الإسلاموفوبيا في المملكة المتحدة.. لماذا اضطرت سعيدة وارسي إلى مغادرة حزب المحافظين الذي لم تعد تعرفه؟

بقلم بيتر أوبورن

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

يصعب أن نجد شخصية محافظة بطبيعتها أكثر من سعيدة وارسي، رئيسة الحزب السابقة والوزيرة في حكومة المحافظين، فهي تتمتع بأغلب الصفات المطلوبة كالقيم العائلية وصاحبة الأعمال الصغيرة وممارسة العمل الجاد وخلو سجلها من الاتهامات بالكذب أو الفساد.

كانت البارونة وارسي عضواً في مجلس وزراء رئيس الحكومة السابق ديفيد كاميرون قبل أن تستقيل بسبب ما رأته مبدئياً نهج حكومته “غير القابل للدفاع عنه أخلاقياً” تجاه حرب إسرائيل على غزة عام 2014، في ذلك الوقت، غضبت وارسي من رفض كاميرون وصف الحرب التي ارتقى فيها أكثر من 2100 فلسطيني بأنها “غير متناسبة”، مقارنة بمقتل 73 إسرائيلياً معظمهم من الجنود.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت وارسي معزولة حيث أصبح المحافظون يميلون بشكل متزايد للتعصب والانزياح نحو أقصى اليمين، وخلال السنوات الأخيرة، تسببت العديد من القضايا في ابتعاد وارسي عن المحافظين، بما في ذلك كراهية الإسلام المتزايدة في الحزب وعدائه لسيادة القانون وحقوق الإنسان، كما تجلى في خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا.

وفي الآونة الأخيرة، تزايد الانقسام حول الدعم الأعمى من جانب حكومة المحافظين لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة أثناء المذبحة في غزة، لكن وارسي ظلت مخلصة للحزب، على أمل أن تتمكن من ممارسة النفوذ من داخله، لكنها انهارت ليلة الخميس بسبب العديد من العوامل وأهمها تبرئة المعلمة ماريها حسين في محكمة لندن قبل أسبوعين.

“إعادة محاكمة سرية”

اتُهمت حسين بارتكاب الإساءة العنصرية بسبب رفعها لافتة تصور رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك ووزيرة الداخلية السابقة سويلا برافيرمان على شكل جوز الهند خلال مسيرة سلام ضد حرب غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد أشارت وارسي إلى دعمها للحكم في تغريدة أظهرتها وهي تشرب حليب جوز الهند من خلال قشة.

وفي بيان استقالتها، قالت وارسي إن حزب المحافظين أطلق تحقيقاً بعد رفضها سحب بيانها الداعم للحكم، وقالت: “كان من المقرر أن تُجرى القضية في جلسة خاصة خلف أبواب مغلقة”، مضيفة أنها لم تُبلَّغ حتى بهوية المشتكية، مضيفة: “كان من المفترض أن تكون محاكمة سرية لقضية جوز الهند، لم أكن مستعدة لقبول هذا”.

تُظهر معاملة وارسي كيف يتحول حزب المحافظين بسرعة فائقة في اتجاه حزب البديل من أجل ألمانيا أو التجمع الوطني الفرنسي، وهذا يثير أسئلة مقلقة، فيما كانت وارسي تستحق أن نشكرها على كفاحها وصمودها في مواجهة التعصب.

طيلة اليومين اللذين شهدا محاكمة حسين كنت أتابع القضية وقدمت الأدلة كشاهد خبير، وبينما اقتصر دوري على شرح الخلفية السياسية للقضية، تكفل بالدفاع عنها خبيران أكاديميان كبيران في العنصرية هما جوس جون وغارجي باتاتشاريا، مقدمين أدلة لدعمها عبر العديد من الأمثلة حيث تم استخدام كلمة “جوز الهند” بطريقة مرحة أو ساخرة ورفضوا فكرة أن المصطلح عنصري.

والأمر الحاسم هو أن فريق التحقيق لجأ إلى ثلاثة خبراء في العنصرية لتقديم أدلة للادعاء، لكن ثلاثتهم رفضوا ذلك، وقد سمعت المحكمة أن أحدهم قدم “إجابة مطولة للغاية”، قائلاً إن الكلمة ليست إهانة عنصرية وطلب مشاركة وجهة نظره مع المدعين العامين، وفي هذه المرحلة، أصبح من الواضح أن الادعاء لم يكن لديه حجة ليستند إليها.

لم يمنع ذلك المحافظين من إطلاق تحقيق في قضية وارسي بسبب موافقتها على حكم القاضي، واليوم، يسير المحافظون على طريق الحرب، حيث تم إرسال شخصيات بارزة لتشويه سمعة وارسي.

يقود الهجوم وزير الداخلية السابق والمرشح لزعامة حزب المحافظين الآن جيمس كليفرلي، الذي اتهم وارسي بشن “هجوم خبيث بشكل خاص” والفشل في إدراك “إساءة معاملة زملاء سود آخرين”، وهذا ينطوي على مفارقة عميقة حيث شغل كليفرلي مناصب عليا كوزير للداخلية ووزير الخارجية في الحكومة الأكثر تعصباً في تاريخ بريطانيا.

ولإدراك ذلك، علينا أن نتذكر اللغة الخبيثة حول المهاجرين، وخطة ترحيلهم إلى رواندا، والحديث عن “غزو” المهاجرين ومعاداة الإسلام المستمرة، فأثناء توليه منصبه، لم يحتج كليفرلي على أي من هذا، ولكنه الآن، يتحول بوحشية ضد وارسي لدعمها حكم قاض بريطاني في محكمة بريطانية.

كان يمكن لوارسي أن تتأقلم بسهولة مع أي حكومة محافظة في التاريخ الحديث، من مارغريت تاتشر إلى كاميرون، لكن رحيلها المتردد عن الحزب الذي أحبته ذات يوم يخبرنا أن حزب المحافظين أصبح الآن حركة يمينية متطرفة وليس حزباً سياسياً رئيسياً يمكن للناس المحترمين دعمه.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة