بقلم فيحاء شلش
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يعيش الفلسطيني عماد أبو شمسية في البلدة القديمة في الخليل، ويعاني مثل غيره من الفلسطينيين من نقاط التفتيش الإسرائيلية المهينة والقيود على الحركة ومضايقات المستوطنين، فالوصول إلى منزله الواقع في حي تل الرميدة، المتاخم للمستوطنات والطرق المخصصة للمستوطنين فقط، صعب ومعقد للغاية منذ سنوات.
هذا العام، زادت القوات الإسرائيلية من حدة قيودها خطوة إضافية، فقاموا بوضع أسلاك شائكة بين منزل عماد ومنزل جاره، مما أدى إلى سد الطريق الأخير الذي كان يسلكه هو وآخرون لتجنب الاصطدام بالجنود!
يقول عماد أبو شمسية، البالغ من العمر 54 عاماً، لموقع ميدل إيست آي: “لقد تحول كل منزل إلى سجن”، فمنذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة، فرض الجيش قيوداً صارمة على التحركات في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بما فيها الخليل، المدينة الفلسطينية الأقرب إلى القدس حيث يقيم المستوطنون الإسرائيليون في بلدتها القديمة.
لا يمر يوم دون تعطيل الدراسة لمدة ساعة على الأقل بسبب الحواجز وتأخر الطلاب، كما تم إغلاق البوابة الرئيسية، ومنع أي شخص آخر غير المعلمين والطلاب، بما في ذلك أولياء الأمور، من الدخول
لعقود من الزمن، كان هذا يعني السيطرة الإسرائيلية المباشرة على أجزاء من مدينة الخليل القديمة، حيث يعيش ما يقرب من 35 ألف فلسطيني ونحو 800 مستوطن، يتم توفير الحماية لهم من قبل الجنود، وتخصيص طرق منفصلة لهم ومنحهم حرية الحركة الكاملة.
وعلى الجانب الآخر، يضطر الفلسطينيون إلى المرور عبر 28 نقطة تفتيش وعشرات الحواجز العسكرية، وغالباً ما يتعرضون لعمليات تفتيش مهينة وطويلة وتحرش جنسي وحتى اعتقال بدون سبب.
أكد عماد أنه “يتم اعتقال النساء والأطفال عند نقاط التفتيش وإساءة معاملتهم”، فيما وثق ناشطون وصحفيون حوادث التحرش الجنسي بالنساء أثناء اعتقالهن، لكن لم تتم محاسبة أي من الجنود، كما تعرض الأطفال للضرب المبرح دون أي رادع.
من أجل تجنب هذه الحواجز، فقد اعتاد المئات من سكان البلدة القديمة من الفلسطينيين أسلوك طريق بديل حتى وإن كان أطول، وهو يمر عبر منزل عماد، ولكن في 2 نوفمبر الحالي، قامت القوات الإسرائيلية بتسييج الطريق بالأسلاك الشائكة، وطلبوا من عماد وزوجته فايزة تحديد أسماء من مروا على الطريق من لقطات صورتها كاميرات المراقبة.
في حديثها لموقع ميدل إيست آي، تقول فايزة البالغة من العمر 49 عاماً: “رفضت التعرف على أي شخص، فنحن نعاني عند نقاط التفتيش نفس المعاناة التي يعاني منها هؤلاء المارة، فنحن محرومون من استخدام الشارع الواسع المحاذي لمنزلنا لأنه أصبح مخصصاً للمستوطنين فقط، ونحن نعيش حرفياً في أقفاص”.
أشار عماد إلى أن القيود، بما فيها حظر التجول ضد الفلسطينيين في عطلات نهاية الأسبوع، أصبحت أكثر صعوبة، حيث لم يعد بإمكان الناس حتى جلب ما يكفي من الإمدادات الأساسية بشكل منتظم، مثل اسطوانات الغاز للطهي.
يصحب تلك القيود عنف روتيني يمارسه المستوطنون، الذين، بحسب عماد، يتبادلون الأدوار مع الجيش في ترويع الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم، حيث يقول: “حتى الزيارات العائلية في هذه المنطقة أصبحت محظورة علينا، فعلى سطح منزلي ثكنة عسكرية إسرائيلية تراقب كل تحركاتنا، وقد اضطررنا إلى وضع سياج على كل نافذة لحمايتنا من هجمات المستوطنين”.
المدارس ونقاط التفتيش
لا تستثني القيود العسكرية وعنف المستوطنين أحداً حتى تلاميذ المدارس، ويواجه الفلسطيني رائف أبو سنينة البالغ من العمر 57 عاماً، ويعمل كموظف استقبال في المدرسة الإبراهيمية القريبة من الحرم الإبراهيمي، تحديات يومية للوصول إلى المدرسة رغم أنه يسكن على بعد مئات الأمتار فقط.
في بداية الحرب على غزة، تم إغلاق المدرسة لمدة 6 أشهر، ثم أعيد فتحها مع قيود كبيرة، بما في ذلك تفتيش الطلاب والمدرسين عند نقاط التفتيش لساعات، ففي حديثه لموقع ميدل إيست آي، قال رائف: “أصدر لنا الجيش الإسرائيلي بطاقات خاصة لإظهارها عند نقطة التفتيش حتى نتمكن من الوصول إلى المدرسة، ورغم ذلك، تعرضنا للاعتقال والتفتيش والإهانات”.
أشار رائف إلى أنه لا يمر يوم دون تعطيل الدراسة لمدة ساعة على الأقل بسبب الحواجز وتأخر الطلاب، كما تم إغلاق البوابة الرئيسية، ومنع أي شخص آخر غير المعلمين والطلاب، بما في ذلك أولياء الأمور، من الدخول.
“لقد ولدت هنا وأحب هذه المنطقة، وإذا غادرنا محلاتنا التجارية، فسوف يتم إغلاقها بالكامل وسوف يحتلها المستوطنون” – مصباح الحموري- صاحب محل في الخليل
وأضاف رائف: “يتم اعتقال بعض الطلاب باستمرار دون سبب، ونحن ننتظر عند نقطة التفتيش حتى يمر جميع الطلاب، فيومنا كله يضيع بين الحواجز”.
بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإن هناك أكثر من 11 ألف طالب وطالبة في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل الخليل، والتي تسمى H2، حيث يتعرض الجميع لعرقلة الوصول إلى مدارسهم، بالإضافة إلى إجراءات يومية مهينة تعيق فرصتهم في الحصول على التعليم المناسب.
حرب صامتة
قبل نمو المستوطنات الإسرائيلية في الخليل في أوائل العقد الأول من القرن 21، كانت البلدة القديمة مركزاً نابضاً بالحياة بالنسبة للفلسطينيين، حيث كانت تعج بالمشترين والبائعين، إلا أن عمليات الإغلاق ونقاط التفتيش الإسرائيلية حولتها إلى مدينة أشباح، يكافح أصحاب الأعمال فيها من أجل جذب العملاء.
يقول التجار أنهم يواجهون حرباً صامتة من قبل الجيش الإسرائيلي،
فقد أكد مصباح الحموري البالغ من العمر74 عاماً، والذي يملك محلاً ورثه عن والده لبيع الإكسسوارات على الطريق المؤدي إلى الحرم الإبراهيمي، أنه تعرض للخسارة، مما أثر بشدة على نوعية حياته.
ورغم حصول مصباح على أقل من 100 شيكل أي 26 دولاراً في الأسبوع فقط، إلا أنه يرفض مغادرة المحل أو إغلاقه، فقال لموقع ميدل إيست آي: “لقد ولدت هنا وأحب هذه المنطقة، وإذا غادرنا محلاتنا التجارية، فسوف يتم إغلاقها بالكامل وسوف يحتلها المستوطنون”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)