العدوان على غزة: ما معنى ‘غياب الأمان’ لمؤيدي الاحتلال في الجامعات مقارنةً بالإبادة الجماعية في غزة؟

بقلم مورا فينكلشتاين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

استيقظت ذات يوم من الشهر الماضي على نبأ مقتل أكثر من 90 فلسطينياً بعدما قصفت قوات الاحتلال عدة مواقع في غزة بينها دار الأيتام ومدرسة الأمل غرب المدينة، لقد كان العام الماضي بحد ذاته هجوماً لا هوادة فيه على جميع جوانب الحياة الفلسطينية.

فبالإضافة إلى المستشفيات وأماكن العبادة، استهدفت قوات الاحتلال المدارس كمدرسة الأمل في جميع أنحاء غزة في غارات لم تدمر فقط الباحثين عن مأوى بعد النزوح، بل دمرت أيضاً البنية الأساسية للحياة، هذا التدمير الذي يطلق عليه البعض “إبادة المدارس” هو أحد أشكال الإبادة الجماعية متعددة الأطراف التي صممها الاحتلال لمحو غزة من الخريطة.

ومثل كثير من الناس في الغرب، أستيقظ كل يوم منذ أكثر من عام على هذا الخبر: المزيد من الأرقام، والمزيد من الأسماء والمزيد من المؤسسات التي تم تدميرها، والمزيد من الأراضي المدمرة.

أغفو في الليل وأنا خائفة مما قد يستقبلني في الصباح من أخبار عن الناس في فلسطين الذين قد لا ينجيهم الليل، ومن الصعب للغاية معرفة عدد الذين استشهدوا وتشردوا بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال على مدار العام الماضي.

وفي حين مازالت الأرقام “الرسمية” تدور حول 40 ألف شهيد منذ أشهر، فإن هذا التقدير الرسمي أقل بكثير من العدد الحقيقي بسبب الوفيات غير المباشرة وأولئك المفقودين تحت الأنقاض.

فوفقًا لمقال نُشر في مجلة لانسيت في يوليو/تموز 2024، فإن هذا الرقم منخفض للغاية لأن “الوفيات غير المباشرة في الصراعات الأخيرة تتراوح من ثلاثة إلى 15 ضعف عدد الوفيات المباشرة، بتطبيق تقدير متحفظ لأربع وفيات غير مباشرة لكل وفاة مباشرة على الوفيات المبلغ عنها، فليس من غير المعقول أن نقدر أن ما يصل إلى 186000 أو حتى أكثر من الوفيات يمكن أن تنجم عن الصراع الحالي في غزة”، والآن، بعد أربعة أشهر، من المرجح أن يكون العدد أقرب إلى 400000.

إبادة التعليم

ومع استهدافها المدنيين دون تمييز، أخذت قوات الاحتلال تستهدف الصحفيين والفنانين والأكاديميين والكتاب والطلاب أيضاً وكل شخص يروي قصة فلسطين، وبذلك، كانت تستهدف أولئك الذين يروون هذه القصة حاليًا وأولئك الذين سيفعلون ذلك في المستقبل.

لقد قتلت دولة الاحتلال الآلاف من المعلمين والطلاب والأكاديميين، وحُرم ما لا يقل عن 625000 تلميذ من التعليم، تم قصف جميع جامعات غزة البالغ عددها 12 جامعة ودُمرت في الغالب، لقد تم تدمير أو إتلاف ما يقرب من 477 مدرسة ابتدائية وثانوية، وهذه ليست حوادث معزولة، بل هي جزء من عدوان الاحتلال الذي لا يستهدف حاضر غزة فحسب، بل ومستقبلها، هذه الأرقام تعني أن دولة الاحتلال تدمر البنية التحتية المادية للتعليم العالي في غزة والبنية التحتية الفكرية، حيث لا يوجد مكان آمن في غزة.

إن عاماً كاملاً من قتل الطلاب ليس سوى شكل متسارع من أشكال التدمير الذي تنفذه دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة، حيث يتعرض التعليم في القطاع للهجوم منذ عقود، فقبل هذا الهجوم الإبادي الوحشي الأخير، فصلت دولة الاحتلال غزة عن الضفة الغربية المحتلة (والعالم) من خلال حصار غير محدد بدأ في عام 2007.

يعني ذلك أن طلاب الجامعات والأكاديميين في غزة لم يتمكنوا من السفر دوليًا لمتابعة الفرص التعليمية، وهذا لم يفرض ضغوطًا على جامعات غزة فحسب، بل حد أيضًا من قدرة الفلسطينيين في غزة على متابعة درجات التخصص والتدريب.

بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن العديد من الأطفال في سن الدراسة من الوصول إلى اللوازم المدرسية الضرورية، حيث تمنع دولة الاحتلال غالبًا دخول مثل هذه المواد إلى غزة، وبسبب الإمدادات المحدودة والموارد المحدودة، لم يتمكن العديد من الأطفال من تحمل تكاليف هذه اللوازم المدرسية الأساسية حتى عندما تكون متاحة.

بالإضافة إلى ذلك، قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يكن في غزة ما يكفي من المباني لاستيعاب عدد سكانها من الأطفال في سن الدراسة، حيث خلق حصار الاحتلال ظروفًا لا يستطيع الفلسطينيون في غزة بموجبها الوصول إلى المواد اللازمة لبناء مدارس جديدة.

كانت غزة تعاني بالفعل من هجمات إسرائيل في عام 2014 عندما تضررت 252 مدرسة ودُمرت سبع مدارس، وفي حين تم إصلاح وإعادة بناء معظم هذه المباني، فإن هذا التدمير وإعادة البناء المستمرين فرضا ضغوطًا على الطلاب وكذلك الموارد.

“انعدام الأمان” لدى الطلاب

وعلى الرغم من انعدام الأمان المادي الذي يعاني منه الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية المحتلة (والآن في لبنان) بسبب الإبادة الجماعية المتسارعة والتطهير العرقي من قبل الاحتلال، فقد طغى موضوع “انعدام الأمان” على أحاديث العام الماضي.

فمنذ أكثر من 12 شهرًا، ظل الساسة الليبراليون واليمينيون المتطرفون وإداريو الجامعات في الولايات المتحدة وكندا وأجزاء من أوروبا مشغولين بالحديث عن مشاعر “انعدام الأمان” لدى الطلاب اليهود، وعلى وجه الخصوص، قيل لي إنني جعلت بعض الطلاب، وخاصة الطلاب اليهود الصهاينة، يشعرون “بعدم الأمان” لأنني كنت أشرح عن فلسطين وأخبرت طلابي بالحقيقة حول اعتداء إسرائيل على حياة الفلسطينيين.

ماذا يعني الشعور “بعدم الأمان” في خضم الإبادة الجماعية؟ من المهم أن نلاحظ أن مثل هذا الحديث عن “عدم الأمان” يقتصر على المشاعر اليهودية، حيث لم أر أي اهتمام تقريبًا بالواقع المادي للطلاب الفلسطينيين والمسلمين والعرب في الولايات المتحدة الذين أصبحوا غير آمنين.

وهذا يشمل طلابًا مثل هشام عورتاني، وكنان عبد الحميد، وتحسين أحمد، الذين أطلق عليهم رجل النار في بيرلينجتون بولاية فيرمونت، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بسبب تحدثهم باللغة العربية وارتداء الكوفية، لقد أصيب عورتاني بالشلل من الخصر إلى أخمص القدمين.

إسكات المعارضة

تم الكشف عن هويات العديد من الطلاب الآخرين ومهاجمتهم لأنهم شاركوا في الاحتجاجات والأنشطة المؤيدة لفلسطين، ومن خلال تجاهل هذه القصص والتركيز على “مشاعر” عدم الأمان، يستغل الساسة وإداريو الجامعات معاداة السامية من أجل إسكات المعارضة وتصنيع الموافقة على جرائم إسرائيل ضد الإنسانية.

في الولايات المتحدة، لم تكن الكليات والجامعات أماكن آمنة أبدًا بسبب تاريخها من العنف في الماضي وعدم المساواة التي ينتجها العنف في الحاضر، ولم يكن الثراء المؤسسي ممكنًا إلا من خلال الإتاوات، سواء من خلال سرقة الأراضي الاستعمارية الاستيطانية أو العمالة المستعبدة من خلال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

قدم الأساتذة والإدارات غطاءً فكريًا لهذا العمل، وهو الحال أيضًا في إسرائيل، حيث يؤدي مثل هذا التاريخ إلى إنتاج مؤسسات التعليم العالي العنصرية والطبقية وكارهة النساء وكارهة المثليين وكارهة المتحولين جنسياً (على سبيل المثال لا الحصر)، كما أنها مؤسسات صهيونية.

عندما كنت أستاذة جامعية، كنت أقول لطلابي في بداية كل فصل دراسي: “هذا الفصل ليس مكاناً آمناً، الفصل الدراسي هو مكان غير متساوٍ وغير متكافئ إلى حد كبير، مما يؤثر على من يمكنه أن يشعر بالأمان ومن يفعل ذلك، وإذا كنت تشعر بالأمان في مكان معين، فمن المحتمل أن يكون هناك شخص واحد على الأقل لا يشعر بالأمان بسبب سلامتك المدركة”.

كنت أقول لطلابي أن يتخلوا عن هدف المساحة “الآمنة” وأن يعملوا بدلاً من ذلك بشكل جماعي نحو خلق مساحة “شجاعة”، فصل دراسي حيث يمكننا، على الرغم من عدم المساواة بيننا، أن نعمل من أجل بيئة نتحمل جميعًا المخاطر ونتحمل المسؤولية ونتعامل مع الأشياء الصعبة، والآن، يخبر مسؤولو الكليات والجامعات الطلاب ألا يكونوا شجعانًا.

إنهم يستخدمون معاداة السامية كسلاح من خلال مقارنتها بمعاداة الصهيونية (كما في حالة جامعة نيويورك أو الكلية التي اعتدت التدريس فيها) ثم استخدام البند السادس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964 لإسكات أو تعليق أو إنهاء خدمة أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب الذين يرفضون الخضوع لهذا الخلط الزائف والخطير، إنهم بذلك يحرمون طلابنا من الحق في التعلم عن الإبادة الجماعية المستمرة، التي تمولها وتمكنها حكومة الولايات المتحدة.

وبعد أكثر من عام من حرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الاحتلال على غزة، يتعين علينا أن نعمل على تغيير هذا السرد حول “انعدام الأمان” للطلاب، إن قتل الطلاب في غزة هو انعدام الأمان، إن قتل الآلاف وربما مئات الآلاف من الطلاب الفلسطينيين في غزة هو انعدام الأمان، والهجمات العنيفة على الطلاب الفلسطينيين والعرب والمسلمين هي انعدام الأمان.

إن لدى الطلاب الأميركيين الحق والمسؤولية في أن يكونوا شجعاناً بما يكفي لمواجهة حقيقة هذه الإبادة الجماعية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة