بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يتمتع ديفيد كاميرون بعقلية رفيعة المستوى وهو متقن لمهارات العرض الموجزة والمتميزة، ورغم ذلك، فقد قدر له أن يُصنف كأسوأ وزير خارجية بريطاني منذ الحرب العالمية الثانية والأسوأ أخلاقياً، وأنا أميل إلى استخدام مصطلح فاسد.
فعندما عينه رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك وزيراً للخارجية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان المسار الرهيب للأحداث واضحاً للجميع، ففي ذلك الوقت، أطلق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو آلة القتل لتعمل في غزة، وأعلن عن نواياه عندما استدعى رواية “العماليق” التوراتية، مع التعليمات الرهيبة لإبادة الرجال والنساء والأطفال.
ومع ذلك، منذ اللحظة التي تولى فيها كاميرون وزارة الخارجية، جعل من مهمته تمكين وتسهيل ودعم ما كان كثيرون يخشون حتى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن يتحول إلى إبادة جماعية.
وفي مواجهة الأدلة المتزايدة على جرائم الحرب الإسرائيلية، قاوم كاميرون الضغوط لإنهاء مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وأمر بتعليق مساعدات المانحين البريطانيين لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، على أساس ملف هش لا يستند إلى أدلة وزعته إسرائيل يتهم موظفي الوكالة بلعب دور في الفظائع التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويبدو أن كاميرون لم يبذل أي محاولة لإجراء تقييم مستقل للمزاعم الإسرائيلية بشأن الأونروا، المنظمة الوحيدة القادرة على تخفيف جوع الفلسطينيين.
حكم الإرهاب
هاجم كاميرون محكمة العدل الدولية بسبب تحقيقاتها في مزاعم مفادها أن إسرائيل كانت تنفذ إبادة جماعية، وربما كان الأسوأ من ذلك كله، أنه بذل قصارى جهده لمنع كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، من مسعاه للحصول على إذن بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وكبار شخصيات حماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وحذر المحامي الفلسطيني راجي الصوراني مؤخراً من أن غزة أصبحت “مقبرة للقانون الدولي”، مشيراً إلى أن الغرب “يعرض شيئاً ثميناً للخطر” من خلال حماية إسرائيل من عواقب أفعالها وقال أن المؤرخين سوف يلعنون كاميرون.
ولكن هذا الأسبوع، خرج لامي عن صمته بفكرة جديرة بالاهتمام، لقد قال: فلنفرض عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
يدير هذان الوزيران الضفة الغربية المحتلة فعلياً، حيث أسسا حكماً إرهابياً في تحدٍ ليس فقط للإنسانية الأساسية، بل وأيضاً للقانون الدولي.
أنا أكتب هذا المقال من مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، حيث نشعر بشدة بتأثيرات السياسات القاتلة التي انتهجها بن غفير وسموتريتش.
ولكي نحدث فرقاً حقيقياً، يتعين على لامي أن يلاحق العقول المدبرة وراء الاستيلاء الإسرائيلي الوحشي وغير القانوني على الضفة الغربية المحتلة
فعلى بعد حوالي 10 كيلومترات إلى الجنوب من هنا تقع بلدة حوارة، حيث شن المستوطنون الإسرائيليون مذبحة عنصرية في أوائل العام الماضي، ورد سموتريتش بالدعوة إلى “محو” حوارة بالكامل من قبل إسرائيل.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، مررت بسيارتي بالقرب من حوارة في طريقي إلى قرية بيتا الخلابة، التي تقع على التلال المرتفعة، وهنا، نستطيع أن نلمس التأثير الخبيث الذي يمارسه بن غفير على نحو واضح.
فالقرويون يتعرضون للمضايقات من قبل مستوطني مستوطنة إفياتار التي تم بناؤها حديثاً، ويقول أحد المزارعين، واسمه محمد باسم نجار، أن الوضع ساء بشكل خطير منذ زار بن غفير إفياتار في يونيو/حزيران الماضي.
في تلك الزيارة، تعهد وزير الأمن القومي بأنه: “يتعين علينا أن نستوطن أرض إسرائيل وفي الوقت نفسه أن نطلق حملة عسكرية، ونفجر المباني، ونقتل الإرهابيين، ليس واحداً أو اثنين، بل العشرات، والمئات، أو إذا لزم الأمر، الآلاف”.
وقال النجار: “لقد ساء الوضع كثيراً منذ ذلك الحين”، وأضاف أن مئات المستوطنين، تحت حماية جنود مسلحين، حاصروا منزله وهم يصرخون: “سنقتل أطفالك”، لقد سرقوا حيوانات مزرعته، ودمروا معداته الزراعية وأشجار الزيتون، واعتدوا عليه وعلى أطفاله.
السياسة الملتوية
بالمناسبة، كانت قرية بيتا هي المكان الذي قُتلت فيه المواطنة الأميركية عائشة نور إزجي إيجي برصاصة أطلقها قناص من جيش الاحتلال الشهر الماضي، كانت قد ذهبت إلى سطح المبنى الذي أطلق منه القناص الرصاصة القاتلة، ثم سارت لمسافة تزيد عن مائتي متر عبر أرض وعرة إلى حيث كانت واقفة عندما سقطت.
وبعد أن رأيت هذا، أعتقد أنه لا يمكن أن يكون القتل عرضياً كما يزعم الجيش الإسرائيلي، بل يبدو أنه كان اغتيالاً متعمداً وبدم بارد.
وبالرغم من ذلك، لم تقع على إسرائيل أي عواقب، كما لم تكن هناك أي عواقب عندما قُتل قرويون عزل آخرون من بيتا على أيدي جنود أو مستوطنين في السنوات الأخيرة، وهي نفس الحكاية في العديد من القرى الأخرى.
لقد بدأ موسم حصاد الزيتون، ونحن نسمع التقارير المعتادة عن الاستيلاء على الأراضي والهجمات على المزارعين أثناء قيامهم بعملهم.
وفي الحقيقة فإن بن غفير وحش، وأقرب مقارنة بينه وسياساته العنصرية الملتوية مع بريطانيا تكمن في تومي روبنسون، الذي يخضع حالياً للتحقيق بتهمة التحريض على أعمال الشغب العنصرية خلال الصيف الماضي.
في بريطانيا، لن نفكر في انتخاب روبنسون لحكومة، ولكن بن غفير يتمتع بالعديد من سلطات وزير الداخلية البريطاني. إنه زعيم حزب أوتزما يهوديت (القوة اليهودية)، وهو من أتباع حركة كاهانا وهي منظمة أيديولوجية عنصرية عنيفة تدعو إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم، وقد أدين ثماني مرات على الأقل بجرائم يصعب أن نحصيها كلها بما في ذلك التحريض العنصري والارتباط بالإرهاب.
مشروع شرير
ظهر اسم بن غفير لأول مرة قبل ثلاثين عاماً بطريقة مخيفة، فقد هدد رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين على الهواء مباشرة قبل اغتياله بفترة وجيزة.
ومؤخراً، عندما اعتقلت الشرطة الإسرائيلية تسعة جنود إسرائيليين بتهمة الاعتداء على سجين فلسطيني، جاء بن غفير للدفاع عن الجنود.
أما سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية، فهو أكثر شراً، فقبل سبع سنوات، نشر ورقة اقترح فيها “السيادة الإسرائيلية الكاملة على مناطق قلب يهودا والسامرة”، إلى جانب إنشاء “مدن ومستوطنات جديدة في عمق الأراضي وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للعيش فيها”.
ويستبعد مثل هذا المشروع أي فكرة لحل الدولتين، وهو غير قانوني بموجب القانون الدولي، وعندما نُشرت خطته، كان من السهل التنصل من دعوات سموتريتش باعتباره متمرداً، أما الآن، فبصفته وزيراً للمالية مسؤولاً عن الإدارة المدنية للضفة الغربية المحتلة، أصبح في وضع يسمح له بتنفيذها.
من الجيد جداً أن يدعو كاميرون إلى فرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش اليوم، فقد أتيحت له الفرصة للتصرف عندما كان وزيراً للخارجية.
والآن أتيحت الفرصة لخليفته ديفيد لامي للقيام بما فشل كاميرون في القيام به، إما بسبب الكسل أو الجبن، ولحسن حظه، فقد وافق لامي هذا الأسبوع على فرض عقوبات على عدد صغير من المنظمات الاستيطانية والبؤر الاستيطانية.
ولكن لإحداث فرق حقيقي، يتعين على لامي أن يلاحق العقول المدبرة وراء الاستيلاء الإسرائيلي الوحشي وغير القانوني على الضفة الغربية المحتلة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)