رفضت الحكومة البريطانية الإفصاح عما إذا كانت ستعمد إلى اعتقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إذا وطأت قدماه أراضيها، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقه وبحق وزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
وفي بيان تلقته ميدل إيست آي، لم توضح حكومة حزب العمال برئاسة كير ستارمر ما إذا كانت ستؤيد مذكرات الاعتقال، لكن خبراء قانونيون أكدوا أن قرار الجنائية ملزم للملكة المتحدة باعتبارها دولة عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية: “نحن نحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية التي تعد المؤسسة الدولية الأساسية للتحقيق في أخطر الجرائم التي تثير قلقًا دوليًا وملاحقة مرتكبيها”.
وأضاف المتحدث: “هذه الحكومة كانت واضحة في أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وفقًا للقانون الدولي، ولا يوجد تكافؤ أخلاقي بين إسرائيل، وهي دولة ديمقراطية، وحماس وحزب الله اللبناني، وهما منظمتان إرهابيتان”.
ودعا الديمقراطيون الليبراليون، ثالث أكبر حزب في المملكة المتحدة، حكومة ستارمر إلى دعم مذكرات الاعتقال.
وقال الحزب بعد ظهر الخميس أنه: “من الأهمية بمكان أن تمتثل الحكومة الجديدة لالتزاماتنا بموجب القانون الدولي من خلال الالتزام بتأييد هذا الحكم، بما في ذلك تنفيذ مذكرات الاعتقال”.
وكانت بريطانيا قد سحبت في يوليو/تموز اعتراضها السابق على إصدار مذكرة اعتقال، والتي قدمتها حكومة المحافظين السابقة، حيث قالت حكومة حزب العمال “هذه مسألة تقررها المحكمة” التي اتخذت الآن قرارها فعلاً.
ويواجه نتنياهو وغالانت اتهامات بارتكاب مجموعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بسبب الفظائع التي ارتكبت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، كما أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق القائد العسكري لحماس محمد ضيف.
ويُترك للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددهم 124 دولة تشمل المملكة المتحدة تقرير ما إذا كانت ستنفذ مذكرات الاعتقال أم لا.
وفي عام 2001، أقرت حكومة حزب العمال برئاسة توني بلير قانون المحكمة الجنائية الدولية، الذي يفرض الامتثال لقرارات المحكمة وهو قرار من شأنه إلزام الحكومة باعتقال نتنياهو إذا وطأت قدماه أرض المملكة المتحدة.
وتحدد المحاكم البريطانية المستقلة ما إذا كانت ستؤيد مذكرة الاعتقال أم لا وفقًا لقانون عام 2001 وعبر عملية إجرائية قانونية محلية، لكن عدداً كبيراً من المحامين والناشطين أكدوا أن الالتزام بتنفيذ الاعتقال أمر ضروري.
فقد ذكر ساشا ديشموك، الرئيس التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة أن “خلال وجوده في المعارضة تعهد وزير الخارجية الحالي بأن يمتثل حزبه لأي مذكرات اعتقال تصدرها المحكمة الجنائية الدولية، ونحن الآن بحاجة إلى رؤية السيد لامي والحكومة البريطانية بأكملها تدعم بشكل لا لبس فيه هذه الخطوة المهمة للغاية من قبل المحكمة الجنائية الدولية”.
وأضاف ديشموك أن “مكانة المملكة المتحدة كداعم حقيقي لسيادة القانون تتطلب الاتساق والحياد، فإذا كانت جرائم الحرب جرائم عندما تنفذها القوات الروسية في أوكرانيا المحتلة بشكل غير قانوني، فإنها جرائم بنفس القدر عندما تنفذها القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل غير قانوني”.
وأردف: “امتثالاً لالتزاماتها القانونية الدولية، يجب على السلطات البريطانية أن تكون مستعدة لإجراء اعتقالات سريعة إذا خطا بنيامين نتنياهو أو يوآف غالانت بقدميه على الأراضي البريطانية.”
“هذا هو الحكم الأكثر أهمية في تاريخ القانون الإنساني الدولي، لقد كسرت المحكمة الجنائية الدولية للتو سلسلة إفلات إسرائيل من العقاب التي دامت عقودًا من الزمن”- طيب علي، المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين
من ناحيته، بين طيب علي مدير المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين أن: “المملكة المتحدة عضو في المحكمة الجنائية الدولية وينبغي لها أن تعترف بواجبها كدولة موقعة على نظام روما الأساسي، وهي ملزمة الآن بوقف أي نشاط قد يكون متواطئًا في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها إسرائيل وضمان تحرك الشرطة بناءً على أوامر الاعتقال إذا دخل نتنياهو أو غالانت المملكة المتحدة”.
بدورها أشارت ميرا ناصر، المسؤولة القانونية في المركز الدولي للعدالة والسلام إلى أن: “المسؤولين البريطانيين في الحكومتين أنكروا خلال العام الماضي من الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وبشكل لا يغتفر، جرائم الحرب الإسرائيلية وقللوا من شأنها، لكن لم يعد بإمكانهم الاستمرار في التظاهر بأنهم يجهلون ما يجري”.
وكان ستارمر قد سُئل بشكل واضح سابقاً عما إذا كان سيرى يوماً اعتقال نتنياهو، فأجاب أنه “سينتظر ويرى” قرار المحكمة، قبل أن يتابع: “لكنني أؤمن بسيادة القانون الدولي وأحترم استقلال كل من المدعي العام والمحكمة، لكن يتعين عليهم اتخاذ قرار في مرحلة ما في المستقبل”.
وضمن ردود الأفعال على قرار المحكمة، دعا كل من المجلس الإسلامي البريطاني وشبكة المسلمين التابعة لحزب العمال الحكومة إلى الامتثال لأوامر الاعتقال.
وحث المجلس في بيان أصدره حكومة المملكة المتحدة “على دعم المحكمة الجنائية الدولية بشكل كامل، واحترام القانون الدولي، والتوقف عن توريد الأسلحة التي تغذي هذه الفظائع، والمطالبة بالمساءلة”.
دعوات لبريطانيا لقطع العلاقات التجارية
وفي تطور لاحق، عبر العميد جون ديفيريل، المدير السابق للدبلوماسية الدفاعية في وزارة الدفاع البريطانية، عن اعتقاده بضرورة توسيع قرارات المحكمة الجنائية الدولية.
وقال ديفيريل: “من تجربتي الخاصة كرجل عسكري، يجب أن تمتد أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية إلى أسفل سلسلة القيادة، وأن لا تقتصر فقط على أولئك الذين كلفوا بأعمال قد تشكل جرائم حرب ولكن يجب أن تمتد أيضًا إلى المشرفين عليهم”.
واتفق كريس دويل، مدير مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني مع رأي ديفيريل قائلاً إنه “من الصعب أن نتخيل أن الجرائم تقتصر فقط على نتنياهو وغالانت، بل إن منطق هذا القرار هو أنه يجب إصدار أوامر اعتقال للآخرين أيضًا، سواء داخل الحكومة الإسرائيلية والجيش، أو داخل حماس”.
وقال دويل إن المملكة المتحدة يجب أن “تعلن على الفور وبشكل واضح أنها ترحب بقرار إصدار مذكرات الاعتقال، وأنها ستحترم مذكرات الاعتقال وأنها ستدعم المحكمة الجنائية الدولية إذا أصدرت مذكرات اعتقال ضد أي أفراد آخرين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بغض النظر عن هويتهم”.
لكنه أضاف أن الحكومة يجب أن تفعل أكثر من ذلك بكثير، قائلاً: “بعد أن تم إخطارها بوجود أدلة كافية على ارتكاب جرائم حرب، لماذا تستمر الحكومة البريطانية في بيع الأسلحة لدولة إسرائيل؟ لماذا تستمر في وصف إسرائيل بأنها حليفة؟ لماذا تستمر في التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل؟”.
“لماذا تستمر بريطانيا في الانخراط في احتلال إسرائيل غير القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة من خلال التجارة مع المستوطنات غير القانونية؟ لقد حان الوقت لبريطانيا لإثبات أنها تقف إلى جانب القانون الدولي”- كريس دويل، CAABU
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تبين أن فريق جرائم الحرب التابع لشرطة العاصمة البريطانية قد شارك “عددًا صغيرًا من الإحالات” مع المحكمة الجنائية الدولية منذ الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي والحرب التي تلته على غزة.
وقال متحدث باسم الشرطة لموقع ميدل إيست آي أن الفريق استعرض حوالي 170 إحالة وتبادل المعلومات مع المحكمة الدولية “كجزء من الالتزامات الدولية للمملكة المتحدة”.
وفي الوقت نفسه، قالت وزارة الدفاع إنها ستنظر، إذا طُلب منها، في مشاركة أدلة جرائم الحرب مع المحكمة الجنائية الدولية التي يمكن أن تكون قد جمعت من خلال طائرات التجسس التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني أثناء تحليقها فوق غزة خلال العام الماضي.
ومنذ أوائل ديسمبر/كانون الأول، حلق سلاح الجو الملكي البريطاني بما لا يقل عن 450 طلعة فوق غزة.
وقالت وزارة الدفاع أن الرحلات الجوية غير مسلحة وتركز فقط على جمع المعلومات الاستخبارية للمساعدة في تأمين إطلاق سراح الأسرى، بمن فيهم الرعايا البريطانيين، الذين تم أسرهم عليهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.