بقلم بول خليفة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لقد أسفرت المواجهة التي امتدت لـ 14 شهراً بين الاحتلال وحزب الله، والتي تصاعدت إلى حرب مفتوحة خلال الشهرين الماضيين، عن ارتقاء 3800 شخص وإصابة أكثر من 15 ألف آخرين في لبنان.
وفور الإعلان عن وقف إطلاق النار في وقت مبكر من صباح الأربعاء بالتوقيت المحلي، ادعى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو النصر، ولكن السؤال هو هل خسر حزب الله هذه الحرب؟
في وقت مبكر من الفجر، وبعد ساعتين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال حيز التنفيذ، بدأت آلاف العائلات النازحة، المكدسة في السيارات والشاحنات، رحلة العودة إلى قراها المدمرة في جنوب لبنان، ووادي البقاع، والضاحية الجنوبية لبيروت.
وتشكلت اختناقات مرورية هائلة على الطريق الساحلي السريع المؤدي إلى جنوب لبنان، وعلى الطريق المؤدي إلى البقاع، وفي الشوارع التي تربط بيروت بضواحيها الجنوبية، وقد رفع ركاب السيارات أيديهم بإشارة النصر وهم يلوحون بأعلام حزب الله وصور زعيمه التاريخي، حسن نصر الله، الذي قتلته إسرائيل في 27 سبتمبر/أيلول.
ورغم الدمار والدموع وفقدان الأحبة، بدا الحشد مبتهجاً، فلم ينتظروا انسحاب قوات الاحتلال ليعودوا إلى أرضهم، ولم يستمعوا إلى نصيحة الجيش اللبناني الذي أصدر بياناً صباحياً حث فيه السكان على عدم العودة إلى منازلهم حتى تغادر قوات الاحتلال.
على العكس تماماً، فهم اتبعوا مشاعرهم، كما عبر عنها ببلاغة زعيمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطاب متلفز: “عودوا إلى قراكم، وابحثوا عن أشجار التين والزيتون، وعودوا بفخر إلى قراكم لأنكم هزمتم العدو”، فهل خرج حزب الله حقاً منتصراً من هذه الحرب ليحتفل به كبطل؟
الخسائر والمكاسب
في خطابه مساء الثلاثاء، الذي أعلن فيه قبول الاحتلال لوقف إطلاق النار، أعلن نتنياهو النصر: “لقد أعدنا حزب الله إلى الوراء عقداً من الزمن، قبل ثلاثة أشهر، كان هذا ليبدو وكأنه خيالاً علمياً، لكننا نجحنا، لم يعد حزب الله كما كان”.
قتلت قوات الاحتلال كبار القادة السياسيين والعسكريين لحزب الله، ودمرت مؤسساته الاجتماعية والمالية والطبية، وقصفت بنيته التحتية العسكرية، وقتلت وأصابت الآلاف من مقاتليه، كما تم محو عشرات القرى من الخريطة، وتحولت آلاف المنازل إلى أنقاض، ودُمر عدد لا يحصى من الشركات.
“لقد كانت عودة المستوطنين إلى الجليل الشمالي مجرد هدف معلن، لكن الهدف الحقيقي لإسرائيل كان يتمثل في تفكيك ترسانة حزب الله من الصواريخ الباليستية، التي تمثل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل، الاحتلال لم يفشل فقط في تحقيق أهدافه، بل واجه أيضاً تحدياً جديداً هو الطائرات بدون طيار، والتي لم تتمكن القبة الحديدية من تحييدها” – وليد شرارة، محلل سياسي
ولكن “النصر لا يمكن قياسه بعدد الشهداء أو مدى الدمار، بل يجب أن يستند إلى الأهداف الأولية للحرب”، بحسب أحمد نور الدين، أستاذ التاريخ في جنوب لبنان، الذي أوضح: “لقد دُمرت ستالينغراد ودُمرت لندن خلال الحرب العالمية الثانية، ومات أكثر من عشرين مليون سوفييتي، ورغم ذلك، فقد انتصرت روسيا وإنجلترا بالحرب”.
كما لاحظ إلياس فرحات، وهو جنرال متقاعد في الجيش اللبناني، أن دولة الاحتلال فشلت في تحقيق أي من أهدافها، قائلاً: “بعد اغتيال نصر الله وغيره من القادة رفيعي المستوى، صرح نتنياهو أنه يريد إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وخلال جولة على الحدود اللبنانية، قال: “سواء باتفاق أو بدونه، فإن مفتاح إعادة شعبنا إلى الشمال هو دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني ومنعه من إعادة التسلح، لكن إسرائيل لم تحقق أيًا من هذه الأهداف”.
أهداف فاشلة
ويقول عبد الحليم فضل الله، مدير المركز الاستشاري للأبحاث والتوثيق، وهو مركز أبحاث تابع لحزب الله: “هذه الحرب الإسرائيلية لم تكن ذات أهداف عسكرية فقط ولم تتحقق، بل كانت أيضًا ذات أهداف سياسية”.
ويضيف فضل الله: “لقد عبر نتنياهو بوضوح عن أهدافه عندما أخبر حلفاءه الغربيين أن هذه الحرب ستكون مقدمة لتغييرات سياسية جوهرية في لبنان، وقد فشل نتنياهو في تحقيق هذا الهدف، فقد كان حزب الله، ولا يزال، الحزب الأكبر في لبنان من حيث التمثيل الشعبي، كما أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وسيظل الحزب الأكبر من حيث المؤسسات، كما أثبت من خلال ملء المناصب العسكرية والسياسية التي تم إعادة ملئها بسرعة بعدما شعرت جراء الاغتيالات”.
وأوضح فضل الله أن “حزب الله سيبقى لاعباً أساسياً في السياسة الداخلية اللبنانية، وكل المحاولات لتهميشه سياسياً ستفشل، حيث أن الحزب يحتفظ مع حركة أمل بكافة المقاعد البرلمانية المخصصة للطائفة الشيعية في البرلمان اللبناني، ولديه حلفاء في الطوائف الأخرى، المسيحية والإسلامية، بسبب رؤيته الإصلاحية والتزامه بالمقاومة ضد إسرائيل، ونظراً للتركيبة السياسية الطائفية في لبنان، فإن حزب الله وحركة أمل سيحتفظان بدور مهم في عملية صنع القرار الوطني”.
تُظهر النقاط الثلاثة عشر لاتفاق وقف إطلاق النار بوضوح أنها تستند إلى حد كبير إلى القرار الدولي رقم 1701، الذي وافق لبنان على تنفيذه منذ الأيام الأولى للحرب دون “أي تعديل”، كما أكد بري.
وعلى النقيض من ادعاءات نتنياهو، فإن الاتفاق لا يمنح جيش الاحتلال حرية الحركة في الأراضي اللبنانية، بل يتضمن أحد بنوده نص “الحق الطبيعي لإسرائيل ولبنان في الدفاع عن النفس”، حيث حذر النائب عن حزب الله حسن فضل الله في مقابلة تلفزيونية يوم الأربعاء من أن “للمقاومة الحق في الدفاع عن نفسها” في حالة وقوع هجوم إسرائيلي عليها.
ولا يذكر الاتفاق صراحة نزع سلاح حزب الله، وينص على “تفكيك جميع المرافق غير المصرح بها المتعلقة بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة وتفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية غير الملتزمة، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها”.
يكتنف الغموض تفسير هذين البندين، حيث إن حزب الله وأمل ممثلان داخل السلطة التنفيذية، كما أن مبدأ “المقاومة” تم إضفاء الشرعية عليه من قبل جميع الحكومات اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، لكن هذه البنود الداعية إلى تفكيك البنى التحتية العسكرية ومصادرة الأسلحة، من المرجح أن تتحول، إذا تم خرقها، إلى فرص ينتهزها خصوم حزب الله اللبنانيون المرتبطون غالباً بأجندات سياسية خارجية.
لم يخف هؤلاء الخصوم أملهم في رؤية حزب الله وقد تم القضاء عليه من قبل إسرائيل، ورغم خيبة أملهم في تحقيق هذه الحرب لذلك، إلا أنهم لا يعتبرون أنفسهم مهزومين، وهم يستعدون بالفعل للاشتباك مع حزب الله وحلفائه في القضايا الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية.
ويعتقد معارضو حزب الله أنه مع إضعافه وانشغاله بمداواة جراحه وجراح قاعدته الشعبية، فسوف يسحب الآن دعمه لترشيح الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية من مواجهة مرشحهم المفضل قائد الجيش العماد جوزيف عون، المدعوم من الولايات المتحدة.
أسئلة متبقية
وهناك سؤال حاسم آخر يتعلق بدور الجيش اللبناني في الفترة المقبلة، فهل يقبل الجيش المواجهة مع حزب الله الذي يدعمه أكثر من نصف سكان لبنان، والتحول من خلال ذلك إلى حرس حدود يخدمون إسرائيل؟ أم أنه سيستمر في أداء مهمته الأساسية المتمثلة في الحفاظ على النظام الاجتماعي في لبنان ومنع تبلور الظروف المؤدية إلى حرب أهلية؟
من المبكر جداً الإجابة على هذه الأسئلة، ولكن بعض الدوائر السياسية أبدت استياءها من دعوة الجيش لسكان جنوب لبنان إلى عدم العودة إلى ديارهم حتى يتم الانسحاب الإسرائيلي، وهذا مهم بشكل خاص، لأن العودة الفورية والجماهيرية والاحتفالية للنازحين هي واحدة من أهم مظاهر فشل الحرب الإسرائيلية.
ومن التحديات الكبرى الأخرى التي سيواجهها حزب الله إعادة إعمار المناطق ذات الأغلبية الشيعية، والتي لحقت بها أضرار كبيرة، وفي هذا الصدد، لاحظ الباحث فضل الله أن حزب الله ركز جهوده على إعادة الإعمار، خاصة أنه يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال من خلال مؤسسة وعد التي أعادت بناء المناطق المدمرة بعد حرب تموز/يوليو وآب/أغسطس 2006، ويمكنه الاعتماد على مؤسساته المدنية والإدارية الكفؤة، الموجودة في كل المناطق اللبنانية.
كما لاحظ فضل الله أن “الحزب سيبذل كل ما في وسعه لضمان عودة السكان، كما وعد أمينه العام نعيم قاسم، ولكن لا ينبغي أن ننسى أن هذه هي مسؤولية الدولة اللبنانية أيضاً، التي ينبغي أن تقدم المساهمة الأساسية في هذا المجال”.
وبالنسبة إلى إلياس فرحات، فإن الأمور ليست واضحةً تماماً، حيث تساءل الجنرال السابق: “في ظل عجز الدولة وغياب المانحين الرئيسيين وهيئات التمويل، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه حزب الله هو قدرته على تأمين الاحتياجات المالية لقاعدته الشعبية التي فقدت منازلها، فهل سيدفع إيجاراً لمدة عام ويوفر الأموال اللازمة لشراء الأثاث، كما فعل في عام 2006؟ من أين سيجد المال لمثل هذه العملية؟”.
لكت مصدراً في حزب الله قال أن “المال ليس مشكلة” وأن “خطط إعادة الإعمار بدأت بالفعل”، وبكل الأحوال فإن الأشهر المقبلة ستأتي بإجابات على كل هذه الأسئلة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)