استشهاد السنوار يضع جدية الولايات المتحدة ونوايا الاحتلال على المحك في مواجهة جهود إحياء المفاوضات

رفع إعلان الاحتلال أمس الخميس عن استشهاد قائد حركة حماس يحيى السنوار في غزة من عزيمة الولايات المتحدة لإحياء المباحثات المجمدة حول اتفاق وقف إطلاق النار، لكن فرص واشنطن في تحقيق ذلك تبدو محدودة في ظل تعنت الاحتلال

ووفقاً لبيان نشره البيت الأبيض يوم الخميس، فقد أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بعملية قتل السنوار ووصفها بأنها “يوم جيد لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم”.

وتطرق بايدن إلى محادثات وقف إطلاق النار الذي لم يتحقق حتى الآن على الرغم من العديد من التصريحات الأمريكية بأن الصفقة “قريبة”. 

وقد أثار إحجام إدارة بايدن عن استخدام أي نفوذ ضد الاحتلال لحمله على وقف إطلاق النار تساؤلات حول صدق الإدارة في رغبتها في إنهاء الحرب على غزة. 

كما أدى ذلك إلى إضعاف التصورات حول قدرة واشنطن على التأثير على الأحداث مع تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران، وغزو إسرائيل للبنان، مما دفع المنطقة إلى شفا حرب شاملة.

وقال بايدن “الآن هناك فرصة للوصول إلى اليوم التالي في غزة بدون حماس في السلطة، وهي فرصة للتوصل إلى تسوية سياسية توفر مستقبلاً أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.

وتابع: “كان يحيى السنوار عقبة لا يمكن التغلب عليها لتحقيق كل هذه الأهداف، وهذه العقبة لم تعد موجودة”.

ووفقاً لمسؤول أمريكي حالي ومسؤولين أمريكيين سابقين كبار فإن المسؤولين الأمريكيين يعكفون الآن “على إحياء محادثات وقف إطلاق النار” التي قال البيت الأبيض قبل أيام فقط إنها مجمدة.

“تحول الزخم إلى حرب لبنان، وإمكانية اندلاع حرب إيران قريباً تجعل غزة ملفاً جانبياً وتجعل مقتل السنوار تعقيداً لا عائقاً” – باتريك ثيروس، السفير الأمريكي السابق في قطر

قال ديفيد شينكر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، لميدل إيست آي: “هذه الإدارة وصلت قبل ثلاثة أو أربعة أشهر إلى أن جدوى الحرب تضاءلت، والآن أصبح لديها الدافع لإطلاق محاولة أخرى للمحادثات”.

ومؤخراً، تواصل كبار مستشاري الرئيس بايدن مع الوسطاء المصرين والقطريين لإعادة إحياء المفاوضات، حيث توقع أحد المصادر التي تحدثت لميدل إيست آي أن يبعث البيت الأبيض رئيس وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز إلى المنطقة في الأسابيع المقبلة.

ويوم الخميس، ظهرت تقارير تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد يقوم برحلة وشيكة إلى الشرق الأوسط.

وقال آلان بينو، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية ومجلس الاستخبارات الوطني لشؤون الشرق الأوسط، لموقع ميدل إيست آي أن استشهاد السنوار “يفتح الباب أمام اتفاق محتمل”.

وأضاف أن الإدارة الأمريكية “ستحاول استغلال هذا الأمر لترى ما إذا كان بإمكانها إخراج المحادثات من الطريق المسدود”.

لكن باتريك ثيروس، السفير الأمريكي السابق في قطر، قال لموقع ميدل إيست آي أن الولايات المتحدة ربما تأخرت كثيراً في التفكير في أن وقف إطلاق النار يمكن أن يخفف من حدة التوترات الإقليمية.

ولمدة عام كامل، قدمت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية لمساعدة إسرائيل في العثور على السنوار وقتله. 

وقال بايدن لشبكة CNN في مايو/أيار الماضي: “قلت لنتنياهو لا ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبناه في أمريكا، لقد أردنا القبض على بن لادن وسنساعدك في القبض على السنوار”.

وخلال أشهر من محادثات وقف إطلاق النار، ألقت الولايات المتحدة باللوم على حماس وتحديداً على السنوار مدعية أنه يمثل حجر عثرة في طريق صفقة كبرى يمكن أن تنهي الحرب في غزة وتقلل من التوترات الإقليمية.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي يوم الثلاثاء، قبل 48 ساعة فقط من استشهاد السنوار: “أتمنى لو أستطيع أن أخبرك أن هناك مفاوضات جديدة في متناول اليد لكن لا يوجد شيء من ذلك، وهذا لأن السيد السنوار لم يُظهر أي اهتمام على الإطلاق بمواصلة هذه المناقشات”.

ويُعتقد على نطاق واسع أن السنوار هو العقل المدبر للهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل وأنه كان صاحب السيطرة العليا على المقاتلين والأسرى في غزة، سيما بعد تم تعيينه رئيساً لحماس بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز.

ويقول المحللون والمسؤولون الإقليميون أن السنوار كان مفاوضاً متشدداً وأنه كان يؤمن بأن عدد الشهداء المدنيين في غزة واشتعال التوترات الإقليمية كانت ضربات لمكانة إسرائيل على الساحة العالمية وضربة لمكانتها الأمنية، ولم يكن يشعر بأي إلحاح لإنهاء الحرب دون تحقيق شروطه.

وقالت ميريسا خورما، الخبيرة في مركز ويلسون، لموقع ميدل إيست آي: “كان السنوار دائماً صاحب الكلمة الأخيرة، هذا صحيح، ولكن إذا كانت إدارة بايدن تعلم أنه كان العقبة، فقد حان الوقت الآن لنرى خطتها البديلة، ومن كان مسارهم البديل للتوصل إلى اتفاق؟”

لا استسلام؟

وفي حين ألقت إدارة بايدن باللوم على السنوار لعدم إحراز تقدم بشأن وقف إطلاق النار، إلا أن إسرائيل هي التي تنصلت بانتظام من المحادثات وأضافت مطالب يقول المحللون إن تلبيتها قد يكون مستحيلاً على حماس أياً كان قائدها.

وداخل غزة، أصرت إسرائيل على احتفاظ جيشها بالقدرة على العمل حسب رغبتها، حتى لو أعادت حماس الأسرى المتبقين الذين تم أسرهم في 7 أكتوبر 2023.

كما طالب نتنياهو بالحفاظ على سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا بين غزة ومصر وممر نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبه.

وقال مايكل وحيد حنا، مدير البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية: “هناك خطوط حمراء معينة لدى حماس مثل الاحتلال الإسرائيلي الدائم لغزة مع أو بدون السنوار”.

وفي حين أظهرت حماس قدرتها على ضرب القوات الإسرائيلية وإطلاق الصواريخ، يقول المحللون إنها ليست بذات القوة القتالية التي كانت عليها قبل هجوم 7 أكتوبر 2023، وأن استشهاد السنوار سيكون له تأثير عملي وليس رمزي فقط.

ومع تدفق الأسلحة الأمريكية بانتظام إلى إسرائيل وانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024 بعد ثلاثة أسابيع فقط، من المرجح أن يعتمد مصير محادثات وقف إطلاق النار على حسابات حماس.

وقال بينو: “من الناحية الاستراتيجية، لا تريد حماس إنهاء هذا الأمر بشروط إسرائيل، ولكن لأسباب تكتيكية، قد تكون الآن أكثر استعداداً للنظر في وقفة تساعدها على إعادة تجميع صفوفها واستثمار شعبيتها لدى الفلسطينيين”.

وعبر تاريخ الصراع، استشهد العديد من قادة حماس بينهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين وقائدها إسماعيل هنية بينما ورد أن آخرين مثل ومروان عيسى ومحمد ضيف قد استشهدوا خلال الحرب الحالية.

وتعود آخر محاولة جادة للتوسط في وقف إطلاق النار إلى يوليو/تموز عندما التقى مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز بمسؤولين قطريين وإسرائيليين ومصريين في روما. 

وبعد وقت قصير من ذلك الاجتماع، اغتالت إسرائيل هنية في طهران وفي غضون شهر واحد قضت على معظم كبار قادة حزب الله وغزت لبنان.

ونقلت إسرائيل الحرب في غزة إلى لبنان وسط إحباط من إصرار حزب الله على ربط الهدنة مع إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة. 

وشرع الحزب اللبناني في إطلاق الصواريخ على إسرائيل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما اعتبره تضامناً مع الفلسطينيين.

“الوضع الإقليمي لم يؤد إلا إلى تعقيد محادثات غزة، والأمور تغيرت مع الحرب في لبنان والضربة الإسرائيلية الوشيكة على إيران” – ميريسا خورما، مركز ويلسون

وقالت حنا: “نفس المؤسسة الأمنية في إسرائيل التي تدفع باتجاه وقف إطلاق النار في غزة تريد مواصلة الحرب في لبنان”.

وأضافت حنا: “الآن قد نكون في سيناريو ملتو، حيث السؤال هو: هل تنفصل حماس عن حزب الله والجبهة اللبنانية؟”.

من جانبها، احتفلت إسرائيل باستشهاد السنوار في الشوارع ليلة الخميس، كما احتفل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالنصر، قائلاً إن رحيل السنوار في رفح كان بمثابة إثبات لقرار حكومته بشن هجوم دموي على رفح في مايو/أيار، على الرغم من مطالبات منظمات حقوق الإنسان والولايات المتحدة وجيران إسرائيل العرب بعدم شن الهجوم.

وقال نتنياهو : “الحرب لم تنته بعد”، مما يشير إلى أن إسرائيل قد تتطلع إلى استخدام زخم استشهاد السنوار لتبرير هجومها بشكل أكبر.

لكن نتنياهو أشار أيضاً إلى أن إسرائيل تعتبر مهمتها في قتل كبار قادة حماس مكتملة، وقال مخاطباً مقاتلي الرتب والملفات: “من يلقي سلاحه ويعيد أسرانا سنسمح له بمواصلة الحياة”. 

ويقول المحللون إنه ليس من الواضح من سيخلف السنوار في قيادة حماس، لكن المرشحين الأكثر ترجيحاً هما خليل الحية، نائبه في غزة، والزعيم السابق لحماس خالد مشعل، المقيم في قطر وشقيق السنوار، محمد السنوار، وهو أيضاً قائد في ميدان القتال في غزة.

ويقول مايكل ميلشتاين، المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية، إن حماس قد تنتهي إلى زعيم أكثر مرونة، لكن لا يزال السؤال مفتوحا حول ما إذا كان من الممكن تعديل الحكومة الإسرائيلية.

وقال ميلشتاين لـ ميدل إيست آي: “إذا تم ملء الفراغ الذي خلفه استشهاد السنوار بزعيم من الخارج، فقد تكون حماس أكثر مرونة، لكن السؤال الآخر هو عن السياسة الإسرائيلية، فليس من السهل على نتنياهو إقناع أعضاء حكومته بدعم الاتفاق”.

ويقول بعض المحللين أنه في حال وافقت حماس على بعض مطالب إسرائيل، فقد يوافق نتنياهو على وقف إطلاق النار سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية المتقاربة بعد أسابيع قليلة.

ويواجه نتنياهو تهديدا أمريكيا غير عادي بحجب الأسلحة عن دولته بسبب الأزمة الإنسانية في شمال غزة وقد يرغب أيضا في وقف إطلاق النار، حتى ولو جزئيا لبدء عملية التفاوض على مستقبل غزة بعد الحرب مع الإدارة الأمريكية القادمة.

وقال شينكر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية: “حتى لو قبلت حماس وقف إطلاق النار، فهل يوجد زعيم في غزة يمكنه إعادة الرهائن إلى إسرائيل؟ هذا ليس واضحاً في الوقت الحالي”.

وأضاف: “بالطبع، لن تمنح إسرائيل حماس أو السلطة الفلسطينية حرية التصرف في إدارة معبر رفح الحدودي”.

مقالات ذات صلة