خطة جنرالات إسرائيل في شمال غزة هي إبادة جماعية بحسب نصوص القانون الدولي

بقلم سندس عاصم

ترجمة وتحرير مريم الحمد

على مدى شهر، ظل الفلسطينيون في شمال غزة يواجهون 3 خيارات مريرة، إما القتل بسبب القصف الإسرائيلي أو التجويع حتى الموت أو التهجير القسري في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى الجنوب.

كل هذا جزء من خطة عسكرية وصفها خبراء قانونيون تحدثوا إلى موقع ميدل إيست آي بأنها “إبادة جماعية” تهدف إلى التهجير القسري الدائم لسكان شمال غزة، حيث يخطط المستوطنون لاستعمار القطاع بعد الحرب. 

وقد أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية والمحللون والمسؤولون العسكريون، بأن الحملة الحالية تتوافق مع ما يسمى “خطة الجنرالات”، المعروفة أيضاً باسم خطة إيلاند.

تتضمن الخطة التي اقترحها مجموعة من كبار جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، تهجير جميع سكان شمال غزة قسراً، ثم محاصرة المنطقة ووقف دخول الإمدادات الإنسانية لتجويع أي شخص يبقى هناك، أما الهدف المعلن للخطة، فهو هزيمة حماس في الشمال، مع اعتبار من يبقى من المدنيين أهدافاً عسكرية مشروعة.

“النية هي تهجير هؤلاء الأشخاص بشكل دائم وتطهير تلك المنطقة عرقياً، ومن الناحية القانونية، يعد هذا انتهاكاً مباشراً للمبادئ الأساسية لقوانين الحرب” – مايكل سفارد- محامي حقوق الإنسان الإسرائيلي

أما الذين يغادرون للجنوب، فيتعين عليهم عبور حاجز عسكري يعرف باسم ممر نتساريم، وهو عبارة عن مساحة من الأرض تبلغ 6 كم أنشأها الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأولى من الحرب لفصل شمال غزة عن جنوبها.

في تعليقه لموقع ميدل إيست آي، أكد أستاذ القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن، بالاكريشنان راجاجوبال، أن “فرض الحصار ومنع جميع سبل الحصول على الغذاء والماء والدواء والمأوى بنية إجبار السكان على المغادرة، يعد نموذجاً لتطهير عرقي، وهو جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي”.

وأضاف راجاجوبال بأن “التهجير القسري في شمال غزة في ظل ظروف الحصار بهدف القضاء على وجودهم يعد إبادة جماعية لأنه يهدف إلى تدمير شعب بأكمله، وإسرائيل هي من تتحمل المسؤوليات كدولة عن كل هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي”.

لقد حرصت إسرائيل على فرض تعتيم على ما اقترفت في شمال قطاع غزة، حيث أعاقت اتصال السكان بالعالم الخارجي لتبادل المعلومات حول ما يعانونه، ومع ذلك، فلم تتوقف التقارير المروعة عن المجاعة والقصف والنزوح.

يرى محامي حقوق الإنسان الإسرائيلي، مايكل سفارد، أن الحملة في شمال غزة قد تصل إلى حد النقل القسري للمدنيين من منطقة واسعة، مشيراً إلى أنه رغم صدور أوامر التهجير بحجة أن شمال غزة سيصبح منطقة حرب، إلا أنه لا توجد ضمانات بالسماح للنازحين بالعودة عندما ينتهي القتال.

وأكد سفارد أن ترحيل السكان قسراً بهذا الشكل كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد المدنيين، يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لافتاً إلى حقيقة عدم تقديم الجيش والحكومة الإسرائيليين أي ضمانات بأن النقل القسري هو إجراء مؤقت.

أوضح سفارد في حديثه لموقع ميدل إيست آي بالقول: “وهذا مؤشر على أن النية هي تهجير هؤلاء الأشخاص بشكل دائم وتطهير تلك المنطقة عرقياً، ومن الناحية القانونية، يعد هذا انتهاكاً مباشراً للمبادئ الأساسية لقوانين الحرب، فإخطار المدنيين لا يعفي القوات المقاتلة من حظر استهداف المدنيين، ومن حظر استخدام التجويع كوسيلة للحرب، ومن حظر استخدام النيران العشوائية”.

تخيل لو قام حزب الله بإصدار بيان يقول فيه أنه بحلول الساعة 8 مساء من يوم كذا مثلاً “يجب على جميع سكان تل أبيب المغادرة وبعد هذا الموعد النهائي سيتم قصفها”، فلن يناقش أحد في العالم ما إذا كان ذلك قانونياً أم لا!

“جريمة بشعة”

لقد اضطر معظم سكان شمال غزة البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة إلى النزوح جنوباً بموجب الأوامر الإسرائيلية في بدايات الحرب قبل عام، فيما يُعتقد أن الـ 400 ألف المتبقين، الذين أُمروا الآن بالمغادرة مرة أخرى، هم الأكثر ضعفاً، وفيهم المرضى والجرحى وكبار السن وأولئك الذين يخشون النزوح الدائم.

يذكر أنه منذ 5 أكتوبر، فقد تعرض هؤلاء السكان لحصار وحشي منع دخول جميع المساعدات الإنسانية، كما أدت الغارات الإسرائيلية على المنطقة إلى مقتل ما لا يقل عن 1500 فلسطيني منذ بدء الحصار.

“الفعل البسيط المتمثل في رفض النزوح لا يعني أن المدنيين يتعمدون حماية المسلحين، فعدم الهروب من منزلك لا يعتبر مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، وفي هذا تحريف للقانون الإيحاء بأنهم يفقدون حمايتهم لأنهم يقفون في طريق الأعمال العدائية” – جانينا ديل-أستاذة القانون في جامعة أكسفورد

في إحدى الغارات الجوية مؤخراً، قتلت القوات الإسرائيلية ما يقرب من 100 فلسطيني من بينهم 25 طفلاً، في غارة استهدفت مبنى مكوناً من 5 طوابق في بيت لاهيا كان يحوي عدداً كبيراً من النازحين، كما منعت القوات الإسرائيلية فرق الدفاع المدني والمسعفين من إنقاذ الجرحى، كما اضطرت جميع المستشفيات في الشمال إلى وقف عملياتها في ظل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة واعتقال موظفيها.  

من جانبها، حذرت مسؤولة الإغاثة في الأمم المتحدة، جويس مسويا، من أن جميع السكان في شمال غزة يواجهون خطر الموت الوشيك، كما أفادت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن الحملة الإسرائيلية على الشمال يمكن أن تدمر حياة السكان الفلسطينيين هناك، خاصة حول جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.

وأشار راجاجوبال إلى أن “الفلسطينيين في غزة قد وقعوا بالفعل ضحايا التهجير عدة مرات، بسبب النكبة، وقد نزحوا الآن عدة مرات منذ أكتوبر عام 2023 بسبب الهجمات الإسرائيلية وأوامر الإخلاء، ولذلك فإن إخضاعهم لمزيد من التهجير يعد جريمة بشعة”.

من جانب آخر، فقد كشف مراسلو موقع ميدل إيست آي في غزة عن قيام الجنود الإسرائيليين بإجبار المدنيين المتضورين جوعاً في الشمال على مغادرة منازلهم أو مراكز إيواء النازحين تحت تهديد السلاح، ثم يتم قصف المباني التي كانت تستخدم كملجأ للمدنيين، بما في ذلك مدارس الأمم المتحدة، أو هدمها أو حرقها.

يتم بعد ذلك فصل الرجال عن النساء والأطفال واستجوابهم، ويتم اختطاف العديد منهم إلى أماكن مجهولة يُخشى تعرضهم فيها للتعذيب أو القتل، فيما يتم إجبار الرجال والنساء والأطفال المتبقين على التوجه جنوباً، في رحلة وصفها البعض بأنها مسيرة نحو الموت، حيث يسير الفلسطينيون تحت نيران الجنود الإسرائيليين والمروحيات الرباعية التي يتم التحكم فيها عن بعد.

“تحريف للقانون”

أشارت أستاذة القانون في جامعة أكسفورد، جانينا ديل، إلى أن خطة الجنرالات تخالف القانون الإنساني الدولي: “يجب على إسرائيل تحذير السكان المدنيين من الهجمات أو العمليات العسكرية، ومع ذلك، فإن المدنيين الذين لا يستطيعون أو لا يريدون الاستجابة لمثل هذا التحذير أو أمر الإخلاء يظلون مدنيين يستحقون الحماية الكاملة بموجب القانون الدولي، ولا يمكن تجويعهم أو مهاجمتهم لأنهم رفضوا خيار النزوح”.

وقد أكد ديل على أنه حتى لو ادعى الجيش الإسرائيلي أن المدنيين الذين اختاروا عدم الإخلاء يعتبرون دروعاً بشرية لمقاتلي حماس، فإن “الفعل البسيط المتمثل في رفض النزوح لا يعني أن المدنيين يتعمدون حماية المسلحين، فعدم الهروب من منزلك لا يعتبر مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، وفي هذا تحريف للقانون الإيحاء بأنهم يفقدون حمايتهم لأنهم يقفون في طريق الأعمال العدائية”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة