بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
الحقيقة أن هناك فائزاً بريطانياً واحداً من نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو زعيم حزب الإصلاح نايجل فاراج، وفي المقابل هناك خاسر واحد هو رئيس الوزراء كير ستارمر، وربما يكون أيضاً رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.
لقد أثبت التاريخ أن السياسة الأمريكية هي التي تحرك الأحداث في بريطانيا، ويكفي لاستيعاب ذلك تذكر العلاقة بين مارغريت تاتشر ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب وجون ميجور، وبيل كلينتون وتوني بلير.
مع وجود ترامب في البيت الأبيض، من المرجح أن يحول فاراج انتباهه الآن إلى إكمال مشروعه السياسي الأخير، والمتمثل بتدمير حزب المحافظين التقليدي واستبداله بنسخة مدجنة من حزب الجمهوريين في عهد ترامب، وهذا يعني توحيد حركته السياسية الإصلاحية مع حزب المحافظين بقيادة كيمي بادنوك الذي بدا ضعيفاً مؤخراً
واليوم، يقف دونالد ترامب، الذي ربما يكون الرئيس الأمريكي الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، على أهبة الاستعداد لدخول البيت الأبيض مرة أخرى، في خطوة احتفل بها السلطويون والفاشيون في العالم، مثل ناريندرا مودي في الهند، وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، وفلاديمير بوتين في روسيا.
في أوروبا، علق خيرت فيلدرز في هولندا موجهاً كلامه لترامب قائلاً: “تهانينا لأمريكا! لا تتوقف أبداً، واصل القتال دائماً”، فيما وصف رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، إعادة انتخاب ترامب بأنها “نصر يحتاجه العالم بشدة”، أما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فقالت مخاطبة ترامب: “عمل جيد سيدي الرئيس”.
أتباع ترامب البريطانيون
في بريطانيا، يعد فاراج من أقرب أتباع ترامب، فترامب يحبه لأنه يروج لعلامة ترامب التجارية الشعبوية إن صح التعبير، والتي تتضمن سياسات يمينية متطرفة.
يعد فاراج أكثر بريطاني قادر على تشكيل فهم مشوه لسياسات ومكونات المملكة المتحدة لدى ترامب، كما أن الرجلين يتشاركان الصعود إلى القمة من خلال استغلال الكراهية والانقسام والخوف من الهجرة الجماعية.
مؤخراً، كانت مسيرة فاراج السياسية قد بدأت بالتخبط مع وصول حزب العمال بزعامة ستارمر إلى السلطة بعد الفوز الساحق في انتخابات يوليو، حيث بدا فاراج وكأنه سمكة خارج الماء في مجلس العموم بصفته عضواً في البرلمان عن كلاكتون.
في أعقاب فوز ترامب في الانتخابات، فأنا على يقين أن ذلك سوف يجعل الكثيرين على يمين السياسة البريطانية يحولون انتباههم نحو محاكاة انتصار ترامب في الولايات المتحدة وتأمين اندماج حزب الإصلاح والمحافظين
ومع وجود ترامب في البيت الأبيض، سوف يدرك فاراج أنه قادر على تحويل قدره مرة أخرى، فما عليك سوى إلقاء نظرة على الصحافة الشعبوية التي يمتلكها المليارديرات في بريطانيا لمعرفة السبب وراء ذلك، مثل الصحافة المملوكة لمردوخ، وإمبراطورية روثر مير، ومجموعة التلغراف، تحتفل جميعها بانتصار ترامب، في حين تسخر من خصومه الديمقراطيين.
على سبيل المثال، خصصت صحيفة “ذا صن” صفحتين لليميني المتطرف والمعادي للإسلام، دوجلاس موراي، للإشادة بترامب بسبب حربه ضد الهجرة، كما نشر موراي صورة لنفسه وهو يتحدث على ما يبدو مع ترامب في “أمسية تاريخية في مارالاغو”.
يعد فاراج جزءاً من هذا كله، حيث أنه نشر مقالاً على الصفحة الأولى في صحيفة ديلي تلغراف يدعو فيه بريطانيا إلى “بسط السجادة الحمراء” لترامب، فيما خصصت صحيفة “ذا ميل” صفحة للمطالبة بتعيين فاراج سفيراً لبريطانيا في الولايات المتحدة.
مع وجود ترامب في البيت الأبيض، من المرجح أن يحول فاراج انتباهه الآن إلى إكمال مشروعه السياسي الأخير، والمتمثل بتدمير حزب المحافظين التقليدي واستبداله بنسخة مدجنة من حزب الجمهوريين في عهد ترامب، وهذا يعني توحيد حركته السياسية الإصلاحية مع حزب المحافظين بقيادة كيمي بادنوك الذي بدا ضعيفاً مؤخراً.
العنصريون والمتعصبون
قبل انتخابات يوليو، كان كثيرون في بريطانيا يرون أن على حزب الإصلاح وحزب المحافظين الاتحاد معاً، حيث كانت الحجة مقنعة للوهلة الأولى، فالإصلاح والمحافظون يحتلون نفس المساحة السياسية، ومن الناحية النظرية على الأقل، يستطيع المتحدون أن يجمعوا ما يكفي من الأصوات للوصول إلى السلطة في الانتخابات العامة المقبلة.
كان هناك العديد من العقبات أمام ذلك، حتى أنه في الانتخابات الأخيرة، تم الكشف عن العديد من مرشحي حزب الإصلاح باعتبارهم عنصريين ومتعصبين.
وعلى الجانب الآخر، فقد كان زعيم حزب المحافظين بادنوك وغيره من كبار المحافظين يرفضون التفكير في مغادرة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي ينظر إليها اليمين المتمثل في فاراج باعتبارها عقبة حاسمة أمام مواجهة الهجرة الجماعية إلى المملكة المتحدة.
أما اليوم، وفي أعقاب فوز ترامب في الانتخابات، فأنا على يقين أن ذلك سوف يجعل الكثيرين على يمين السياسة البريطانية يحولون انتباههم نحو محاكاة انتصار ترامب في الولايات المتحدة وتأمين اندماج حزب الإصلاح والمحافظين.
في اليوم الذي سوف يحتفل فيه الأمريكيون بوثيقة الاستقلال، سيكون رئيسهم من يدق ناقوس الموت للمبادئ الثابتة التي بنيت عليها الولايات المتحدة في وثيقة الاستقلال، وهذه لحظة رهيبة في تاريخ العالم!
لم يكن فاراج المؤيد الوحيد لترامب قبل الانتخابات الأمريكية، فهناك بوريس جونسون ورئيسة الوزراء السابقة ليز تروس والنائب المحافظ السابق جاكوب ريس موغ أيضاً.
بالنسبة لهؤلاء الساسة، فإن ترامب يقدم لحزب المحافظين طريق العودة إلى السلطة في أعقاب الكارثة الانتخابية التي تعرض لها في يوليو الماضي، وهذا يعني أن يقوم حزب المحافظين بفعل ما فعله ترامب بالجمهوريين، من استغلال الاسم التاريخي لحزب سياسي مشهور كوسيلة للترويج لحركة يمينية متطرفة.
تبقى مشكلة واحدة وهي أن ترامب ليس محافظاً على الإطلاق، فكثيراً ما أُسيء استخدام تهمة الفاشية من قبل السياسيين اليساريين الذين في محاولة لتشويه سمعة المعارضين اليمينيين، أما ترامب، فهو فاشي معاصر يسعى للحصول على مطالبه بالتملق، ويصمم على وضع كافة مؤسسات الدولة في أيدي الموالين له.
لحظة مرعبة
ترامب فاشي، مثل أسلافه التاريخيين، متطفل على الدين ويسرق سلطة الله، كما يجب أن نضع في اعتبارنا أن التسامح مع العنف في الشوارع، كما فعل ترامب بوضوح خلال أعمال الشغب في الكابيتول هيل وفي تصريحات متكررة قبلها وبعدها، هو مؤشر أساسي على الفاشية وبنفس الوقت رفض لكل ما تمثله فلسفة أن تكون محافظاً بالمعنى التقليدي.
ترامب، مثل أسلافه الفاشيين، انقلب ليس فقط على الاشتراكيين والليبراليين، بل وعلى المحافظين الذين رحبوا به واعتقدوا أنه واحد منهم أيضاً، كما أنه فاشي في ازدرائه للأقليات، ولذلك يشكل فوز ترامب لحظة مخيفة بالنسبة للمسلمين البريطانيين.
يجب ألا ننسى أيضاً أن ترامب كاره للنساء ومتعصب ومجرم مدان، حيث أدين بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات الأعمال، ومع ذلك لم يمنع هذا السجل الإجرامي اثنين من رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين من دعمه.
تعد عبادة السلطة في حد ذاتها علامة أخرى من علامات الفاشية، فبالنسبة لجونسون وتروس وريس موغ وآخرين، فإن ترامب يشكل نوعاً من الخلاص السياسي، ولهذا هناك ترقب لكيفية تعامل ستارمر مع عودة ترامب، فالعديد من مستشاريه يريدون منه المحافظة على روابط وثيقة مع البيت الأبيض.
بطبيعة الحال، لا تستطيع بريطانيا تجنب التعامل مع الولايات المتحدة، ولكن ذلك لا يعني أن عودة ترامب سبب للاحتفال، فعلى كل من يؤمن بقيم الديمقراطية الليبرالية، ناهيك عن رئيس وزراء من حزب العمال، أن يتصدى لمن يتملقون لترامب من البريطانيين.
عند حلول الذكرى الـ 250 لإعلان الاستقلال في الولايات المتحدة في 4 يوليو 2026، سوف يكون ترامب هو الرئيس في ذلك الحين، الأمر الذي سوف يكون بمثابة مفارقة مهمة، ففي اليوم الذي سوف يحتفل فيه الأمريكيون بوثيقة الاستقلال، سيكون رئيسهم من يدق ناقوس الموت للمبادئ الثابتة التي بنيت عليها الولايات المتحدة في وثيقة الاستقلال، وهذه لحظة رهيبة في تاريخ العالم!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)