بقلم هانا ديفيس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على سفوح جبل لبنان، تقع قرية دير الأحمر التي غدت ملاذاً آمنا لآلاف النازحين من قصف الاحتلال المكثف على المناطق القريبة منها حتى تضخم عدد سكانها إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في غضون شهرين فقط، بعدما فتحت المنازل والكنائس والمدارس أبوابها لحوالي 12000 نازح لبناني.
وبالمجمل فإن بلدية المنطقة التي تضم 13 قرية مسيحية، تستضيف الآن ضعف عدد سكانها المقيمين وبما يصل إلى 22000 نازح معظمهم من الشيعة، أتباع الطائفة التي يستمد حزب الله منها غالبية دعمه والتي تتحمل العبء الأكبر من عدوان الاحتلال على لبنان.
تدعم غالبية كبيرة من سكان دير الأحمر حزب القوات اللبنانية، وهو حزب سياسي مسيحي يميني ومعارض لحزب الله كان في الأصل منظمة مسلحة قاتلت في الحرب الأهلية اللبنانية في الفترة 1975-1990، وعلى الرغم من تعارض الآراء السياسية، فقد رحب سكان دير الأحمر بجيرانهم الشيعة.
وقال جان فخري، رئيس بلدية القرية، لموقع ميدل إيست آي: “معاملة جيرانك بشكل جيد هي ركيزة من ركائز دير الأحمر، لم يكن الاختلاف عائقًا أمام ترجمة السلوك الإنساني تجاه بعضنا البعض”.
“التطوع في دمنا”
ونزح العديد من اللبنانيين إلى دير الأحمر من بعلبك، وهي مدينة قديمة تبعد حوالي 17 كيلومترًا وتعرضت لقصف جوي من قبل الاحتلال حيث قالت رنا رحمة، التي كانت متطوعة مع جمعية كاريتاس الكاثوليكية الخيرية خلال وجودها في أحد ملاجئ النازحين: “التطوع في دمنا”.
وقبل تصعيد عدوان الاحتلال على لبنان في سبتمبر/أيلول، كان الملجأ مدرسة للطلاب، لكنه الآن يؤوي 750 شخصًا وهو واحد من ستة ملاجئ في المنطقة، ويمكن من موقعه على قمة التل رؤية أعمدة الدخان تتصاعد من مواقع القصف عبر حقول البقاع.
وأوضحت رحمة” “نحن جيران لفترة طويلة، قبل الحرب، كنا نذهب إلى بعلبك كل يوم وكانوا يأتون إلينا، ونحن نعرف الكثير منهم، وهم يعرفون الكثير منا، إنهم في حاجة إلى المساعدة، لقد تركوا منازلهم بلا طعام أو فراش أو مال”.
وفي فناء الملجأ، كانت نور طه، وهي معلمة من بعلبك في أواخر العشرينيات من عمرها، تنظر من النافذة وقالت إنها تشاهد غارات الاحتلال في الأسفل، مبديةً قلقها على عائلتها التي بقيت في المنزل.
قصفت قوات الاحتلال منطقة بعلبك بلا هوادة، وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني وحده، قتلت الغارات 47 شخصًا على الأقل، من بين أكثر من 3700 شهيداً ارتقوا في لبنان منذ أن بدأ حزب الله وجيش الاحتلال الاشتباك في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي بعد أن شرع الحزب بمساندة قطاع غزة في مواجهة العدوان.
وقالت طه أن والديها شجاعان ولديهما “قلوب من حديد”، مضيفة: “هم على عكسي تماماً، فأنا أشعر بالخوف بسهولة”.
وتقول طه أنها تفتقد والديها كثيراً وتحاول أن تذهب لرؤيتهم، ولكنها غير قادرة على ذلك، وتضيف متنهدةً: “أحاول الذهاب إليهم كل يوم ولكن الاحتلال يواصل القصف وليس لدي ما يكفي من الشجاعة للذهاب في ظل ذلك”.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر جيش الاحتلال أمراً بطرد جميع سكان بعلبك، مما أدى إلى نزوح جماعي من المنطقة، حيث قال ربيع سعادة، الذي ينسق الاستجابة للمساعدات في دير الأحمر، أن القرية استقبلت حوالي 3800 سيارة من بعلبك في غضون ساعتين من تهديد الاحتلال.
وأردف سعادة: “لم يكن لدينا أسرّة لهم في المنازل أو في الملاجئ، لذلك كانوا ينامون على الأرض، وفي الكنائس وفي المنازل، وقد عاد معظمهم منذ ذلك الحين”.
في البداية، كانت المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية الكبيرة غائبة عن الاستجابة للمساعدات في دير الأحمر، لذلك قام قرويون مثل سعادة ورحمة بسد الفجوة بدعم من القوات اللبنانية، حيث ذكر سعادة أن “القوات اللبنانية تقدم كل ما في وسعها، وتساعد في تلبية جميع الاحتياجات التي لم تقم المنظمات غير الحكومية بتلبيتها”.
وأشار إلى أن حزب القوات اللبنانية قدم للنازحين الطعام، الذي ينفد غالبًا، بالإضافة إلى 10000 لتر من الوقود لتشغيل مولد الكهرباء في المأوى.
التوترات الطائفية
وأدى قصف الاحتلال وغزوه البري إلى نزوح أكثر من مليون لبناني، الغالبية العظمى منهم من الشيعة من الجنوب والبقاع والضواحي الجنوبية لبيروت.
وفي بعض الأحيان، استهدفت قوات الاحتلال النازحين الشيعة الذين لجأوا إلى المباني في المناطق ذات الأغلبية المسيحية أو السنية أو الدرزية، مما جعل بعض السكان يخشون استضافة النازحين.
ففي حي عين الرمانة ذي الأغلبية المسيحية في بيروت، يقوم السكان الداعمون للقوات اللبنانية بدوريات في الشوارع، ويبلغون عن سلوك “مريب”، وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول، حاولت الشرطة في الحمرا غرب بيروت إخلاء النازحين بالقوة من مبنى بناءً على طلب مالكه، مما أدى إلى نشوب اشتباكات حامية الوطيس.
وقد ترددت بعض التكهنات بأن الاحتلال كان ينوي تأجيج التوترات الطائفية من خلال إجبار الشيعة على الانتقال إلى مناطق يسكنها عادة لبنانيون من طوائف أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد.
غير أن دير الأحمر نجحت إلى حد كبير في تجنب مثل هذه التوترات، حيث قالت طه أن سكان القرية كانوا “جيدين حقا” مع جيرانهم الوافدين من بعلبك، موضحة “هم لا يميزون بين الناس وما إذا كان الشخص من دين مختلف، لم يتسبب أحد في إيذائنا، بل كان الأمر على العكس تمامًا”.
غير أن الحال كان مختلفاً في قرية عيتا المسيحية الجبلية، فبعد استشهاد 23 نازحًا في غارة للاحتلال على القرية بدأ السكان بأخذ الاحتياطات بشأن من يمكنه دخول الملاجئ.
وفي هذا الصدد يقول سعد أن أهالي القرية أصبحوا يتحققون من هويات النازحين للتأكد من أنهم ليسوا أعضاء في حزب الله، مضيفاً: “نحن نقول لمن ينتمي للحزب يمكننا قبول عائلتك، ولكن أنت عليك المغادرة”.
ووفقًا لسعادة، فإن بعض النازحين كانوا يحذرون السكان من وجود أعضاء في حزب الله بينهم داخل الملاجيء لتلافي تعرضها لقصف الاحتلال”.
وقال سعد: “إذا دخل شخص خطير إلى الملجأ، فإنهم يخبروننا أنهم خائفون منه، ويطلبون منا أن نخبره بالمغادرة”.
الشتاء يقترب
وشهدت الأيام الأخيرة انخفاضًا حادًا في درجات الحرارة واستقرار أول ثلوج الموسم على الجبال، ولن يمر وقت طويل قبل أن تدفن الثلوج طريقين من الطرق الثلاثة المؤدية إلى دير الأحمر، مما يقطع طرقاً حيوية للمساعدات.
يمر الطريق الأخير عبر مناطق تستهدفها قوات الاحتلال بشكل روتيني وهو خطير للغاية، واضطرت الأمم المتحدة إلى تأجيل أنشطتها هناك لمدة أسبوع كامل الشهر الماضي بسبب غارات الاحتلال المكثفة.
ويشعر فخري، رئيس البلدية، بالقلق من أن وصول المساعدات سيصبح أكثر صعوبة في الوقت الذي يحتاجها الناس أكثر من أي وقت مضى، حيث سيزداد الطلب على البطانيات والوقود مع برودة الطقس.
وقال: “نحن نطالب بمزيد من الدعم حتى نتمكن من الوقوف بجانب هؤلاء النازحين وتزويدهم بالمواد التي يحتاجون إليها”.
وتعتقد طه أن المأوى سيكون شديد القسوة إلى حد لا يحتمل خلال الشتاء، فيما تشيع أجواء مشبعة بالكثير من التفاؤل بأن وقف إطلاق النار وشيك، ولكن مهما حدث فإن طه ستعود إلى بعلبك.
وقالت: “لا أستطيع البقاء في المدرسة عندما يحل الشتاء، فهذا غير ممكن، وآمل أن تنتهي الحرب قريبا”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)