بقلم لورنت إيبان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يطفو على السطح خوف جماعي في الشرق الأوسط مع كل زلزال جديد من بيروت إلى عمان، مروراً برام الله أو تل أبيب، حيث تتجوز قوانين الطبيعة القضايا الجيوسياسية والحدود والصراعات، ففي الشرق الأوسط، يعيش ملايين الأشخاص على طول صدع البحر الميت، وهو منطقة خطر زلزالي كبيرة.
يقع الصدع، المتأصل في حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي عند تقاطع الصفيحتين الإفريقية والعربية، ويخترق المنطقة من الجنوب إلى الشمال على مسافة تزيد عن 1200 كيلومتر من خليج العقبة إلى تركيا عبوراً بفلسطين وإسرائيل والأردن ولبنان وسوريا.
“يمكننا أن نتعلم من الزلزال الذي وقع في تركيا، فالمكان الذي وقع فيه الزلزال لم يتحرك منذ عام 1157، على ما يسمى بصدع شرق الأناضول، فحتى لو لم نكن على علم باللحظة التي يقع فيها الزلزال بدقة، إلا أنه من الممكن تحديد المواقع” – البروفيسور شموئيل ماركو- جامعة تل أبيب
بعد أن تعرضت المنطقة لعدة زلازل منخفضة الشدة في العقود الأخيرة، كان آخرها زلزال 6 فبراير عام 2023، ظلت الأسئلة تؤرق سكان المنطقة، فهل من المحكوم على الشرق الأوسط أن يشهد كارثة ضخمة ذات يوم؟! والأهم هل المنطقة مستعدة لذلك؟
يمكن تذكر مشاهد الذعر في عدة مدن لبنانية يوم 6 فبراير عام 2023، حين تعرضت البلاد لهزات قوية على إثر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا المجاورتين، فهرع آلاف اللبنانيين إلى خارج منازلهم، ولم يعد سؤالهم ما إذا كان سيحدث زلزال كبير في المنطقة أم لا، بل متى.
عبر العديد من الخبراء عن هذا الخوف أيضاً، فعلى سبيل المثال، يعتقد أستاذ الجيوفيزياء في جامعة تل أبيب، شموئيل ماركو، أن وقوع كارثة كبرى أمر لا مفر منه، حيث قال في حديثه لموقع ميدل إيست آي: “الماضي هو مفتاح الحاضر والمستقبل، فهو يوضح لنا درجة التردد العالي للزلازل في المنطقة وطبيعتها المدمرة”.
الحقيقة أن حركة الصفائح التكتونية وخاصة الصفيحة العربية، التي تتحرك ببطء ولكن بثبات نحو صفيحة الأناضول إلى الشمال، أمر لا مفر منه، وهذا ما يؤكده مدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح في نابلس بالضفة الغربية المحتلة، جلال دبيك، الذي قال: “نتوقع زلزالاً بقوة 6-7 درجات، مع احتمال أن تتجاوز بعض المناطق في الشمال هذا الرقم”.
أي المناطق ستكون الأكثر تضرراً؟
يبدو أنه في حالة وقوع زلزال قوي، فإن الأردن سيكون الدولة الأقل تضرراً، إلا أن هناك قلقاً كبيراً في أماكن أخرى وخاصة في لبنان، وفي تفسير ذلك يرى أستاذ الهندسة المدنية المتخصص في دراسة الزلازل في جامعة بيروت العربية، يحيى التمساح، أن “التسارع هو نفسه في جميع أنحاء لبنان لأن البلد صغير جداً، وهذا يشير إلى مدى تأثر كامل المنطقة، كما يجب ألا ننسى أيضاً أنه بالإضافة إلى صدع البحر الميت، هناك العديد من الصدوع الثانوية الأخرى والتي يمكن أن تتحرك في أي وقت”.
وفي الجنوب، حدد البروفيسور ماركو عدة نقاط ضعف أولها بين البحر الميت وبحيرة طبرية، وكذلك بالقرب من خليج العقبة، حيث قال: “أحد الأساليب هو البحث عن المواقع الحساسة التي لم تشهد زلازل لفترة طويلة حيث يتراكم الضغط، وفي الحالة الأولى، حدث آخر زلزال كبير في عام 1033، وذلك عبارة عن ألف عام من تراكم الضغط البطيء. أما قرب البحر الميت، فقد وقع آخر زلزال في عام 1212، مع زلزال أصغر في القرن 15”.
أضاف ماركو: “يمكننا أن نتعلم من الزلزال الذي وقع في تركيا، فالمكان الذي وقع فيه الزلزال لم يتحرك منذ عام 1157، على ما يسمى بصدع شرق الأناضول، فحتى لو لم نكن على علم باللحظة التي يقع فيها الزلزال بدقة، إلا أنه من الممكن تحديد المواقع”.
بناء على النظرية بأن الزلازل الكبرى السابقة في تركيا والشرق الأوسط وقعت قبل ألف عام، فهل يمكن الاستنتاج من ذلك أن التمزق الأخير في صفيحة شرق الأناضول تنذر بالسوء بالنسبة للبنان وإسرائيل وفلسطين؟ يجمع المختصون على أنه لا يوجد دليل علمي يؤيد ذلك.
يرى ماركو أنه “ربما مع الزلزال الذي ضرب تركيا، سنشهد إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، لكن لا يزال من السابق لأوانه معرفة ذلك”، ففي حالة وقوع زلزال شمال أو جنوب البحر الميت، هل ينبغي لنا أن نتوقع محو مدن مثل القدس أو رام الله من الخريطة؟ فأجاب ماركو: “الجيولوجيا المحلية مهمة أيضاً، فالمنازل المبنية على الصخور أقل تأثراً من تلك المبنية على الأرض، وكل من رام الله والقدس مبنية على الجبال، مما يجعلها آمنة نسبياً، ومن ناحية أخرى، يمكن أن تتعرض مدن مثل الرملة واللد لأضرار بالغة”.
نقص في الاستعدادات
يصر الأستاذ دبيك على أن زلزالاً بهذه القوة سيكون مميتاً للغاية في الضفة الغربية، فقال في حديثه لموقع ميدل إيست آي: “إن القدرة الفلسطينية على التعامل مع مثل هذا الحدث ضعيفة للغاية، ويرجع ذلك أساساً إلى أننا تحت الاحتلال، فنحن نفتقر إلى البنية التحتية، وليس لدينا مطار، وقد تستغرق المساعدة الدولية من 3-4 أيام للوصول إلى الموقع، حيث يكون الأردنيون والإسرائيليون مرهقين أصلاً بسبب الوضع لديهم”.
ويشير الدبيك أيضاً إلى أن “المؤسسات والمنظمات غير الحكومية تفتقر إلى المعرفة في هذا المجال، كما يزيد صعوبة المهمة وجود العديد من مخيمات اللاجئين، فنحن لا نعاني من الضعف الجسدي فحسب، بل من الضعف الاجتماعي والاقتصادي والبيئي أيضاً”.
“الكثير من المباني ضعيفة بالفعل، فالمباني التي تم تشييدها بعد عام 2013 لا تزيد عن 15-20% من البيئة المبنية، ومن المرجح أن جميع المباني المتبقية لن تكون قادرة على تحمل زلزال شديد، وهذا أمر مقلق للغاية” – البروفيسور يحيى التمساح- جامعة بيروت
يتناقض هذا السيناريو مع أحدث التطورات الإسرائيلية في هذا الشأن، ففي فبراير 2022، أطلقت البلاد رسمياً نظاماً وطنياً للتحذير من الزلازل، ورغم أنها ليست مبنية على أسس “تنبؤية”، إلا أنها يجب أن تكون قادرة على تحذير الأشخاص الذين يعيشون بعيداً نسبياً عن مركز الزلزال، وبحسب ماركو فإن “هذا يكفي لإيقاف قطار حتى لا يخرج عن مساره ووضع مواد خطرة في أماكن آمنة وإغلاق خطوط الغاز والكهرباء ذات الجهد العالي لمنع وقوع مأساة”.
ومع ذلك، يرى ماركو أن هذه الميزة لا تجعل من إسرائيل دولة مستعدة لمواجهة زلزال كبير، فهي تمتلك “تدريباً جيداً على الإنقاذ ولكن ليس كثيراً في الاستعداد”، وأضاف: “تم فرض قوانين البناء المضادة للزلازل فقط في عام 1995، وقد لا تتمكن العديد من المنازل القديمة من المقاومة، ولم نقم بتثقيف السكان بشكل كافٍ حول السلوك المناسب الذي يجب عليهم اتباعه، فالسلطات تخشى من تخويف الناس”.
أما في لبنان، فيتزايد خطر الأضرار الناجمة عن الزلازل بشكل كبير بسبب الاكتظاظ والبناء على تربة رديئة الجودة، فضلاً عن ممارسات مثل إضافة طوابق إلى المباني دون اتخاذ الاحتياطات المناسبة، يؤكد التمساح: “لدينا العديد من الأشخاص المستضعفين، خاصة في بعض أحياء بيروت وفي منطقة طرابلس وعكار، ممن تضررت مبانيهم بسبب الزمن والرطوبة”.
وأشار التمساح إلى أن “معايير مكافحة الزلازل التي فرضتها الدولة عام 2013 لم يتم تطبيقها في كل مكان، بسبب التكاليف التي تتكبدها”، وفي ظل التدهور في الحكومة اليوم، فإن لبنان غير مستعد لمواجهة سيناريو كارثة كبرى.
يؤكد التمساح أن “الكثير من المباني ضعيفة بالفعل، فالمباني التي تم تشييدها بعد عام 2013 لا تزيد عن 15-20% من البيئة المبنية، ومن المرجح أن جميع المباني المتبقية لن تكون قادرة على تحمل زلزال شديد، وهذا أمر مقلق للغاية”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)