هل استطاعت التظاهرات التضامنية في بريطانيا إحداث فرق في الحرب على غزة؟

بقلم اسماعيل باتل

ترجمة وتحرير مريم الحمد

خلال العام الماضي، اجتاحت بريطانيا موجة من التظاهرات التضامنية من أجل فلسطين، حيث تدفق الملايين من الناس إلى الشوارع في عشرات الاحتجاجات في صرخة ضد الفظائع الإسرائيلية، ولكن يبقى السؤال الحاسم بعد أكثر من عام، هل استطاعت تلك الصرخة إحداث فرق حقاً؟!

للوهلة الأولى، يوحي الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة بعكس ذلك، الأمر الذي يمكن أن يصل المرء بسببه إلى نتيجة مفادها استبعاد الاحتجاجات باعتبارها ضجيجاً عقيماً.

هذا الاستنتاج لا يأخذ في الاعتبار الدور الذي لعبته الاحتجاجات في تقويض الأدوات التي تمكن الإبادة الجماعية، من الإرادة السياسية والتمثيل الإعلامي والرأي العام والأنظمة الاقتصادية.

في مايو عام 2024، فقد أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع يؤيدون إنهاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وأكثر من الثلثين يؤيدون وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، كما زاد التعاطف مع الفلسطينيين إلى 31%

ما من شك في أن الاحتجاجات تقدم رسالة عميقة عنوانها “ليس باسمنا” كناية عن تسجيل رفض المواطنين للتواطؤ مع حكوماتهم في الفظائع المروعة التي ترتكب في غزة.

لقد أحدثت الاحتجاجات تحولات ملموسة، كان أهمها التنوع الهائل في الفئات المشاركة بها، حيث اجتذبت الاحتجاجات في بريطانيا وفي جميع أنحاء العالم الناس من جميع الأعمار والأعراق والألوان والأديان، واتحدوا من أجل تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني. 

ضمن هذا الوصف، فقد قدمت الاحتجاجات نموذج مهماً مناقضاً لقوى كراهية الأجانب والعنصرية والتفوق العنصري التي يقوم عليها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ومؤيدوه.

تحول الرأي العام

لعل أحد أكثر تأثيرات الاحتجاجات قابلية للقياس هو التحول في الرأي العام، ففي مايو عام 2023، كان هناك 23% من الشعب البريطاني ممن يتعاطفون مع الفلسطينيين.

أما في مايو عام 2024، فقد أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع يؤيدون إنهاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وأكثر من الثلثين يؤيدون وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، كما زاد التعاطف مع الفلسطينيين إلى 31%.

من ناحية أخرى، فقد كان للدبلوماسيين والحكومات من بعض مناطق الجنوب العالمي، دور في مقاومة الضغوط الأمريكية، حيث تحدت جميع الدول تقريباً الولايات المتحدة بالتصويت لصالح وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة في الأمم المتحدة، كما  انسحب دبلوماسيون من عشرات الدول عندما اعتلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المنصة.

لقد أثبت عام الإبادة المستمرة في غزة، أن هناك قوة حقيقية في الاحتجاجات، حيث يمكنها أن تلهم السكان وتتحدى مجرمي الحرب، فقد كشفت وحشية إسرائيل وأعطت المضطهدين الأمل

لقد حدثت تطورات مهمة أخرى خلال عام من الاحتجاجات العامة، حيث رفعت جنوب إفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، فيما قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلباً لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

علاوة على ذلك، فقد أعلنت المزيد من الدول استدعاء دبلوماسييها أو قطع العلاقات مع إسرائيل، منها تشيلي وكولومبيا وتشاد وتركيا وغيرها، كما تم إيقاف أو تقييد مبيعات الأسلحة لإسرائيل في بعض الدول، مثل كندا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا.

أما على صعيد المشهد السياسي الداخلي في بريطانيا، فقد كان للاحتجاجات تأثير ملحوظ، ففي الانتخابات الأخيرة، كان شعار عدد كبير من المرشحين المستقلين نرتبطاً بغزة، واستطاعوا هزيمة سياسيين مخضرمين، خاصة مع موقف رئيس الوزراء، كير ستارمر، تجاه إسرائيل مما أدى إلى نفور المجتمع من هذا التوجه. 

لقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف مؤخراً أن 44% من ناخبي حزب العمال يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين، بينما كان 10% فقط أكثر تعاطفاً مع الإسرائيليين، ولذلك عندما يؤكد ستارمر على أن بريطانيا “تقف إلى جانب إسرائيل”، فإنه يقف بمفرده بعيداً عن توجه أنصار حزب العمال الذي يقوده!

لقد سلطت الاحتجاجات المستمرة أيضاً الضوء على غرف الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي ذات التوجه الغربي، والتي تعرضت لانتقادات بسبب تغطيتها المتحيزة، مما اضطرها إلى مواجهة الحقائق على الأرض، بدلاً من مجرد دفن كل الفظائع المروعة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

في الوقت نفسه، كان للاحتجاجات دور مهم في تعزيز حركة المقاطعة (BDS)، فقد جعلت الحرب إسرائيل منبوذة اقتصادياً، حيث أغلقت آلاف الشركات أبوابها وشعرت الشركات الكبرى متعددة الجنسيات العاملة في إسرائيل بالضغط.

وقبل كل ما سبق، فقد أعطت الاحتجاجات الشعب الفلسطيني المحتل والمحاصر والمقصف شيئاً أكثر أهمية وهو الأمل، حيث أظهرت لهم الحركة الاحتجاجية أن هناك من يناصرهم في كفاحهم ويؤمن بسعيهم لتحقيق العدالة والعمل من أجل التحرر واستعادة كرامتهم.

لقد أثبت عام الإبادة المستمرة في غزة، أن هناك قوة حقيقية في الاحتجاجات، حيث يمكنها أن تلهم السكان وتتحدى مجرمي الحرب، فقد كشفت وحشية إسرائيل وأعطت المضطهدين الأمل.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة