مسرحية “لا مكان”: دراما تجسد أصداء الثورة المصرية

بقلم حسام سرحان

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

من أنا وكيف انتهى بي المطاف هنا؟ هذا هو السؤال الذي يبدأ به خالد عبد الله مسرحيته “لا مكان”، ربما يبدو هذا وكأنه سؤال شخصي، خاص ببطل المسرحية، وفي الواقع، لم أتوقع مطلقاً أن أرى أجزاء كاملة من حياتي الشخصية مجسدة في مثل هذا الأداء الفردي الرائع.

في مركز باترسي للفنون في لندن، وخلال عرض مدته 90 دقيقة بيعت جميع التذاكر الخاصة به وحظي بإشادة واسعة النطاق، قدم عبد الله أداءً مذهلاً مستوحى من الثورة المصرية عام 2011 والثورة المضادة التي أعقبتها.

كانت المسرحية عبارة عن تأمل في الثورة والمذابح وغزة والغرب واتفاقية سايكس بيكو ورحيل الأصدقاء والعديد من القضايا الأخرى التي تساهم في مسألة الهوية، من نحن وكيف انتهى بنا المطاف هنا؟

في البداية، يشير عبد الله إلى القصة التوراتية لنوح، واصفًا مشهد حمامة تبحث عن الأرض في أعقاب طوفان هائل.

بادئ ذي بدء، يعود الطائر إلى السفينة بعد رحلة طويلة، مما يشير إلى أنه لم يجد مكاناً للاستقرار، وبعد سبعة أيام، تُرسل الحمامة مرة أخرى، وتعود وهي تحمل غصن زيتون في إشارة إلى أن المياه بدأت في الانحسار، أما في المرة الثالثة، فلا يعود الطائر على الإطلاق، بعد أن وجد مكاناً استقر فيه.

وبصفتي من أيتام ثورة 25 يناير في مصر، وجدت نفسي أشهد أداءً استدعى ذكرياتي الشخصية، على الرغم من أنني لم أكتبها أبداً.

“الخدمة الوطنية”

في 25 يناير 2011، كنت أخدم في الجيش، وأؤدي خدمة إلزامية لم أستمتع بها أبداً، كانوا يطلقون عليها “خدمة الوطن”، لكنني ظننت أن الخدمة الحقيقية كانت تتم على بعد بضعة كيلومترات مني، في قلب ميدان التحرير في القاهرة.

لقد أضعت فرصتي لخدمة وطني حقاً حيث طُلب مني أداء “الخدمة الوطنية”، وهو تفسير خاطئ للمصطلح، هل يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر عبثية من ذلك؟

تمكنت لاحقاً من الحصول على إجازة من قائد وحدتي وشهدت استقالة الرئيس السابق حسني مبارك في ميدان التحرير، وكنت حاضراً في كل حدث كبير للثورة بعد ذلك، حتى غادرت مصر قبل خمسة أيام من انقلاب 2013، ولم أفوت مشهداً ثورياً واحداً.

في “لا مكان”، يروي عبد الله قصة صديقه الفنان الثائر علام واصف، الذي توفي في 11 فبراير/شباط 2023، ذكرى استقالة مبارك، بعد صراع مع السرطان.

أنا أكره السرطان، ففي أوائل عام 2021، كنت أعمل مع صديقي العزيز محمد أبو الغيط في مشروع بودكاست، لقد اشتكى من آلام في المعدة، لكنني حثثته على عدم القلق، حيث ذكرني وصفه للإزعاج بحصوات المرارة التي عانيت منها قبل عدة سنوات.

وباعتباره طبيباً، أخبرني أنني مخطئ، لكنني كنت واثقًا بما يكفي للمراهنة معه بمبلغ 20 جنيهًا إسترلينيًا (25 دولارًا) على أنها مجرد حصوة في المرارة.

واصلنا عملنا بينما خضع لسلسلة من الاختبارات، بحلول شهر يونيو/حزيران من ذلك العام، علم أنه مصاب بورم في المعدة.

اندماج الأرواح

في مسرحيته، يقدم عبد الله لقطات من حفل عيد ميلاد واصف في غرفته بالمستشفى، والذي يشبه إلى حد كبير آخر احتفال بعيد الميلاد الذي أقمناه لصديقي محمد، ويعرض عبد الله صورة لواصف في أيامه الأخيرة، تشبه بشكل لافت للنظر صورة محمد.

كان آخر إنجاز حققه واصف إقامة معرض فني، أما آخر إنجازات محمد فكان كتابًا جميلًا يروي فيه معركته مع السرطان، وتوفي محمد في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، أي قبل شهرين من وفاة واصف.

لقد صحبنا عبد الله في طوفان جماعي: عقد من الأحداث، العامة والشخصية، حيث يمزج قصته مع قصة واصف وقصتي مع قصة محمد، أنا متأكد من أن المشاهدين الآخرين وجدوا أوجه تشابه مماثلة.

اندمجت أرواحنا خلال لحظة في الزمن أصبحت واقعنا المستمر وذاكرة جماعية مذهلة في قوتها وعبثيتها.

في نهاية رواية الغريب لألبير كامو، بعد إدانة بطل الرواية، مورسو، بالقتل وتحديد موعد إعدامه، يعيد النظر في حياته ويواجه واقعه دون أي أوهام أو أعذار، وعلى الرغم من كل ما مر به، فإنه يصل إلى تقبل عميق لمصيره.

يدرك مورسو أنه بفضل موقفه المباشر تجاه الحياة، وجد الانسجام بين أفكاره ووجوده، ويلخص هذا بالاقتباس الشهير: “في أعماق روحي، كنت أعلم أنني كنت سعيدًا”. وكذلك فعلنا، يا مورسو ، عذراً،  كذلك فعلنا، يا عبد الله، ففي أعماق أرواحنا، كنا نعلم أننا كنا سعداء.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة