يروي الكاتب عندليب فرازي صابر قصة الحكماء الثلاثة، وهي شخصيات رمزية تلعب دورًا رئيسيًا في قصة عيد الميلاد، لكن القليل يتفقون على هويتهم أو من أين أتوا بالضبط.
في النسخة المسيحية الغربية من قصة الميلاد، يعبر ثلاثة رجال الصحراء من بلدان بعيدة ودليلهم “نجمة بيت لحم” حاملين هدايا ليسوع المولود حديثًا.
يمثل “الملوك الثلاثة”، كما يُعرفون اليوم، جزءًا مهمًا من الأيقونات المسيحية، وما زالوا يُذكرون في الصلوات.
على سبيل المثال، يُعرف اليوم الثاني عشر بعد عيد الميلاد باسم “عيد الغطاس” أو “يوم الملوك الثلاثة”، للإشارة إلى وصولهم إلى بيت لحم والإعلان عن وصول المخلص في صورة يسوع.
تم ذكر الحدث في إنجيل متى في العهد الجديد، والذي ينص على:” بعد ولادة يسوع في بيت لحم في يهودا، في عهد الملك هيرودس، جاء المجوس من الشرق إلى القدس وسألوا: أين الذي ولد ملكا لليهود؟ رأينا نجمه في الشرق، ولاحظناه وهو يرتفع، وأتينا لعبادته وتكريمه”.
هيرودس هنا هو ملك يهودا سيئ السمعة والتابع الروماني للتقاليد التوراتية، الذي يأمر بقتل الأولاد الرضع الذين ولدوا حول بيت لحم بعد أن حلموا بوصول المسيح اليهودي.
بينما يعتبر الأكاديميون عمومًا أن تاريخ هيرودس الوارد في “مذبحة الأبرياء” هو مجرد أداة أدبية، كان الملك هيرودس موجودًا بالفعل، لكن بشكل أقل يقينًا بشأن هويات “المجوس” المذكورة في الكتاب المقدس.
من هم المجوس؟
في اللغة الفارسية، تشتق كلمة magi من كلمة maga، وتعني الفضائل العظيمة والشهامة والكرم، ويمكن أيضًا اشتقاقها من الكلمة اللاتينية magice، والتي تعني السحر ، أو الكلمة اليونانية magos ، وهي أيضًا أصل كلمة السحر والساحر.
لكن المجوس القدماء لم يُعتبروا كيميائيين أو سحرة، بل رجال حكمة ومكانة كهنوتية، من المحتمل أن يكونوا من أتباع العقيدة الزرادشتية، ماهرين في فن تفسير الأحلام.
يكتب هيرودوت، المؤرخ اليوناني القديم، الذي عاش قبل المسيح بأكثر من 400 عام في كتابه “التاريخ” أن المجوس كانوا إحدى القبائل الست الأصلية للميديين، الذين عاشوا في أرض ميديا، والتي امتدت عبر أجزاء من إيران وتركيا الحديثة.
ويُشار أيضًا إلى المجوس في العهد القديم في كتاب دانيال، الذي سمي على اسم نبي يهودي عاش بين 620 و538 قبل الميلاد وكان معروفًا بمهارته في تفسير الأحلام.
نُقل دانيال من القدس إلى المنفى في بابل عام 606 قبل الميلاد من قبل الملك البابلي نبوخذ نصر، الذي عين دانيال مسؤولًا عن المنجمين والكهنة والعرافين، وهو الدور الذي ظل فيه بعد أن غزا الملك الفارسي داريوس بلاد ما بين النهرين.
وفقًا للكتاب المقدس، أصبح دانيال “رئيس المجوس”، وهو مصطلح جماعي يستخدم لكل من الطبقة الكهنوتية الزرادشتية، بالإضافة إلى “الحكماء” الآخرين.
يقترح دوايت لونجينكر، وهو كاهن ومؤلف كاثوليكي، أن المجوس من الشرق كانوا منجمين ومستشارين من بلاط الملك النبطي في البتراء (الأردن الحديث).
وتشير نظرية أخرى أقل شعبية إلى أنهم وصلوا من اليمن، وهي منطقة كانت توجد بها مناجم ذهب وأشجار بوزويليا وكوميفورا التي تنتج اللبان والمر، وهي الهدايا التي يحملها الرجال في التقليد المسيحي.
الرمزية والتطور
يمثل الذهب الثروة والقوة ويتم تفسيره على أنه علامة على مكانة يسوع الإلهية العالية.
وكان اللبان يستخدم كبخور في طقوس العبادة ويمثل الألوهية، بينما استخدم المر كمسكن للألم وفي تحنيط الموتى لذلك يرمز إلى الموت والمعاناة؛ والزخارف التي من شأنها أن تصبح مهمة في الحياة اللاحقة ليسوع.
وبحلول القرن الثاني، بدأ يشار إلى المجوس بالملوك لفصلهم عن دراسة النجوم، التي اعتبرت هرطقة في المسيحية المبكرة.
وبحلول القرن الرابع، قام كاتب سوري لم يذكر اسمه بتسمية المجوس الثلاثة ووضعهم في ممالك مختلفة، وهم هرمزدة ملك بلاد فارس ويزدجرد ملك سابا وبيروزاد ملك سبأ.
كان للمسيحيين السريان أسماؤهم الخاصة التي أطلقوها على الموقرين الثلاثة: Larvandad) (Gushnasaph, Hormisdas, and. أما المسيحيون الأرثوذكس الإثيوبيون فيسمونهم حور وكرسودان وباسناتير في حين عرفهم الأرمن باسم كاجفا وبادادخاريدا وباداديلما.
وفيما بعد القرن السادس أصبحت هذه الأسماء تعرف في العالم الغربي بـ Balthasar وMelchior وGaspar.
واستمر الجدل حول هوية الرجال المشار إليهم في الكتاب المقدس، وما إذا كانوا موجودين لعدة قرون، ويبدو أنخ لن ينتهي في وقت قريب.
لكن حقيقة ظهورها في واحدة من أكثر القصص التي يتم سردها على نطاق واسع في العالم تعني أنها ستستمر في إثارة اهتمام المؤمنين المسيحيين والأكاديميين على حد سواء لسنوات قادمة.