لماذا تلتزم تركيا الصمت منذ اغتيال نصر الله؟

بقلم رغيب صويلو

ترجمة وتحرير مريم الحمد

وفقاً لمحللين، فإن المسؤولين الأتراك كانوا حذرين في تصريحاتهم  عند الحديث عن اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى خلافات مع الحركة اللبنانية تعود إلى دور الأخيرة في دعم الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية. 

قبل أكثر من أسبوع، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من بين مجموعة من الزعماء العرب الذين أصدروا بيانات تنتقد الهجمات الإسرائيلية التصعيدية الأخيرة على لبنان، حيث كتب على اكس: “لبنان والشعب اللبناني هما الهدف الأخير لسياسة الإبادة الجماعية و الاحتلال والغزو التي تنفذها إسرائيل منذ 7 أكتوبر”.

“اغتيال نصر الله على يد إسرائيل هو نتيجة خطيرة لسياسة الاحتلال والتدمير والضم التي اتبعتها منذ سنوات، ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، بل ضد كل شعوب المنطقة” -نعمان كورتولموش- رئيس البرلمان التركي

يذكر أنه قد تم قتل نصر الله، الذي قاد حزب الله لمدة 32 عاماً، بعد أن استخدمت إسرائيل حوالي 10 قنابل أمريكية الصنع من طراز BLU-109 خارقة للتحصينات في الضاحية الجنوبية في بيروت.

في حديث للصحفيين بعد ذلك بيوم، اعترف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بمقتل نصر الله، وبدلاً من إدانة الهجوم، اكتفى بالإشارة إلى أن الهجوم تسبب في ضرب قلب “محور المقاومة” الإيراني، حيث قال: “أعتقد بصراحة أن الفراغ الذي تركه غيابه سيكون من الصعب ملؤه، فوفاة نصر الله كانت خسارة كبيرة لكل من حزب الله وإيران”، موضحاً أنه كان قد التقى نصر الله في بيروت بعد حوالي 10 أيام من هجوم 7 أكتوبر عام 2023.

لعقود من الزمن، اعتمدت إيران على حزب الله وغيره من الوكلاء الذين يطلق عليهم اسم محور المقاومة باعتباره خط دفاعها الأول، فهذه القوى ضرورية لإظهار قدرة إيران على استعراض قوتها خارج حدودها.

بالنسبة لتركيا، فإن النهج الحذر الذي تتبعه حول جريمة قتل نصر الله مفهومة، ففي تصريح لموقع ميدل إيست آي، أشار شخص مطلع على الفكر التركي: “الصمت هو أيضاً بيان، فنحن لم نعرب عن بيان فرح أو حزن، وفي ذلك رسالة لإيران من جانب ورسالة لإسرائيل من جانب آخر”.

لقد كان بيان رئيس البرلمان التركي، وعضو الحزب الحاكم، نعمان كورتولموش، الوحيد الذي اختلف عن الخط العام للحكومة، حيث صرح كورتولموش بأنه يرى أن “اغتيال نصر الله على يد إسرائيل هو نتيجة خطيرة لسياسة الاحتلال والتدمير والضم التي اتبعتها منذ سنوات، ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، بل ضد كل شعوب المنطقة” واصفاً إياه بالشهيد. 

وفقاً للمحلل التابع لمركز أبحاث المجلس الأطلسي، عمر أوزكيزيلجيك، فإنه رغم قلق تركيا من خطط الحرب الإسرائيلية في لبنان والكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة، إلا أن أنقرة لا تريد أن تكون داعمة لإيران ووكلائها.

“أولاً، يجب على أنقرة أن تحافظ على دعمها للمعارضة السورية وأن تتعامل أيضاً مع التحفظات العاطفية للمعارضة، وثانياً، ينبغي لها أن تتجنب الانجرار إلى الخطاب الإيراني بعد 7 أكتوبر حول التوجهات الفلسطينية، فبينما تعطي تركيا الأولوية للدبلوماسية والقانون الدولي، تواصل إيران تغذية النشاط المسلح من خلال الجماعات المسلحة التي تمكنها من التوسع الإقليمي” – مصطفى كانر- المحلل في شؤون إيران والمنطقة في مركز سيتا للأبحاث

قال أوزكيزيلجيك: “لا تزال أنقرة تتذكر الكم الهائل من الجرائم والفظائع التي ارتكبها حزب الله وحسن نصر الله في سوريا والتي دفعت ملايين اللاجئين إلى تركيا، فتركيا تسير على خط توازن بين عدم إظهار التضامن مع حزب الله وإيران من جهة والمطالبة بإنهاء التصعيد الإسرائيلي من جهة أخرى”.

أنقرة وصياغة سياسة جديدة في الشرق الأوسط

كان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من أشد المؤيدين للمعارضة السورية المناهضة للأسد، وقطع العلاقات مع الحكومة في عام 2011 عندما دعم حركة الاحتجاج التي تسعى للإطاحة بالأسد، حيث أصبحت تركيا شريان حياة للمعارضة السورية وقاعدة للشخصيات العسكرية والسياسية.

حتى اليوم، لا تزال العديد من مكونات المعارضة السورية متمركزة في تركيا، وكثيراً ما تجد قوات المعارضة السورية، وكذلك الجيش التركي في شمال العراق، نفسها تقاتل ضد القوات الحكومية الموالية لسوريا!

يذكر أنه في فبراير عام 2020، ردت تركيا على هجوم شنته القوات الروسية والسورية في إدلب تحت مسمى “درع الربيع” التي شهدت مشاركة العديد من المقاتلين المرتبطين بمقاتلي حزب الله، وفي الشهر نفسه، أدى هجوم تركي بطائرة بدون طيار إلى مقتل 9 من أعضاء حزب الله وإصابة أكثر من 30 آخرين. 

يرى المحلل في شؤون إيران والمنطقة في مركز سيتا للأبحاث، مصطفى كانر، أن أنقرة تعمل حالياً على صياغة سياسة جديدة في الشرق الأوسط تهدف إلى فتح فصل جديد مع كل من سوريا ولبنان، وبالتالي اتخاذ موقف وسط حول موقفها من حزب الله وإسرائيل.

في حديثه مع موقع ميدل إيست آي، أوضح كانر أنه “أولاً، يجب على أنقرة أن تحافظ على دعمها للمعارضة السورية وأن تتعامل أيضاً مع التحفظات العاطفية للمعارضة، وثانياً، ينبغي لها أن تتجنب الانجرار إلى الخطاب الإيراني بعد 7 أكتوبر حول التوجهات الفلسطينية، فبينما تعطي تركيا الأولوية للدبلوماسية والقانون الدولي، تواصل إيران تغذية النشاط المسلح من خلال الجماعات المسلحة التي تمكنها من التوسع الإقليمي”.

من جانب آخر، فإن تصرفات إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، بدءاً من اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية والتفجيرات الأخرى التي استهدفت قيادة حزب الله، فإن تركيا قلقة مما أوضحه المصدر المقرب من أنقرة، بأن “إسرائيل في طريقها إلى إعادة إنشاء قوة الردع لديها وتتصرف كقوة مارقة وغير مقيدة، ولكن لا أعتقد أنه يمكنها الاستمرار في سياسة الاغتيالات لفترة طويلة”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة