدو اليوم بعيداً بل وغير مؤكد، فكيف يمكننا أن نتجاوز كل هذه الخسارة؟ وكيف يمكننا التغلب على القتل غير المبرر لشاب كان لديه الكثير ليقدمه؟!

لا تزال عائلتي في حالة حداد، ولكننا نشارك باستمرار قصائده وذكرياته على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لإبقاء روحه حية، فقد  قُتل رشاد بسبب موهبته وجرأته على أن يكون صوت الأمل، فإسرائيل لا تستهدف الأفراد فقط، بل تحاول تحطيمنا كشعب عبرمحاولة محو ثقافتنا وهويتنا ووجودنا الفلسطيني.

هذه الجهود مستمرة منذ 76 عاماً منذ النكبة، حيث استهدف الاحتلال الإسرائيلي العديد من قادتنا ومثقفينا وفنانينا، والحقيقة أن قصة رشاد ليست فريدة من نوعها، فقد قتلت إسرائيل الآلاف من الفلسطينيين من أمثاله، وكان ذنبهم الوحيد هو أنهم تجرأوا على التوق لعالم أفضل واستخدموا مواهبهم لإلهام الآخرين!

لا أعرف ماذا أقول أو أفعل في مواجهة هذا الحزن، فقد ترك رشاد ذكراه لا يمكن أن تتلاشى، وجسد صمود وروح الشعب الذي يرفض الانكسار، وما وفاته إلا تذكير ليس فقط بالصراعات المستمرة التي نواجهها، ولكن أيضاً بالقوة التي نمتلكها، فنحن لسنا مجرد ضحايا، نحن ناجون وسوف نواصل النضال من أجل حقنا في الوجود والإبداع والعيش في سلام.

رغم إسكات صوت رشاد، إلا أن رسالته وإرثه سيعيشان، فقد علمنا رشاد أنه حتى في مواجهة الشدائد التي لا يمكن تصورها، يجب علينا الاستمرار في الإبداع والتمسك بالأمل، وقد أظهر لنا أن هويتنا وثقافتنا وأحلامنا تستحق أن نقاتل من أجلها، وهذا شيء لا يمكن أخذه منا أبداً، فارقد في سلام يا عزيزي، فأنت لن تُنسى!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة