يرفض عدد كبير من الفلسطينيين في شمال غزة الانصياع لأوامر الجيش الإسرائيلي بالنزوح القسري من مناطقهم تزامناً مع زيادة التوغل البري الإسرائيلي شمال غزة، حيث أصدرت إسرائيل أوامر بالإخلاء الكامل لمن تبقى من سكان شمال غزة البالغ عددهم 400,000 نسمة منذ بدء عملية برية في المنطقة في 6 أكتوبر.
علاوة على ذلك، فقد قامت القوات الإسرائيلية بتوسيع غاراتها على شمال غزة مع وصول الدبابات إلى الطرف الشمالي لمدينة غزة، وقصف مناطق في حي الشيخ رضوان، كما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، أن طائرة إسرائيلية بدون طيار قتلت 5 أطفال كانوا يلعبون بالقرب من مقهى في منطقة الشاطئ شمال قطاع غزة.
بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد قتل ما لا يقل عن 300 شخص في المناطق الشمالية منذ بدء الهجوم قبل 9 أيام، وقد عبرت الوزارة عن خشيتها من أن يكون هناك عشرات الأشخاص الآخرين الذين لقوا حتفهم على الطرق وتحت أنقاض المنازل بعيداً عن متناول الفرق الطبية.
“سيهربون من منطقة قتال إلى أخرى، ففي غزة يتم مطاردة مليوني شخص في مساحة ضيقة لا يوجد فيها مكان آمن ولا أي من ضروريات الحياة، ويتم قصف المباني والخيام والشوارع والسيارات دون سابق إنذار ودون تمييز، كما يتم قصفهم وهم يجمعون رفات موتاهم لدفنهم وأثناء نزوحهم من مكان إلى آخر تحت القصف” – الصحفي الفلسطيني عبد السلام الحايك على فيسبوك
أفاد شهود عيان لوكالة رويترز بأن القوات الإسرائيلية قامت فعلياً بعزل بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا في أقصى شمال القطاع عن مدينة غزة، ومنعت الوصول بين المنطقتين إلا بعد الحصول على إذن فقط للعائلات التي تريد الاستجابة لأوامر الإخلاء ومغادرة البلدات الثلاث، كما فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً كاملاً على مخيم اللاجئين المكتظ بالسكان في جباليا وعزله عن مدينة جباليا.
اضطر عدد كبير من العائلات إلى مغادرة منازلهم بسبب ضراوة الهجمات، فيما قرر غالبيتهم البقاء في منازلهم، فلا مكان آمن جنوباً ولذلك لا يعد خياراً بالنسبة لهم.
وفقاً لشهادة أحد الصحفيين لموقع ميدل إيست آي، فإنه “على الرغم من الوضع المرعب وأصوات الانفجارات التي تصم الآذان، فإن الناس خاصة في جباليا لا يرغبون في ترك منازلهم”، فسكان الشمال يؤكدون أنهم يفضلون الموت في الشوارع بدلاً من الرحيل إلى الجنوب.
يؤكد الصحفي نقلاً عن السكان هناك: “يخبرنا الناس في الجنوب أن الموت وإن كان نفسه في كل مكان، إلا أن الحياة في الجنوب لا تطاق، فهم يعيشون في الخيام”.
وقد أوضح الصحفي أن سكان الشمال يعانون من الجوع، إذ أن هناك فقط توزيع للإمدادات الغذائية المتبقية من المساعدات التي كانت موجودة في شمال غزة قبل بدء الهجوم الجديد، حيث أكدت الأمم المتحدة أنه لم يدخل أي طعام إلى شمال غزة منذ 1 أكتوبر.
يعيش الصحفي المذكور و13 فرداً من عائلته معاً في منزل واحد وسط مدينة غزة، يسودهم الخوف من قيام الجيش الإسرائيلي بتطويق المدينة بالكامل، حيث يقول: “إن الغزو البري هو أسوأ وأقبح شيء، فصوت الدبابات أثناء تحركها ليلاً مرعب وصوت قصفها مرعب، وعلى مدى الليالي الأربع الماضية، أطلق الجيش الإسرائيلي قنابل مضيئة تضيء مدينة غزة بأكملها، الأمر الذي سبب توتراً شديداً”.
“خطة الجنرال”
يعتقد الصحفي أن رفض السكان مغادرة منازلهم في جباليا وبيت لاهيا ومدينة غزة وبيت حانون، قد يجعل “من الصعب على الإسرائيليين تنفيذ مخططاتهم” في الشمال، فالفلسطينيون يخشون أن يكون الجيش الإسرائيلي بصدد وضع الأساس لما أصبح يعرف باسم “خطة الجنرال”، والتي تهدف إلى إخلاء شمال غزة من السكان، مع اعتبار من يختار البقاء أهدافاً عسكرية مشروعة.
دعت “خطة الجنرال”، التي وضعها اللواء المتقاعد جيورا إيلاند وتم اقتراحها في حملة تلفزيونية إسرائيلية في سبتمبر الماضي، إلى التطهير العرقي لشمال غزة، مؤكدة أن من يبقى من سكان الشمال فسوف يواجه المجاعة
من جانب آخر، فقد كشفت صحيفة هآرتس أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تسعى إلى إحياء المحادثات لتأمين إطلاق سراح الرهائن، بل باتت تضغط الآن من أجل الضم التدريجي لأجزاء كبيرة من قطاع غزة، كما نقلت الصحيفة عن قادة الجيش في الميدان قولهم أن قرار شن الهجوم الكبير على شمال غزة تم اتخاذه دون مداولات شاملة والهدف هو الضغط على السكان للمغادرة.
كشفت هآرتس كيف صدرت أوامر للقوات بتنفيذ العملية دون أي معلومات استخباراتية تبررها، وكيف تم اتخاذ القرار على الرغم من تحذير جهاز الأمن العام الشاباك من أن ذلك قد يعرض حياة الرهائن للخطر.
وعلى الأرض، كشف عدد من سكان مخيم جباليا لموقع ميدل إيست آي عن وجود عشرات الجثث التي تعفنت في الشوارع دون أن يتمكن أحد من الوصول إليها أو التعرف عليها، حيث قال عابد علي، أحد السكان: “الأشخاص الذين خرجوا قُتلوا بالرصاص وتركت جثثهم في الشوارعن فلم يتمكن أحد من الوصول إليهم، لا سيارة إسعاف أو دفاع مدني”.
“من منطقة قتال إلى أخرى”
من جانبه، أكد رئيس الأونروا فيليب لازاريني أن العمليات العسكرية المكثفة أجبرت الوكالة على “إغلاق الخدمات المنقذة للحياة”، مشيراص إلى أن بئرين فقط من أصل 8 آبار مياه في جباليا ما زالتا تعملان، فيما
أفاد السكان والمستشفيات بتضاؤل كميات الغذاء والماء والوقود والحطب والإمدادات الطبية بسرعة.
قبل أيام، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء قسري بحق 3 مستشفيات رئيسية في شمال غزة هي كمال عدوان والعودة والمستشفى الإندونيسي، مما أدى إلى احتجاز أكثر من 300 مريض في حالة حرجة، والآن يعد مستشفى كمال عدوان تحت الحصار الإسرائيلي، حيث يتم إطلاق الذخيرة الحية وقنابل الدخان في محيطه.
وفي منشور له على فيسبوك، كتب الصحفي الفلسطيني عبد السلام الحايك من شمال غزة، مؤكداً أن الناس في جميع أنحاء قطاع غزة ليس لديهم مكان يهربون فيه من القصف لأنهم “سيهربون من منطقة قتال إلى أخرى، ففي غزة يتم مطاردة مليوني شخص في مساحة ضيقة لا يوجد فيها مكان آمن ولا أي من ضروريات الحياة، ويتم قصف المباني والخيام والشوارع والسيارات دون سابق إنذار ودون تمييز، كما يتم قصفهم وهم يجمعون رفات موتاهم لدفنهم وأثناء نزوحهم من مكان إلى آخر تحت القصف”.