بقلم أمير مخول
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد أدى انفجار مئات أجهزة الاتصال التابعة لأعضاء حزب الله إلى مقتل ما لا يقل عن 30 شخصاً وإصابة 4500 آخرين، من بينهم أكثر من 400 في حالة حرجة، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.
وقعت المرة الأولى من الانفجارات في وقت واحد تقريباً وعلى منطقة جغرافية واسعة في العاصمة اللبنانية وضواحيها وفي سوريا، ثم أعقبتها انفجارات جديدة في اليوم التالي، فما لبث أن أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن بداية “مرحلة جديدة” في الحرب على غزة حيث “يتحول مركز الثقل نحو الشمال من خلال تحويل الموارد والقوات”.
تعد هذه الهجمات القاتلة التي شنتها إسرائيل بمثابة جرس إنذار مؤلم لحزب الله ولبنان كدولة، فإسرائيل تهدف من خلاله إلى تغيير توازن الردع القائم وزرع الشك وخيبة الأمل داخل صفوف حزب الله، بل ودق إسفين بين الجماعة والمواطنين اللبنانيين من خلال سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين.
نحن نشهد نموذجاً جديداً ومتطوراً في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، فالتصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان قد يؤدي إلى تهميش حرب الإبادة المستمرة على غزة، وبالتالي تهميش القضية الفلسطينية
من جانب آخر، يذكرنا الهجوم بعملية تخريبية سابقة استهدفت أجهزة الطرد المركزي في مفاعلات تخصيب اليورانيوم الإيرانية، حيث تمكنت إسرائيل آنذاك من الوصول إلى مصنع للرقائق خارج البلاد وزرع متفجرات في الأجهزة التي انفجرت لاحقاً بمجرد تركيبها في المفاعل الإيراني.
يذكر أن إسرائيل تستعد للحرب على “الجبهة الشمالية” منذ سنوات، خاصة بعد انتهاء حربها على لبنان عام 2006، فإسرائيل تدرك أن الحرب مع حزب الله أمر لا مفر منه وضروري لتغيير الواقع الأمني والديمغرافي في الشمال.
وفقاً للتوقعات، من الممكن أن تندلع هذه الحرب في غضون الأيام أو الأسابيع القادمة، ربما لتجنب صعوبات تأجيل شن غزو بري خلال فصل الشتاء الممطر.
نموذج حربي جديد
لقد تم وصف الهجوم الإسرائيلي على شبكة اتصالات حزب الله بأنه “انتصار تكتيكي” من ناحية، و”انتصار” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تعهد بتوسيع الحرب لتأمين الحدود الشمالية من ناحية ثانية، خاصة بعد فرار أكثر من 60 ألف إسرائيلي من منازلهم في الشمال خلال الأشهر الماضية نتيجة لهجمات صاروخية من لبنان.
من خلال قيامها بتفجير الأجهزة في محلات السوبر ماركت في بيروت وفي المناطق المدنية المكتظة بالسكان، فقد قررت إسرائيل على ما يبدو تبني سياسة الإرهاب السيبراني وتوسيعها كجزء من استراتيجيتها العسكرية ضد حزب الله، فقد أشارت إسرائيل إلى أن حربها الوشيكة سوف تكون ضد لبنان وشعبه بالكامل، وأنها لن تميز بين مقاتلي حزب الله والمدنيين اللبنانيين، وأنها سوف تستهدف الجميع دون تمييز.
يضاف إلى ذلك أنه وبعد تصويت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي لصالح توسيع حربه في الجبهة الشمالية، فلن يكون من المستغرب أن تشن إسرائيل ضربة واسعة النطاق على حزب الله ولبنان لردع أي انتقام وتغيير قواعد الاشتباك وتوازن الردع بشكل جذري.
لقد كذبت الخطوة الإسرائيلية الأخيرة أي مزاعم بشأن وقف التصعيد، خاصة بعد انتشار التقارير التي زعمت بأن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يعملون على تخفيف التوترات مع لبنان لمنع نشوب حرب شاملة.
علاوة على ذلك، فإن الادعاءات الإسرائيلية بالهدوء بسبب الاحتجاجات الجماهيرية الداخلية قد ثبت أنها مضللة، فالحقيقة هي أن التفجيرات الأخيرة في لبنان قد خلقت نوعاً من الإجماع الوطني حول حكومة نتنياهو، مما أدى إلى تهميش الصراعات الداخلية داخل الحكومة مؤقتاً، خاصة بين وزير الدفاع ورئيس الوزراء.
لا توجد حتى الآن مؤشرات على أن الواقع الاستراتيجي قد تغير، فرغم الصدمة التي ولدتها الانفجارات في لبنان، إلا أن ميزان الردع وأدوات ممارسة الإرهاب لا تزال قائمة بوسائل أخرى وعلى نطاق متصاعد من الطرفين.
لقد أدركت إسرائيل مؤخراً أن قدرتها على تحقيق نصر استراتيجي وهيمنة إقليمية عبر الوسائل التقليدية في تضاؤل، ولذلك لجأت إلى استخدام شكل مصغر من أسلحة الدمار الشامل واستهداف لبنان على نطاق واسع، وكأن هذه العملية بديل مؤقت لحرب تدمير شاملة لا تستطيع إسرائيل ضمان نتائجها.
نحن نشهد نموذجاً جديداً ومتطوراً في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، فالتصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان قد يؤدي إلى تهميش حرب الإبادة المستمرة على غزة، وبالتالي تهميش القضية الفلسطينية!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)