أدى قصف الاحتلال للطريق السريع بالقرب من معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا إلى توقف حركة المرور بالكامل في هذا الطريق الذي يعتبر شرياناً حيوياً.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن المئات من الذين حاولوا في البداية الخروج من لبنان بالسيارات أصبحوا الآن مضطرين إلى شق طريقهم سيراً على الأقدام.
وقال وزير النقل اللبناني علي حمية للجزيرة أن الاحتلال يفرض “حصاراً غير معلن” على لبنان، وخاصة على النقل البري والجوي.
وكانت الغارات على الطريق السريع قد وقعت بعد يوم من ادعاء جيش الاحتلال أن حزب الله يستخدمه لتهريب الأسلحة.
كما هددت سلطات الاحتلال في وقت سابق “بعدم السماح للطائرات المعادية التي تحمل أسلحة بالهبوط في مطار بيروت المدني”، وهو ما اعتبره البعض تهديداً للميناء الجوي التجاري الوحيد العامل في لبنان.
بل إن حمية وجه بنفسه طائرة إيرانية إلى عدم دخول المجال الجوي اللبناني بعد تحذير الاحتلال، وقد ألغت معظم شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى لبنان أو قامت بتحويلها.
وذكر عماد سلامة، الخبير في السياسة الشرق أوسطية في الجامعة اللبنانية الأميركية، لموقع ميدل إيست آي أن هدف الاحتلال الأساسي من غاراته القريبة من معبر المصنع كان “تعطيل وقطع خطوط الإمداد الرئيسية بين سوريا ولبنان، والتي تعتقد دولة الاحتلال أنها تستخدم لنقل الأسلحة والدعم اللوجستي لحزب الله”.
وأضاف: “ليس لدى سلطات الاحتلال ثقة كبيرة في قوات الجمارك والأمن السورية أو اللبنانية، وتنظر إليهم كمتعاونين متواطئين مع حزب الله”.
وتابع: “من خلال عملية قطع طرق الإمداد هذه، تهدف إسرائيل إلى إضعاف قدرة حزب الله على تجديد ترسانته وضمان عدم وصول شحنات أسلحة جديدة إليه”.
ومع ذلك، فإن عدوان الاحتلال على المعبر الرسمي الوحيد إلى سوريا يعيق بشدة أيضاً العبور المدني والتجاري.
وقال سلامة: “إن إسرائيل لا تتحكم في الأنشطة العسكرية فحسب، بل إنها تمارس أيضاً نفوذها على النقل المدني والتجاري، وتحدد البضائع والأفراد الذين يمكنهم دخول البلاد أو مغادرتها”.
وأوضح أن هذا الوضع “ترك مصير لبنان إلى حد كبير في أيدي إسرائيل التي تسيطر الآن على الكثير من سبل وصول البلاد إلى العالم الخارجي”.
وكان أكثر من 160 ألف شخص قد غادروا لبنان إلى سوريا منذ صعدت دولة الاحتلال الأسبوع الماضي من عدوانها الجوي وبدأت غزواً برياً للبلاد.
ويعد معبر المصنع المنفذ البري الوحيد الذي يعمل بكامل طاقته وهو ذو أهمية ملحة لإيصال البضائع التجارية والمساعدات إلى لبنان.
وقال وديع الأسمر، رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، أن الهجوم على المعبر هو بالتالي “انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي”.
وأضاف أن “إسرائيل تخلق روايتها الخاصة لارتكاب جرائمها”.
بدوره، أوضح جوني خلف، وهو جنرال متقاعد في الجيش اللبناني، لـ ميدل إيست آي أن ما يمر به لبنان الآن “ليس حصاراً حقيقياً”، وذلك لأن “الجو والبحر ما زالا مفتوحين”.
لكنه استدرك بالقول: “حصار لبنان بالكامل يتطلب إغلاق المطار والبحر ومنطقة العريضة التي تربط سوريا بالشمال”.
وذكر خلف أن إسرائيل “ألحقت الضرر باللبنانيين والسوريين الذين يمرون عبر هذا المعبر أكثر مما ألحقت الضرر بحزب الله”.
وأضاف: “لا أعتقد أن حزب الله هو من يتحرك في المكان لأن الإسرائيليين يتجسسون عليه في كل الطرقات، من المصنع إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وحتى بيروت العاصمة أو الجنوب”.
وأضاف أسمر: “في حين أنه من المعروف أن حزب الله ينقل الأسلحة إلى لبنان عبر سوريا، فإن عناصر الحزب لا يمرون عبر الطرق الرسمية”.
وتمتد حدود لبنان مع سوريا الى نحو 400 كيلومتر، وهي معروفة بكثرة الثغرات وغالباً ما تكون المنافذ غير الرسمية فيها ممرات جبلية.
ولا يتوقع خلف فرض حصار كامل على لبنان، معتبراً أن مطار لبنان يظل مهماً بالنسبة للجهات الفاعلة الدولية مثل الولايات المتحدة.
ولكن إذا استمرت الهجمات على الطرق البرية، فقد يصبح الوضع أكثر خطورة.
وبما أن 70% من المغادرين إلى سوريا هم من السوريين، وكثير منهم لاجئون نزحوا من الحرب الأهلية في بلادهم، فإن أسمر يزعم أنهم قد يتعرضون لخطر أكبر إذا استمرت إسرائيل في ضرب المعابر الرسمية.
ويقول أسمر إن العديد من اللاجئين الذين نزحوا من الحرب اختاروا عدم العودة خوفاً من الاضطهاد في سوريا، لكنهم “يرون الآن أن خطر القتل على يد إسرائيل أعلى”.
وقال: “قطع الطريق المعتاد للعودة إلى سوريا من شأنه أن يحول هؤلاء الناس إلى ضحايا للمهربين، وأن يكونوا أكثر عرضة لخطر القصف الإسرائيلي هنا”.
ويرى سلامة أوجه تشابه بين لبنان وغزة في الطريقة التي تحاول بها إسرائيل فرض نفسها كقوة مسيطرة على ما يدخل ويخرج من البلاد، رغم أنه لا يرى أن الوضع قد وصل إلى ذات الحال في القطاع الفلسطيني.
وقال: “من خلال تعطيل خطوط الإمداد، واستهداف البنية الأساسية الحيوية، والسيطرة على حركة المرور الجوي، تعمل إسرائيل فعلياً على عزل لبنان وتقليصه إلى حالة من التبعية”.
وتابع: “لبنان أصبح معزولاً عن بقية العالم، وخاضعاً لشكل جديد من الاحتلال، حيث يتم تقويض سيادته، وتقييد قدرته على التصرف كدولة مستقلة بشكل كبير”.