التاريخ سيحكم على تقاعس المحكمة الجنائية الدولية وعلى القضاة أن يتحركوا الآن أو ليتنحّوا جانباً

بقلم الطيب علي

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

تواجه المحكمة الجنائية الدولية لحظة غير مسبوقة في تاريخها، لحظة قد تشكل إرثها وتؤثر على حياة الآلاف، حيث ارتقى المدعي العام كريم خان وفريقه إلى مستوى تفويضهم، فتقدموا بطلبات إصدار أوامر اعتقال في مواجهة مخاطر وضغوط هائلة.

ومع ذلك، فإن المحكمة الجنائية الدولية ككل تتعثر، حيث إن التأخير في اتخاذ القضاة للقرارات هو فشل كارثي في دعم مهمة المحكمة ذاتها، ذلك أن مهمة القضاة في هذه المرحلة واضحة، وهي النظر في طلب إصدار أوامر الاعتقال.

وفي التصور العام لما ينتظرنا، فإن هذه خطوة صغيرة نسبياً، ولكنها عاجلة، ومع ذلك، فإن هذا التأخير الذي طال أمده ليس ضرورياً ولا معقولاً، حيث إن إلحاح الموقف يستدعي اتخاذ إجراءات فورية لا تتخذ شهوراً من المداولات المطولة.

العوامل الخارجية

لا يوجد حجم من الوثائق أو التعقيد القانوني يمكن أن يبرر هذا التأخير في اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان المدعي العام قد استوفى اختبار الأدلة لإصدار أوامر الاعتقال، وأنا مقتنع بأن العوامل الخارجية تلعب دوراً في التسبب بتباطؤ القضاة.

وكل ساعة تمر تشهد المزيد من الأرواح المفقودة، والرجال والنساء والأطفال العزل الذين يقعون ضحايا للفظائع التي ينطبق عليها الحد الأدنى من جرائم الحرب، وفقاً لمدعي المحكمة الجنائية الدولية.

إن الفشل في إصدار مذكرات الاعتقال أو حتى رفضها يشكل انهياراً هائلاً لغرض إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، ذلك أن مؤسسات المساءلة الجنائية مثل المحكمة الجنائية الدولية لا توجد فقط لمحاسبة الجناة، بل وأيضاً لردع ومنع ارتكاب المزيد من الجرائم.

وعندما تواجه المحكمة الجنائية الدولية جرائم شنيعة مثل جرائم الحرب، فإنها تتحمل التزاماً أخلاقياً بالتصرف بسرعة وحسم، سواء لتحقيق العدالة أو لمنع المزيد من المعاناة.

التزام أخلاقي

وها هو العالم يتأرجح على شفا صراع متعدد الدول له عواقب عالمية وخيمة، وعليه فإن من شأن الإصدار السريع لمذكرات الاعتقال أن يفرض التزامات على الدول في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي قد يؤدي إلى درء تصعيد الحرب، ولكن التأخير من جانب المحكمة يقلل من هذه الفرصة.

قبل سنوات، أتيحت لي الفرصة للجلوس مع مدع عام سابق للمحكمة الجنائية الدولية، وقد عبرت له مباشرة عن حسدي لدور طاقم المحكمة الذين يملكون القدرة على إنقاذ آلاف الأرواح بجرة قلم، وكان رد المدعي العام سياسياً وليس قانونياً، فقد كانوا تحت ضغط هائل، مدركين أنهم يمتلكون القوة، ولكنهم لا يمتلكون الشجاعة للتحرك.

ولكن هذه المرة، لم يكن المدعي العام هو الذي يفتقر إلى الشجاعة، بل كانت المحكمة ذاتها، حيث تجسد هذا الافتقار إلى الشجاعة في تقاعس قضاتها.

وبصفتي محامياً في المحكمة، أجد صعوبة في احترام القضاة والمؤسسات التي تفشل في دعم مبادئ العدالة وسيادة القانون، ولا أستطيع أن أحترم القضاة الذين يسمحون بمواصلة موت الناس تحت مبرر أنهم يحتاجون إلى أشهر لفحص المذكرات القانونية.

إذا كنت تفتقر إلى العزيمة على فعل الصواب، فعليك أن تنحى جانباً لشخص آخر قادر على ذلك، حيث إن تفويض المحكمة يتعلق بحياة البشر، وليس بطموحات مهنية.

الوقت يمر بسرعة، والأرواح تزهق كل يوم وكل ساعة، وسوف يحكم التاريخ على تقاعس المحكمة الجنائية الدولية، ولن يكون ذلك لطيفاً.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة