بقلم عبد أبو شحادة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على مدى عام كامل، بقيت قوى أمن الاحتلال تصر على أن قائد حماس يحيى السنوار ظل مختبئاً تحت الأرض، محاطاً بالأسرى، ومرجحةً أنه كان متنكراً في هيئة امرأة ويغطي رأسه ووجهه.
لكن السنوار استشهد في ساحة المعركة في 16 أكتوبر/تشرين الأول، في مواجهة صدفة مع قوات الاحتلال المسلحة، دون رهائن حوله، وكان هو يرتدي زياً قتالياً.
لقد كان استشهاده ذو رمزية، بعد أن تمكن من الإفلات من قوات الاحتلال لمدة عام، مما عزز صورته كزعيم قضى وهو يقاتل لا بعملية اغتيال.
وقد أدى توقيت ورمزية استشهاد السنوار إلى تحولات سياسية سريعة، فأعاد تركيز الاهتمام من لبنان إلى غزة.
من ناحية، نظرت عائلات الأسرى الإسرائيليين والرئيس الأمريكي إلى رحيل السنوار كفرصة للدفع نحو التوصل إلى اتفاق مع حماس للإفراج عن الأسرى، مع العلم أن مثل هذه الضربة الكبيرة لحماس يمكن أن تعرض حياة الأسرى للخطر.
ومن ناحية أخرى، رأى أعضاء اليمين في الكنيست الإسرائيلي، وخاصة من اليمين المسيحاني، أن استشهاد السنوار يمثل شكلاً من أشكال العدالة الإلهية، واستخدموا ذلك في تبرير ممارسة المزيد من الوحشية، وحتى لو قبلوا باتفاق فإن ذلك سيكون في خدمة هدفهم المتمثل في احتلال غزة والاستيطان فيها.
لا نعرف بعد ما سيكون مصير الأسرى المتبقين، ولكن بناءً على ما رأيناه منذ بداية الإبادة الجماعية فهناك فشل استخباراتي دام عاماً كاملاً في تحديد مكان السنوار، وعلى الرغم من العنف الوحشي الذي لم يوفر أي وسيلة وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، معظمهم من الأبرياء يبدو أن استشهاد السنوار ستجلب المزيد من الشكوك أكثر من أي شيء آخر.
ومع ذلك، يبدو أن هناك شيئاً واحداً مؤكداً: انتصار ثقافة الإبادة الجماعية داخل المجتمع الإسرائيلي.
العواقب
على القناة 12 من التلفزيون الإسرائيلي، قال المعلق أميت سيغال، فور تأكيد رحيل السنوار، إن هذا “النجاح” كان بسبب عدم استماع إسرائيل لأحد لمدة عام كامل ومواصلة استراتيجيتها العسكرية، وتجنب وقف إطلاق النار على الرغم من كل الضغوط الدولية.
لم يدخل الأطفال والنساء وآلاف الفلسطينيين الذين قضوا في غزة دون أي مبرر في المعادلة، لقد كان ثمناً كان على الشعب الفلسطيني أن يدفعه لعجز المجتمع الدولي عن وقف الإبادة الجماعية.
وبطبيعة الحال، لا يقتصر الأمر على سيجال أو السياسيين اليمينيين في ظل غياب صارخ للخطاب العام الإسرائيلي حول عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا لإشعال فتيل المعارضة التي تطالب بوقف إطلاق النار من وجهة نظر أخلاقية، وفي ضوء الشهادات ومقاطع الفيديو التي لا حصر لها للفلسطينيين في غزة وهم يقتلون بأبشع الطرق التي يمكن تخيلها.
وحتى الآن، وبينما يموت مئات الآلاف من الفلسطينيين جوعاً في شمال قطاع غزة، هددت الولايات المتحدة، التي تمول الإبادة الجماعية، إسرائيل بعواقب وخيمة إذا لم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، ففي كل مكان ننظر إليه، سواء في لجان الكنيست، أو استوديوهات الأخبار، أو حتى في الشوارع نجد أن ثقافة الإبادة الجماعية تتطور حيث يبرر الناس قتل الأطفال الفلسطينيين حتى لا يكبروا ويصبحوا “إرهابيين”.
والأسوأ من ذلك أن الرأي العام يصبح أكثر تأييداً لتوسيع الحرب مع كل عملية عسكرية إسرائيلية، سواء كانت هذه الحرب أخلاقية أم لا، وسواء حققت أهدافها أم لا.
الحرب مع إيران
أبرز مثال على ذلك ما حدث في لبنان، حيث كانت إسرائيل مستعدة، بمجرد الضغط على زر، للمجازفة بقتل الآلاف من اللبنانيين دون أن تعرف حقاً ما الذي كانت تستهدفه أو الخطر الذي تشكله على الآلاف من المدنيين القريبين.
وقد خلقت هذه الفظاعة دعماً شعبياً في إسرائيل لتوسيع الحرب في الشمال، وبالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن النشوة في المجتمع الإسرائيلي بسبب استشهاد السنوار سوف تؤدي إلى الشعور بالنصر والتبرير لإنهاء الإبادة الجماعية، فإنهم مخطئون على الأرجح.
وكما كتب الصحفي والخبير العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هاريل بعد أقل من يوم من نبأ استشهاد السنوار، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رأى الآن فرصة لتوسيع الحرب مرة أخرى رداً على إيران، مما قد يؤدي إلى مهاجمة منشآتها النووية وتعريض المنطقة بأكملها للخطر، وخاصة حلفائها.
وحتى لو أدرك كل من يتمتع بالفطرة السليمة أن مثل هذا الهجوم من شأنه أن يخلف عواقب مدمرة على جميع الأطراف المعنية، فلا يوجد وفقاً لحسابات نتنياهو السياسية سبب للتوقف.
يدعم كل من الجمهور وأحزاب المعارضة توسيع القتال، وحتى يائير جولان، زعيم حزب الديمقراطيين من يسار الوسط، أيد غزواً برياً للبنان قبل نتنياهو.
وبغض النظر عن الترويج لصفقة الأسرى، لا يوجد نقاش سياسي في إسرائيل حتى في مواجهة التهديدات بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو خطر عالمي النطاق، ولا يجرؤ المجتمع الإسرائيلي على معارضة مثل هذه الخطوة.
كما يغيب النقاش الحقيقي حتى حول العواقب الاقتصادية والإقليمية على إسرائيل وحلفائها في المنطقة وما قد يتبع مثل هذا الحدث.
لا رغبة في وقف القتل
والأسوأ من ذلك أن النقاش الحقيقي الوحيد الدائر حول الحرب يتمحور حول توسيع حدود إسرائيل، من غزة إلى الضفة الغربية وجنوب لبنان.
بعبارة أخرى، فإن المعارضة الوحيدة لنتنياهو الآن تأتي من اليمين، الذي يريد الاستيطان في شمال غزة وجنوب لبنان، وضم الضفة الغربية.
ستستمر إسرائيل في هجومها طالما لم تقف قوة كبيرة في طريقها وهي تحاول تشكيل شرق أوسط جديد تكون هي القوة المهيمنة الوحيدة فيه
وبناء على ذلك، فإن زعماء العالم الذين رأوا في استشهاد السنوار فرصة للتعاون مع الحكماء في غزة وإنهاء الحرب قد أخفقوا في فهم ثقافة الإبادة الجماعية داخل المجتمع اليهودي الذي لم يجرب بوقف القتل.
وبدلاً من ذلك، أصبح هناك دافع لتوسيع نطاق القتال وخيال جر الولايات المتحدة إلى صراع مع إيران.
لا أستهين ولو لحظة برمزية استشهاد السنوار بالنسبة لملايين اليهود الذين سعوا إلى الانتقام لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكنني لا أتصور أن ثقافة الإبادة الجماعية في إسرائيل لا تزال منصبة على السنوار وحماس، بل تعدت ذلك إلى الشعب الفلسطيني كله.
بعد مرور عام كامل على ما يجري في غزة دون أي حساب ومع الدعم الغربي لهذا العمل، لم يعد هناك أي سبب للتوقف.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)