من سجن المسكوبية إلى مناصرة فلسطين: كيف قاد العدوان على غزة المصري الأمريكي حسن عبد السلام إلى عالم السياسة

ترجمة وتحرير نجاح خاطر – لموقع بالعربية

يعد حسن عبد السلام وافداً جديداً على السياسة الشعبية الأمريكية، فمع حصوله على درجة الدكتوراة في علم الاجتماع ومسيرته المهنية التي تركز على استكشاف حقوق الإنسان في نطاق الشريعة الإسلامية، كان عبد السلام يعيش حياة عالم مسلم نموذجي في الأوساط الأكاديمية الأمريكية.

وقبل أن تبدأ دورة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، كان المصري الأمريكي البالغ من العمر 49 عاماً يدرس في جامعة مينيسوتا-توين سيتيز، وكان له حضور ذو ترحيب بين الطلبة الذين وصفوه بأنه أحد “أجمل وأطيب الناس الذين تعلمت منهم على الإطلاق”.

غير أن الغضب من دعم الولايات المتحدة للحرب على غزة خلق شرخاً كبيراً بين الناخبين المسلمين والحزب الديمقراطي، وعندها وجد عبد السلام نفسه على رأس حملة سياسية قد تكلف نائبة الرئيس كامالا هاريس منصب الرئاسة، لأنها لم توافق على فرض وقف إطلاق النار غير المشروط في غزة أو حظر الأسلحة عن دولة الاحتلال.

وباعتباره أحد المؤسسين المشاركين لحملة “التخلي عن هاريس”، التي أيدت مؤخراً مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين للرئاسة، أمضى عبد السلام عدداً من الأشهر الماضية متنقلاً من ولاية إلى أخرى في محاولة لإقناع الناخبين المسلمين وغيرهم من الأميركيين الغاضبين من الحرب على غزة بالاحتجاج ضد دعم إدارة بايدن-هاريس للاحتلال ورسم مسار سياسي جديد خارج هيكل الحزبين.

وقال عبد السلام لميدل إيست آي: “نحن بحاجة إلى الظهور كمستقلين قادرين على الانتقال في كل اتجاه، حتى يتمكن كلا الحزبين من الحصول على موافقتنا، بحيث نبدأ عملية جعل الحزبين يتحركان نحو الأميركيين المسلمين”.

لم ير عبد السلام نفسه قط كناشط في طليعة لحظة محورية في الانتخابات الأميركية، لكن فترة احتجازه في دولة الاحتلال دفعته إلى النضال لوقف الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل.

سجن المسكوبية الإسرائيلي

ففي عام 2022، قادته أبحاث سلام حول الاستراتيجيات التي يستخدمها الناشطون الشباب الفلسطينيون للاحتجاج سلمياً ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين إلى القدس والضفة الغربية المحتلة.

وهناك بدأ عبد السلام العمل مع الناشطين، وتنظيم احتجاج سلمي مستوحى من احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة عام 2018 واحتجاجات ميدان التحرير في مصر عام 2011 والتي دفعت الرئيس حسني مبارك إلى الاستقالة.

وقال عبد السلام إنه بمجرد أن وطأت قدماه أرض مدينة القدس وحاول دخول المسجد الأقصى، شهد بنفسه واقع الاحتلال وكيف أثر على معنويات الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.

وفي حي سلوان، شاهد الرجل قوات الاحتلال تهدم منزلاً فلسطينياً بينما كان السكان في الشوارع يراقبون بلا حول ولا قوة، وتحدث إلى شبان فلسطينيين يقبع آباؤهم في سجون الاحتلال، والذين أبلغوه إنهم شاهدوا قوات الاحتلال تضرب أمهاتهم على الحواجز العسكرية.

وشرح مشاهداته تلك بالقول: “إنهم غالباً ما يشعرون بالكثير من المشاعر المتناقضة لأنهم يرون الكارثة من حولهم، ويريدون أن يفعلوا شيئاً، لكنهم يُصابون بالعجز باستمرار لأنهم يُقابلون بالاعتقال والهجوم وإمكانية التعرض للإصابة بجراح”.

كانت الخطة هي إطلاق احتجاج في موقع واحد في الأراضي الفلسطينية حيث يمكن للفلسطينيين ونشطاء السلام التجمع للدعوة إلى “تحرير فلسطين”، بحيث تغطي وسائل الإعلام الدولية المظاهرات لجمهور عالمي.

لكن هذه الخطة انهارت سريعاً، ففي 1 ديسمبر/كانون الأول 2022، تم اعتقال مساعد البحث لعبد السلام أثناء سفره إلى الضفة الغربية المحتلة من الأردن.

وفي ذلك اليوم، عندما ذهب عبد السلام إلى الأقصى للصلاة، قال إنه تم تقييد يديه على الفور وتجريده من ملابسه واحتجازه.

وأردف: “كان هناك رجل يكرهني حقاً، لقد رأيته مرات عديدة من قبل، وعندما اقتربت من البوابة حوالي الساعة السادسة مساءً بقليل، هاجمني بشدة”.

وتابع: “لقد مرر أمامي الصور على هاتفه، ورأيت صورة لي حيث كانت المخابرات أو حكومة إسرائيل تدعو إلى القبض علي وعلى مساعدي البحثي، ولم أكن أعرف بحلول ذلك الوقت أن مساعدي في البحث أصبح قيد الاعتقال فعلاً”.

تم اعتقال الأستاذ الأمريكي وإرساله إلى سجن المسكوبية في القدس الغربية، والذي تقرل منظمة الضمير لحقوق الأسرى أنه اشتهر بتعرض الأسرى فيه للتعذيب.

“لقد عصبوا عيني في تجربة خانقة واقتادوني على أطراف أصابعي إلى زنزانتي ضعيفة الإضاءة والتي كانت بلا نوافذ حيث أمضيت 23 يوماً خلف بابين معدنيين، كان علي أن أقضي حاجتي في حفرة، وهو أمر مقزز، وانخرطت في إضراب عن الطعام لمدة 12 يوماً” – حسن عبد السلام 

في نهاية المطاف، أطلق سراح عبد السلام، وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة، وهي عقوبة إسرائيلية شائعة لنشطاء السلام الأمريكيين، حيث يواجه عبد السلام الآن حظراً دائماً من السفر إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

ويقول عبد السلام عن ترحيله: “لقد كان الإسرائيليون سعداء بالتخلص مني، على الرغم من أنهم استمروا في التهديد بأنني سأبقى طوال حياتي في السجن”.

وساعدت تجربة السجن عبد السلام في تسليط الضوء على كيفية تعامل الحكومة الأمريكية مع احتجاز إسرائيل للأميركيين.

وأوضح ذلك بقوله: “كانت الولايات المتحدة على علم تام بأنني أسير، وكانت على علم تام بظروفي، لقد تعرضت للاستجواب مراراً وتكراراً وتعرضت للتعذيب وخضت الإضراب عن الطعام لمدة 12 يوماً، لكنهم لم يفعلوا شيئاً”.

وتابع: “لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً، وهذا يرمز بالضبط إلى الطريقة التي تتعامل بها مع دولة إسرائيل”.

إطلاق حملة “تخلي عن بايدن”

بعد أشهر قليلة من عودة عبد السلام للتدريس في مينيسوتا، شنت قوات الاحتلال عدوانها على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بدأت دولة الاحتلال على الفور حملة قصف جوي مدمرة على غزة، استهدفت مساكن المدنيين والمدارس والمستشفيات والمساجد وملاجئ الأمم المتحدة. 

وحتى الآن، تجاوز العدد الرسمي للشهداء 43000 فلسطيني بالإضافة إلى تعطل البنية التحتية الصحية في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، ومن المرجح أن يكون عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل أعلى من ذلك بكثير.

بدأ عبد السلام على الفور في الاتصال بقادة المجتمع، بمن فيهم جيلاني حسين، الذي أصبح المؤسس المشارك لـ “تخلي عن هاريس” معه، وقال أن المجتمع المسلم بحاجة إلى القيام بشيء ما وشعر أن الخطوات يجب أن تكون جذرية.

وتابع: “أخذت أضع الخطط، ثم بدأنا في التواصل مع مجتمعات إسلامية مختلفة لضمهم إلى مجموعات WhatsApp متعددة والاجتماع معهم على أساس مستمر مع التركيز الهائل على الولايات المتأرجحة”،.

وفي غضون أسابيع قليلة، عمل عبد السلام مع قادة آخرين في المجتمع المسلم لتشكيل حملة التخلي عن بايدن، سلف هاريس.

وقال: “أخبرت بعض قادة المجتمع أن الطريقة الحقيقية الوحيدة التي يمكن من خلالها ممارسة الضغط هي من خلال الرئيس، والطريقة الحقيقية الوحيدة للضغط على الرئيس هي التعهد بعدم التصويت ورفع الأمر إلى أعلى مستوى من التصعيد”.

نمت الحركة منذ ذلك الحين، وتوسعت بوجود رؤساء مشاركين لها منتشرين في 18 ولاية فيما أصبح عبد السلام مديراً وطنياً للحملة وجيلاني حسين، المؤسس المشارك الآخر، رئيساً مشاركاً لمينيسوتا.

وأضاف أن “معاقبة” نائب الرئيس على الإبادة الجماعية يبعث بإشارة واضحة إلى أن الإبادة الجماعية ليست مجدية سياسياً، وقال أن “من شأن ذلك أن يخلق زلزالاً سياسياً، ويستدعي المحاسبة في الأحزاب السياسية”.

“لا يوجد شيء اسمه الأقل شراً”

 أخذ عبد السلام إجازة من الأوساط الأكاديمية منذ ذلك الحين، وركز كل طاقته على حملة التخلي عن هاريس بعد حملة التخلي عن بايدن.

وغالباً ما تُستبعد الحملة من دورة الأخبار في المنافذ الإخبارية الأمريكية الكبرى، والتي تركز بدلاً من ذلك في الغالب على الحملات الانتخابية الأخرى مثل حركة غير ملتزم.

وتعهدت حركة التخلي عن هاريس ببذل كل ما في وسعها لحمل الناخبين على الابتعاد عن هاريس والحزب الديمقراطي بسبب دعمه المستمر للحرب على غزة.

“نحن نعلم الآن أننا لا نملك فترة استراحة، وأنه لا يوجد شيء اسمه الأقل شراً”- حسن عبد السلام

وعلى النقيض من ذلك، دعت حركة غير ملتزم إلى فرض حظر على إرسال الأسلحة للاحتلال لكنها حافظت على دعمها للديمقراطيين على الرغم من عدم حصولها على أي من مطالبها منهم.

ومع ذلك، استمر عبد السلام في السفر عبر البلاد لنشر رؤية الحملة، والآن مع بقاء أسبوع واحد حتى الانتخابات، يشعر قادة حملة التخلي عن هاريس بالثقة في أن الحملة ساعدت في زيادة أعداد الناخبين المسلمين الذين يحتجون ضد الحزب الديمقراطي.

وقال عبد السلام: “هذه المرة، سنتخذ موقفاً، لقد أدركنا الآن أنه ليس لدينا منزل، لذلك كنا نركض إلى الديمقراطيين، أما الأمر الذي بتنا متيقنين منه الآن فهو أنه ليس لدينا منزل، وأنه لا يوجد شيء مثل الشرين”.

ودعت العديد من التصريحات الصادرة عن قادة ومنظمات المجتمع المسلم، المسلمين إما إلى التصويت لمرشح حزب ثالث أو التصويت لمرشح يدعم وقف إطلاق النار في غزة وحظر الأسلحة على إسرائيل، بشرط أن لا يكون داعماً لهاريس ولا لترامب.

وقد استخف بعض خبراء وسائل الإعلام بمحاولات التصويت لمرشح حزب ثالث، زاعمين أن هؤلاء الناخبين يمهدون الطريق لفوز ترامب، لكن عبد السلام قال إنه يعارض ترامب تماماً، ويرى الأمور بشكل مختلف.

وقال: “يرى جميع قادة حملة التخلي عن بايدن تقريباً أن كامالا هاريس وترامب سيئين، نحن ضد ترامب ونؤمن بالنظر إلى هذا الأمر بطريقة علمية وحكيمة، نحن نبحث عن الأفضل لأمريكا والأفضل للمسلمين في جميع أنحاء العالم، وحماية حقوق الإنسان”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة