بعد عام على الحرب… استمرار تواطؤ الإعلام الغربي وتجاهل معاناة الفلسطينيين في غزة

بقلم عمر فاروق

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد ظنت ليلى أنها قد شاهدت كل ما يمكن أن تراه خلال عام من الحرب الإسرائيلية على غزة، ولكونها من غزة بالأصل، فقد شهدت الاحتلال الإسرائيلي للقطاع بشكل مباشر كصحفية هناك منذ أوائل العقد الأول من القرن 21.

ظلت ليلى ملتصقة بهاتفها طيلة العام، تتصفح صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بلا توقف لرؤية أحدث مقاطع الفيديو القادمة من غزة، حيث رأت أطفالاً تقطع رؤوسهم وجثثاً تتحلل على الأرض وآباء يحملون جثث أطفالهم وعدد لا يحصى من الأطراف المقطعة في كل مكان!

كان كل ذلك مرعباً، حتى أتى مشهد أصعب وذلك عندما أصابت غارة جوية إسرائيلية خياماً للنازحين داخل ساحة مستشفى في دير البلح في غزة، مما أدى إلى اندلاع حريق هائل واستشهاد عدد من الأشخاص، عند ذلك أدركت ليلى أنه ما زال هناك المزيد من الفظائع القادمة!

“الناس يسيئون الفهم، فالعالم يحتاج إلينا لأننا أصبحنا البوصلة الأخلاقية للعالم”

شابة من غزة

في حديثها لموقع ميدل إيست آي، قالت ليلى: “إنه لأمر مرعب أن ترى كل شيء يتم تسويته بالأرض وتدميره وحرقه أمام عينيك، فكل ما كنت تعرفه ينهار ويختفي، وأنت تشعر بالعجز حيال ذلك”.

لقد كانت مشاهد الحريق من أكثر المشاهد المرعبة التي تم تداولها في أوساط الأمريكيين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت اللقطات على الفور، وحصدت ملايين المشاهدات في غضون ساعات قليلة.

أما بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، فإن لقطات شعبان الدلو، البالغ من العمر 19 عاماً وهو يُحرق حياً بينما كان مستلقياً على سريره في المستشفى موصولاً بمغذي الوريد، قد كشفت عن مستوى جديد من الألم، بعد قصف مستمر لغزة منذ أكتوبر عام 2023.

في تعليقه لموقع ميدل إيست آي، قال عضو حركة الشباب الفلسطيني الذي اختار استخدام اسمه الأول فقط، منير: “سوف تظل الصور من دير البلح محفورة في ذاكرتي وذاكرة كل صاحب ضمير في جميع أنحاء العالم ممن رأى الصور، ففي كل مرة نعتقد أن هذه الإبادة قد وصلت إلى الحضيض، يصبح الأمر أسوأ”.

بعد أن كان اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية قد تحول مؤخراً نحو حرب إسرائيلية محتملة مع إيران، عادت محرقة المستشفى إلى إجبار وسائل الإعلام الكبرى على تغطية الحدث، وذلك بعد أن أصبحت غزة لم تعد تحظى باهتمام مؤخراً، رغم استمرار الهجمات الإسرائيلية على القطاع بشكل يومي.

يقول منير: “من المؤلم للغاية أن نكون مضطرين إلى مواصلة مشاهدة هذا الرعب بينما ترفض وسائل الإعلام الأمريكية الاهتمام مطلقاً، فهي وسائل إعلام متواطئة تماماً في هذه الإبادة الجماعية، ولا حجة للأمريكيين في عدم معرفة ما يحصل خاصة وأن أموالهم هي من تمول الإبادة حرفياً”.

“غزة البوصلة الأخلاقية”

لا تزال نصف عائلة ليلى في شمال قطاع غزة، الذي يخضع حالياً لحصار عسكري إسرائيلي تحت ما سمي “خطة الجنرال”، فقد فقدت ليلى الاتصال بالعديد من أقاربها، وإذا ما تمكنت من التحدث إلى أحدهم، فإنها تحاول إجراء محادثات عادية في محاولة لصرف تركيزهم عن الخوف من التعرض للقتل على يد القوات الإسرائيلية.

“آلية التكيف هي الاستمرار في القيام بما نعرفه، ومحاولة النضال والتنظيم كل يوم لبناء حركة أكبر وأقوى لتحدي حكومة الولايات المتحدة لإنهاء تواطؤها واستخدام قوتها لوقف الإرهاب الإسرائيلي ضد شعبنا” – حاتم أبو دية- رئيس شبكة الجالية الفلسطينية الأمريكية

تقول ليلى: “بصراحة، نحاول أن نضحك خلال المحادثات، وأحد أبناء عمومتي يقيم في مزرعة صغيرة لنا، لذلك أسأله عن أشجار الزيتون وكيف يسقيها ويعتني بها، فيخبرني كيف يستخدم كل ما يمكنه زراعته للمساعدة ونقله إلى الناس”.

مع ذلك، فمن الصعب صرف الناس عن الحزن جراء مشاهدة الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين بشكل يومي، فغزة التي تعرفها ليلى لم تعد موجودة، وهي تعلم أنها لن تعود على الأرجح، فتقول: “معظم الأشياء التي أعرفها قد اختفت الآن، من منزل جدي إلى رحيل عمتي واختفاء حينا في الرمال وجميع الأماكن التي كنا نزورها ونصلي فيها”.

منذ أسابيع، توقف والد ليلى البالغ من العمر 80 عاماً عن التحدث بسبب شعوره الغامر بالحزن واليأس، وتقول ليلى: “قمت بإجراء مكالمة هاتفية مع ابن أخي أبي الأكبر في غزة، فهو الذي يقوم برعاية الجميع هناك ويحاول رفع معنويات والدي، فيقول له (أنت أكبرنا وأكثرنا قدرنا، سيكون الأمر على ما يرام ونحن جميعاً نحبك”.

لقد أعادت هذه اللحظة ليلى إلى محادثة أجرتها مؤخراً مع امرأة شابة في غزة، كانت قد أخبرت ليلى أن الفلسطينيين في غزة لا يحتاجون إلى العالم، بل إن العالم يحتاج إلى الشعب الفلسطيني في غزة، حيث نقلت ليلى على لسان الشابة قولها: “الناس يسيئون الفهم، فالعالم يحتاج إلينا لأننا أصبحنا البوصلة الأخلاقية للعالم”.

“رفض سياسة اليأس”

رغم الوضع المتدهور في غزة، إلا أن العديد من الأمريكيين الفلسطينيين يتمسكون بالأمل، ليس أملاً بقيام الولايات المتحدة بتغيير سياستها، مثل مطالبة إسرائيل بإنهاء الحرب أو قطع المساعدات العسكرية عنها، ولكن الأمل معقود على الشعب الفلسطيني الذي يعيش في غزة والضفة الغربية بأنه سوف يستمر في مقاومة إسرائيل.

في الوقت نفسه، سوف يستمر الفلسطينيون الأمريكيون داخل الولايات المتحدة في التنظيم والتعبئة في الشتات لجذب الانتباه إلى محنتهم، حيث أكد رئيس شبكة الجالية الفلسطينية الأمريكية، حاتم أبو دية، في حديثه لموقع ميدل إيست آي قائلاً: “إن هذه المشاهد تسبب أثراً عاطفياً ونفسياً وحشياً علينا كفلسطينيين ولبنانيين ويمنيين وسوريين وعراقيين وعرب وإيرانيين، وعلينا كمجتمع جماعي”.

وأشار أبو دية إلى أن “آلية التكيف هي الاستمرار في القيام بما نعرفه، ومحاولة النضال والتنظيم كل يوم لبناء حركة أكبر وأقوى لتحدي حكومة الولايات المتحدة لإنهاء تواطؤها واستخدام قوتها لوقف الإرهاب الإسرائيلي ضد شعبنا”.

ولا يعتقد أبو دية أن الاهتمام بغزة يتضاءل، بل يرى أن المؤمنين بالقضية الفلسطينية سوف يبقون القضية حية تتصدر الخطاب العام، حيث يقول: “سوف نتأكد من أن كل محادثة حول انتخابات نوفمبر في الولايات المتحدة سوف تتضمن مواقف المرشحين حول فلسطين، فلن نسمح بتجاهل معركتنا ولن نتوقف أبداً حتى نصل إلى فلسطين حرة من النهر إلى البحر”.

بعد مرور عام على الحرب، تواصل حركة الشباب الباكستاني تنظيم مسيرات ومظاهرات في المدن الكبرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويؤكد منير: “رغم الألم، إلا أننا نرفض الاستسلام لسياسة اليأس والشعور بالعجز الذي يحاولون تركنا عليه، ولهذا السبب من المهم الحفاظ على تنظيمنا وحراكنا وتنشيط مجتمعاتنا”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة